هل ينجح الديمقراطيون في عزل ترامب ؟


في خطوة تشريعية هي الأولى للمساءلة في الكونغرس الامريكي منذ تحقيق عام 1998 مع الرئيس السابق بيل كلينتون بتهمة الحنث باليمين وعرقلة العدالة فيما عرف بفضيحة العلاقة بالمتدربة السابقة بالبيت الأبيض " مونيكا لوينسكي " حين صوت في حينه مجلس النواب بمساءلة كلينتون لكن مجلس الشيوخ برائه بتاريخ 12/ 2 / 1999 وأكمل ولايته الرئاسية.

وألان وبعد طول انتظار وضمن مساعي جادة ومماثلة وبعد الخروج من حالة التردد خلال العامين الأخيرين بدأ الديمقراطيون بمجلس النواب الأميركي يوم الثلاثاء الماضي 24 / 9 / 2019 تحقيقا رسميا مفصلا لمساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل نحو عام واحد من انتهاء ولايته الأولى بتهمة " التماس مساعدة أجنبية " لتشويه سمعة منافسه المرشح الديمقراطي ( جو بايدن ) الأوفر حظا لخوض انتخابات الرئاسة وذلك قبل عام على الانتخابات الرئاسية المقبلة حيث أعلنت رئيسة مجلس النواب " نانسي بيلوسي " عن فتح التحقيق عقب اجتماع مغلق جمعها مع نواب ديمقراطيين أفادت خلاله بان ( تصرفات ترامب قوضت الأمن القومي وانتهكت الدستور الأميركي ) وقالت بقوة وجراءة لافتة إنه "ينبغي محاسبة الرئيس" و أنه "لا أحد فوق القانون" وقالت بيلوسي أيضا ( إن تصرفات رئاسية لترامب تكشف عن خيانته لقسمه وخيانة أمننا القومي وخيانة نزاهة انتخاباتنا ).

وقد جاء قرار الديمقراطيين بعد تقارير أمنية موثقة أفادت بأن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني " فولوديمير زيلينسكي " في اتصال هاتفي مثير للجدل يوم 25/ 7 / 2019 لدفعه لفتح تحقيق عن بايدن وابنه هانتر الذي عمل بشركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا حيث اعتبر العديد من النواب الديمقراطيون بعد هذه الحادثة بأن ( عليهم التزاما أخلاقيا بالسعي لإقالة ترامب مهما كانت النتائج والتبعات ) يذكر انه سبق لجون بايدن عندما كان يشغل منصب نائب باراك أوباما أن مارس مع قادة غربيين ضغوطاً على أوكرانيا للتخلص من النائب العام فيكتور شوكين باعتبار أنه لم يكن شديدا بما يكفي ضد الفساد.

وكعادته رد ترامب سريعا بتغريدة على تويتر اتهم فيها خصومه بشن "حملة اضطهاد تافهة" ضده وادعى بأن الديمقراطيين " لم يروا أبدا محضر الاتصال المزعوم " وفي تغريدة أخرى أكثر استفزازية كتب ترامب بالخط العريض إن هذا السلوك يشكل "تحرش بالرئاسة " وأضاف قوله " أنا الآن في الأمم المتحدة حيث أمثل بلدنا ولكني سمحت بأن ينشر غدا المحضر الكامل لمحادثتي الهاتفية مع الرئيس الأوكراني " وقد أقر بأنه تحدث عن بايدن في الاتصال لكنه نفى أن يكون هدف قراره تجميد مساعدات أميركية بقيمة 400 مليون دولار لأوكرانيا هو للضغط على الرئيس الأوكراني لفتح تحقيق يلحق الضرر بالمرشح بايدن الذي يتصدر استطلاعات الرأي بين مرشحي الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة.

في المقابل اتهم بشدة عدد من حلفاء الرئيس ترامب في الكونغرس رئيسة مجلس النواب باستخدامها القرار لتحقيق أغراض سياسية سريعة حيث وصف " ميتش مكونيل " زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ القرار بأنه " تعجل في الحكم " قائلا إنه كان ينبغي لها انتظار نشر تفاصيل المحادثة الهاتفية ومن ثم تتصرف.

يتأمل كثير من النواب الديمقراطيين ان يفضي تحقيق المساءلة هذا في النهاية إلى عزل ترامب من المنصب رغم أنها مهمة صعبة وشبه مستحيلة حتى إذا صوت مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون بمساءلة ترامب فإن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون هو الذي سيتخذ الخطوة التالية بعزله من المنصب بعد محاكمته حيث تحتاج إدانته إلى أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ وهذا أمر أكثر صعوبة امكانية تحقيقه في خضم أزمات سياسية وحالة انقسام كبيرة داخل امريكا.

ومن المعلوم تاريخيا وعمليا ان قرار عزل الرئيس ( أي رئيس في الولايات المتحدة الامريكية ) يعتبر مسألة معقدة جدا من حيث الإجراءات الدستورية والمتطلبات الفنية ولهذا فشلت جميع المحاولات السابقة لعزل رؤساء من مناصبهم حيث سعى المشرعون الأميركيون الأوائل للمواءمة بين أمرين هما المحافظة على الطابع الديمقراطي للبلاد ومنع انحراف الرؤساء وكبار المسؤولين التنفيذيين فاستحدث لأجل ذلك أداة العزل لتوفير إطار قانوني ودستوري يسمح بالتدخل عند الاقتضاء ولكنهم بالمقابل وضعوا قيودا مشددة على سلطة العزل من أجل بقاء وجود سلطة تنفيذية قوية لا تكون رهينة لأهواء وضغوط أعضاء وكتل الكونغرس أو المطالبة بالإقالة والعزل لأدنى سبب وقد حدد الدستور الأميركي ثلاثة أنواع من الجرائم التي تسمح بإقالة وعزل الرئيس أو نائبه أو القضاة الفدراليين وهي ( الخيانة والعظمى وتلقي الرشوة وارتكاب الجرائم والجنح ذات الأثر البالغ ).

يذكر انه سبق أن قدم ستة نواب ديمقراطيين مشاريع لمجلس النواب لغرض غزل الرئيس غير أنهم فشلوا جميعا في الحصول على تصويت الأغلبية وذلك لأن زعماء الديمقراطيين في مقدمتهم نانسي بيلوسي كانوا يعتقدون أن الوقت لم يكن مناسبا لذلك خاصة مع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ الأمريكي ويوجد في مجلس الشيوخ حاليا 53 جمهوريا و45 ديمقراطيا واثنان مستقلان عادة ما يتخذان موقف الديمقراطيين نفسه في التصويت وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتا وهذا يعني أنه حتى تتخذ إجراءات لإقالة ترامب فينبغي أن يصوت عشرون جمهوريا على الأقل وجميع الديمقراطيين ضده بالإضافة إلى الشيخين المستقلين وهنا يكمن التعقيد الإجرائي والصعوبة.

النظام السياسي الأميركي يشكل حالة فريدة في العالم من حيث الاستقرار السياسي والدستوري في البعد عن الهزات والاضطرابات التي تشهدها كثير من الدول وتعصف بأنظمتها السياسية وتؤدي إلى الإطاحة برؤسائها أثناء قيامهم بواجباتهم الدستورية في الحكم ولهذا لم تعرف أمريكيا منذ عهد جورج واشنطن أول رئيس أميركي (1789-1797) إلى الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب (2017) أي حالة عزل لأي رئيس أميركي من منصبه على الإطلاق وقد تعرض ثلاثة رؤساء فقط من أصل 45 رئيس لإجراءات عزل فشلت في حالتين وهما الرئيس الديمقراطي اندرو جونسون على خلفية إزاحته وزير الدفاع من منصبة وتمت تبرئته في مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد والرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون حين أجبر على الاستقالة في عام 1974 قبل ما يقرب من ثلاث سنوات من انتهاء فترة رئاسته الثانية على اثر تورطه بفضيحة وترغيت وهو الرئيس الوحيد المستقيل في تاريخ امريكا بعد ذلك رمزا للفضائح السياسية في العالم اما الحالة التي لم تصل نهاية المسار فكانت بحق الرئيس الديمقراطي بيل كلنتون والذي سبق الإشارة إليها في بداية المقال.

في المقابل فقد تمت الإطاحة برؤساء أميركيين آخرين بطرق غير دستورية حيث شهدت امريكا عبر تاريخها السياسي اغتيال أربعة رؤساء فضلا عن عدد كبير من محاولات الاغتيال الفاشلة.

بعدما خلق موضوع المكالمة المثيرة للجدل مشكلة كبيرة لترامب نفى جميع الاتهامات الموجهة إليه بممارسة ضغوط على حكومة أجنبية وتحدث للصحافيين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا " لم يحصل أي ضغط مطلقاً لقد كانت رسالة ودية " واتهم المراسلين بالفساد واختلاق الأخبار الكاذبة ووصف إجراءات مساءلته بالأمر المشين.

وفي ظل التعثر التاريخي لمحاولات العزل لأي رئيس أمريكي فمن المرجح أن تفشل محاولة الديمقراطيون هذه على زخمها وحماستها في عزل ترامب وان يعود عليهم برد الشرف ومطالبتهم بالاعتذار على اعتبار ان محادثته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني كانت مكالمة ودية ومثالية وإنهم كانوا على خطأ في اتهامه وما مبادرتهم بالمطالبة بفي التحقيق معه إلا مجرد حملة اضطهاد متسرعة ضده كما يدعي !!!

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات