دردشة عن الجزء الأول من فيلم الفيل الأزرق (1)


بسم الله الرحمن الرحيم - بسم الثالوث الأقدس
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) صورة الذاريات آية 56 صدق الله العظيم
"هذَا الْجِنْسُ (الشياطين) لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ" (إنجيل متى 17: 21؛ إنجيل مرقس 9: 29) كلام الرب،
أ) هل سلمت يوماً على شيطان؟
يفضل مشاهدة الفيلم قبل قراءة هذا المقال، كنا انا و أهلي في يوم من الايام نسكن في بلدة نائية بالأردن في محافظة البلقاء، و تمتاز هذه البلدة بأجواء المدينة الصغيرة حيث ان معظم عشائرها معروفين بالرغم من ان حجمها و تعداد سكانها و مساحتها بإزدياد من عقد لآخر، فمجتمعها مترابط أُسريٌ يتمحور حول العادات الأردنية و التقاليد المتوارثة منذ القدم من جيل الى جيل، و استذكر هنا قصة حدثت معي منذ تقريبا عشرين عام حينما كنت اسكن فيها، ففي يوم من الأيام كنت اسير بشارع فرعي قريب من منزلي يقود الى الشارع الرئيسي في البلدة، و كنت اقصد سوق البلدة الرئيسي و الطريق الوحيد الذي كان يؤدي اليه من منزلي كان الشارع الذي اسير به، و بعد دقيقة سير وصلت الى سوق صغير في مقدمة الشارع الرئيسي، , كان يتألف من ثلاثة مجمعات تضم في طابقها الأرضي بعض البقالات و المحال الصغيرة التجارية و مكتب سيارات للأجرة يخدم البلدة، كان هذا كله قبل عهد سيارات كريم و أوبر العصرية، و لكنني تفاجئت بوجود من استئجر محل صغير بجانب مكتب سيارات الأجرة، و كان يتبع بناية صغيرة قديمة تتألف من طابق ارضي و طابق اول، و كان حجمه صغير جدا يكاد ان يصلح لمحل تصليح احذية، و لكن المستأجر حوله بشطارة بالغة الى بقالة صغيرة تقدم للمشتري بعض من اصناف الخضار و الفواكه و المواد التموينية، فدخلتها و انا اريد شراء بعض من البسكويت الحلو لأتناوله بفترة المساء حينما اكتب كالمعتاد مع فنحان القهوة، و لكنني تفاجئت ان صاحب البقالة كان خ. د.،

خ. د. كان ابن اسرة من اسر البلدة التي اسكن فيها، و كان يبلغ من العمر الثلاثين عاما حينها، و كانت هنالك اشاعات قوية تحيط بهذه الأسرة بأن ابنائها من النصابين، و اخبرني عنهم صديق لي منذ فترة بأنهم ايضا معروفين بالسحر و الشعوذه، و لكنني كنت اسكن في بلدة تكثر بها الإشاعات و الأقاويل شأنها شأن باقي القرى و البلدات النائية و كان من السهل بمجتمع كهذا تحويل اصغر الشائعات الى اساطير كبرى، لذلك لم اعطي ما يقال اي اهتمام، و لكن تذكرت هذا كله فجأة و انا ابحث عن نوع البسكويت على ارفف المحل الذي كان له مدخل واحد فقط، كان بالمحل بضاعة بمبلغ و قدره و كان به تكيف للهواء ايضا، من اين جلبوا المال لتأسيس المحل؟ لعلهم آخذوا قرض من بنك او شركة تمويل ليبدأوا هذا المشروع، ربما فتحقيق المشاريع التجارية امر ممكن عن طريق التمويلات المتاحة بالأسواق... كان صاحب المحل مشغول يحاسب زبون على بعض من الأغراض، و ما ان أخذت البكسويت عن الرف حتى التقط الزبون اغراضه و هم بالخروج، فوقف مالك المحل و رحب بي حيث كان يراني من حين لآخراثناء صلاة القداس بالكنيسة،

سلمت عليه و سألته عن احواله و احوال اهله، و اجابني و لكن....اثناء حديثي معه لمحت رجل...و كما يقولون...بطرف عيني دخل الى المحل، كان صاحب المحل منهمك بالحديث معي، اتجه الرجل الى داخل المحل الى غرفة صغيرة خلف ثلاجة العرض ثم اختفى بالداخل و لم يخرج منها اطلاقا، فجأة توقف مالك المحل و سألني..."هل رأيت احدهم يدخل؟"
فأجبته "نعم، "
نظر الى ارجاء المحل بتمعن قليلا و كأنه يفكر بأمر ما، لم أُطِلْ الحديث معه بعدها، فاستأذنت و انا افكر بمن كان هذا الرجل، فكان يرتدي قبعة على رأسه التي لها واقي شمس من الأمام (كقبعات أديدس) و بشرته حنطية، اتذكر بعض ملامحه...و لكن لم اعلم لما سألني عنه خ. د.، فيبدو أنه رآه كما رأيته، و قبل ان ارحل دخل زبون آخر على المحل و خاطب خ. د. بأمر سلعة ما كان يبحث عنها، فاتجهت بكل جرأة الى الغرفة بالداخل و نظرت اليها، لهث لساني حينما رأيت ما بداخلها و تجمدت الدمائي بعروقي على الفور، كانت غرفة صغيرة خلف ثلاجة العرض فيها بعض من صناديق الفواكه و الخضار فقط، و كان المنفذ الوحيد لها المدخل الذي وقفت عنده، تسارعت نبضات قلبي و شعرت بعدم ارتياح مما جرى، اسرعت خارج المحل و قلبي يدق بسرعة من الصدمة...و جملة واحدة تتكرر بذهني الذي كان يبحث عن تفسير منطفي للذي حدث...اين ذهب الرجل ذو البشرة الحنطية؟؟؟!!!

لم اعد الى ذلك المحل المسكون الا حينما باع الرجل بقالته الى مالك جديد، فدخلته بحذر بعدها بأكثر من مناسبة و اشتريت من المستثمر الجديد المواد التموينية، و الحمدلله لم ارى شخصيات مريبة لا تدخل و لا تخرج منه، فأنا انسان مؤمن بالله و لا اخاف الا خالقي سبحانه و تعالى...و لكن تعلمت ان لا اجالس أحدا مريب الأطوار خلال حياتي و خصوصا العرافين و المشعوذين، فلو تيقنت وقت الحادث ان الإشاعات التي تحيط بهذه العائلة كانت صحيحة لما دخلت بقالته اساسا...و لكن اتضح بعد هذا الموقف ان هذه الإشاعات انطلقت من واقع تعيشه هذه الأسرة.

ب) نقاش عن شخصية المشعوذ في الفيلم :
مع الأسف لكل شيطان مشعوذ يدعوه لدخول عالمنا الإنسي لأسباب عدة كأذية البشر و أذية مصالحهم او لأغراض مريبة كالتعاويذ ليبيعها للمساكين و بسطاء الفكر...و ربما يكون الفضول عن هذا العالم الدافع للبعض، و لكن الذي حدث معي يَـنْـتُـجْ عن مشعوذ قوي متمكن من مهمته فالرجل الذي دخل المحل لم يكن خيال لأنني و خ. د. رأيناه و احسسنا بوجوده...فهل كان مالك المحل مشعوذ بالفعل ام كان يتعامل مع مشعوذ لأغراض خاصة به؟ و لكن مما لا شك به انه لن يكون اقوى من مشعوذ فيلم الفيل الأزرق الذي حَضًرَ لعنة منذ مئات السنين لرجل ذو قامة بمجتمعه اسمه المأمون...

الفيل الأزرق فيلم من فئة اللإثارة النفسية، و هو من بطولة (مع حفظ الألقاب) كريم عبدالغزيز و نيلي كريم و خالد الصاوي و لبلبة مع نخبة لامعة من نجوم الفن المصري، و تكمن فرادته بأنه نجح بتقديم مادة درامية غنية و ثرية تنتمي الى هذه الفئة من الافلام بإمتياز، ...أفلام الإثارة النفسية ترتكز على سيكولوجية شخصيات مضطربة و مريضة عقليا و نفسيا و تعاني من مشاكل في الإستقرار العاطفي و غالبا يكتنفها و الأحداث التي تحيط بها الغموض، و قد تعاني هذه الشخصيات من أزمات بالتعامل مع المجتمع المحيط بهم و مع باقي ابطال الرواية...و هذا بالفعل ما يشعرنا به بالعمل من خلال شخصياته المريبة و المثقلة بالإجهاد النفسي من مشاكل الحياة و ما تجلبه لهم من تطورات...

المشعوذ هو جزء من عالم الشر بهذه الملحمة الكبيرة، فإنه امتداد لسلطان الشر و عالم الشياطين على الأرض، لذلك فوجوده مريب و كلامه يشوبه الغموض الكبير خلال اغلب مشاهد الفيلم، و لعل انتمائه الى قوى الشيطان اكسبه امتيازات كبيرة و قدرات تفوق ما يملكه الإنسان الطبيعي رايناها خلال مشاهد الفيلم الشيقة مثل التنقل من فترة زمنية الى آخرى و قدرة صناعة السحر و تسخير عالم الشياطين لخدمته، تبقى هذه الشخصية في خلفية الأحداث في معظم مشاهد الفيلم حيث لها ظهورات محدودة، فتفاجئ يحي في اولى مشاهد الفيلم و تحاكيه بصورة مباشرة بجمل لا تفهم سوى ان كائن ما يعلم بعودته الى ممارسة مهتنه بعالم طب النفس بعد طول انقطاع، و مرة ثانية بمشهد درامي مؤثر جدا حينما ينزل بِسِحْرهِ على المأمون...لنصل الى قمة درامية مرعبة تهيئ المشاهد للذروة الدرامية التي ستأتينا لاحقا...لتفسر لنا ما اصاب الدكتور شريف من سحر...فالدكتور يحي و هو في طريقه لمساعدة صديقه يعود في الزمن الى ايام المأمون التاريخية في رحلة خيالية ذهنية بعد تناول حبوب الهلوسه، فيخطف عقليا الى صلب الحدث و البيت القديم الذي سحر به المشعوذ المأمون...لذلك حينما نجح الساحر بمس الدكتور شريف رأى يحي صديقه شريف بدل المأمون بالرؤيا حينما انزل المشعوذ السحر على المأمون...تبدلة الشخصيات لأن شريف حل عليه السحر بعد المأمون، راى التعويذة لحظة مسها شريف و كيف امسكته ببراثنها اللئيمة...رأي كيف خطف فالمشعوذ شريف الى حقبة المأمون و الى بيته و اعادة التاريخ امام عينيه و لكن كان شريف بدل المأمون بالرؤيا و اراه كيف سحره قبل ان يدخل على زوجته...مشاهد تعملق بها الأستاذ مروان حامد مخرج العمل ليرينا لمحات خيالية درامية كيف تم سحر هذه البشر على يد هذا المشعوذ اللئيم و الجبار...!!! و الأدهى و الأمَرْ من ذلك نرى شريف يقطع ذراعه كما فعل المأمون لنرى كيف سيلاقي نفس ما رأه المأمون من نهاية تعيسة بحبس انفرادي بمشفى نفسي...

التاريخ كرر ذاته بنفس الطريقه لحظة ما صنعت فنانة الوشم بعصرنا الحالي التعويذة و اطعمتها للكلب، ثم انتظرت بدورها زوجة شريف قدوم الجني الى فراشهم ليساعدهم بحياة جنسية نشيطة...و هنا انقلبت حياتهم الى الم و حزن و رعب، ففنانة التاتو او الوشم التي رسمت الرسومات على جسد زوجة شريف ساحرة خبيثة تتخذ من مهنتها ستار و تتعاطى بسحرها مع المتزوجين الذين يمروا بفترات فتور جنسية او عاطفية، فما ان صنعت السحر لزوجة شريف و اطعمت التعاويذ للكب حتى حضر مَنْ مس المأمون قديما دون تأخير الى فراشها هي و زوجها...تسلل الى لعبة السحر التي تمارسها منْ غلب سلطتها و حصل المس الذي رآه يحي في بيت المآمون فتلى المشعوذ اللعنة على شريف و هو بفراش الزوجية على سرير المأمون و في بيته العتيق بين صفحات التاريخ العابرة؟؟؟!!!

في حقيقة الأمر هذا العمل نُفِذَ على يد محترفين بعالم التمثيل و الإخراج، فينتج عن مخرج عَلِمَ كيف يترجم رواية الفيل الأزرق للكاتب و الزميل أحمد مراد الى فيلم تعملق فيه جميع عناصره الدرامية و الفنية...فلم نرى شخصيات يتم معالجتها بالسيناريو و الحوار بصورة عشوائية و ساذجة تستخف بعقل المشاهد، و لم نرى مادة درامية تمت معالجتها بصورة مبتذلة و ضعيفة من حيث الحوار و ترتيب الأحداث و شغل المؤثرات السمعية و البصرية و حتى شغل الجرافك،...فرأيت فيلم رعب جعلني اتابعه من اولى مشاهده الى آخر مشاهده الختامية من دون ان تفقد الرواية ايقاع الرعب و الإثارة و التشويق و اجوائها الدرامية التي تميزها كرواية اثارة نفسية... سأدخل بتفاصيل باقي شخصيات الفيلم في اجزاء لاحقة من هذا المقال الذي قررت ان اكتبه بأجزاء لأناقش ابعاده الدرامية بالكامل لأنها كثيرة و دسمة الأبعاد...

استطيع القول بفخر و اعتزاز ان هذا الفيلم لا ينافس اية مادة مصرية من فئة الرعب بجودته و مصنعيته كعمل درامي لأنه ينافس بقوة الإنتاج الأمريكي من نفس فئة الإثارة النفسية...فأستطيع القول بثقة و بخبرتي كناقد سينمائي بأنه كَـمُـنْـتَـجْ مُتْقَنْ يحاكي روعة و اتقان افلام عالمية مثل رائعة صمت الحملان Silence Of The Lambs الذي تم انتاجه في عام 1991، و الذي كان من بطولة الكبير انثوني هوبكنز و جودي فوستر و من اخراج جوناثان ديم، و قصته الشهيرة معروفة و هي عن محققة بالشرطة الأمريكية تجد نفسها مجبورة على التعامل مع بروفسيور مختل عقليا و آكل للحوم البشر في سعيها لإمساك بمجرم مختل يخطف ضحاياه و يقوم بسلخ جلدهم، و يحاكي ايضا كمادة درامية اعمال عالمية مثل رائعة The Others الذي حاز على عدة جوائز بمهرجانات سينمائية كبيرة حينا عرضه، و هو من بطولة نيكول كيدمان و فيونولا فلاناجان، و الفيلم يتمحور حول امرأة مع اولادها بعد الحرب العالمية الثانية حيث تسكن بمنزل كبير، و بعد فترة من الزمن تعتقد المرأة ان منزلها مسكون بالأشباح، و يكونان اولادها مصابين بتحسس من اشعة الشمس لذلك تكون ستائر منزلهم مغلقة بإستمرار، فتقوم بتوظيف خادمات ليساعدوها بالمنزل و تتوالى الأحداث الشيقة و المثيرة في الفيلم لتكتشف الإمرأة انها مجرد شبح هي و اولادها و الذين تراهم يسكنون القصر هم نزلاءه الحقيقيون...يتبع



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات