اللواء خالد نزار .. صانع الرؤساء المطارد !


بعد إرغام الشعب الجزائري بحراكه السلمي الأسطوري الرئيس عبد العزيز بوتفليقه على الاستقالة وانهيار حكمه تداعت من خلفه أحجار الدمينو من الشخصيات المحيطة به او المحسوبة عليه والتي رعاها طويلا وحرص عليها كثيرا إلا انه أصابه الضعف والسقوط والانهيار السريع واحدا تلو الأخر في مؤسسة القصر والعائلة والجيش والأجهزة الأمنية والمناصب الحكومية وبعض مراكز القوى والنفوذ في القطاع الخاص .

استمر المتظاهرون يطالبون في الحراك الشعبي الملتهب خلال الأسابيع الأخيرة الماضية بزجّ نزار في السجن رافعين شعار " مازال خالد نزّار" أي سيأتي دوره وإنه لن يتم التنازل عن هذا المطلب الشعبي بمحاسبة اللواء المتقاعد كمجرم وسفاح عن فترة توليه مهام وزير الدفاع في البلاد خلال ما سمي " بالعشرية السوداء " وهي الأزمة أو " الحرب الأهلية " التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي وتسببت في مقتل ما يزيد عن 200 ألف ضحية حيث كان يمارس سلطاته كحاكم عسكري دموي مطلق والمسؤول الأول عن اختفاء الآلاف المفقودين ولا زالت تلاحقه والجنرال توفيق وإسماعيل العماري تهمة الوقوف وراء حادثة تصفية الرئيس الراحل المغدور محمد بوضياف الذي اغتيل عقب قضائه 166 يوما فقط في الحكم بنيران الجندي لمبارك بومعرافي خلال اجتماع عام بمدينة عنابة شرقي البلاد يوم 29 حزيران 1992 فضلا عن اتهامه بالتعذيب والاعتقال التعسفي والترهيب المجتمعي وقمع مظاهرات الخامس من أكتوبر 1988بالقوة البوليسية المفرطة وهي التي فتحت المجال أمام تحرر الجزائريين من سطوة حكم الحزب الواحد .

يعتبر اللواء المتقاعد خالد نزار البالغ من العمر 81 عام الشخصية الأكثر إثارة للجدل في جزائر ما بعد الاستقلال بسبب مواقفه وقراراته عندما كان مسؤولا كبيرا في الدولة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بعدما عينه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وزيرا للدفاع والذي اعتبره " أكبر خطأ ارتكبه في حياته " وقد لعب دور كبير في دفع الشاذلي إلى الخروج من الباب الضيق في شتاء 1992 متسببا في أزمة دستورية كانت لها تداعيات كارثية على البلاد والذي تمثل في الفراغ الذي حصل على مستوى رئاسة الجمهورية وما تلاه من حيثيات خطيرة ألمت بالبلاد والعباد حين تدخل نزار بشكل عنيف لوقف الانتخابات البرلمانية بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدورة الأولى منها وقام باعتقال وتعذيب الإسلاميين في تلك الفترة مما دفع تلك الجماعات للجوء الى للعنف والتمرد والمواجهة المسلحة .

انقلب نزار على الرئيس بن جديد وخطط وقاد العديد من المؤامرات السرية بالتعاون مع بعض رجالات الجيش ضده ورفض تولي الأمين زروال مقاليد الحكم واعتبره رئيس غير شرعي ونشر مقال في إحدى الصحف الجزائرية في عام 1999 حذر فيه من وصول الرئيس بوتفليقة إلى قصر المرادية ثم بعد ذلك طلب منه مدير دائرة الاستعلامات والأمن السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق (موجود حاليا بالسجن العسكري بالبليدة) وقف التشويش على مشروع تقديم بوتفليقة كمرشح للسلطة لأن الجميع اتفق عليه وبناء عليه قلب مواقفه المعارضة ولعب دور بارز في إيصال الرئيس السابق بوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية قبل عشرين سنة ثم عقد زواج المصالح بينهما وبعد أشهرا قليلة على تولي بوتفليقة سدة الرئاسة قرر نزار دخول عالم المال والأعمال من خلال إنشاء عائلته شركتي " آس آل سي " " وديفونا " المختصتين في تسويق خدمات الانترنيت ذات التدفق العالي واللتين تم توقيفهما مؤخرا من قبل سلطة ضبط البريد والاتصالات الالكترونية كما تملك عائلته واحة استثمارية كبيرة بالصحراء الجزائرية تتوفر فيها تقنيات عالية ومتقدمة وقد وقف بوتفليقه إلى جانب نزار عندما وقع تحت طائلة الملاحقة القانونية في القضية التي رفعت ضده في سويسرا من قبل ناشطين محسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة ما مكنه من طي الملف قبل أن يعاد فتحه مرة أخرى في 2018 بعد تغيير المدعي العام السويسري 2011 ولكن بدون تحقيق أي نتائج واحكام بحقه .

وقبل أن تسوء علاقته مع السلطات الحالية انخرط وزير الدفاع الأسبق في إجراءات معاقبة ما وصفهم " بالعصابة "من خلال شهادة مطولة له نشرها على الموقع الإلكتروني ألجيري باتريوتيك الذي يملكه نجله لطفي نزار اتهم فيها شقيق الرئيس السابق ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة الذي كان يعتبر الحاكم الفعلي للجزائر في الفترة التي سبقت إطاحة شقيقه بأنه طلب منه يد المساعدة لتنحية قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بينما كان الحراك الشعبي في عنفوانه وهي الشهادة التي عززت التهم التي كانت وراء سجن السعيد بوتفليقة وقد مثل نزار أمام المحكمة العسكرية في البليدة في أيار الماضي لتقديم شهادته في قضايا تخص اتهامات السعيد بوتفليقة حيث كشف عن مخطط انقلابي كان يحضر له السعيد بوتفليقة للتعامل مع الحراك الشعبي ومساعيه للزج بالبلاد في طريق مجهول عبر إعلان حالة الطوارئ ومحاولة إنهاء مهمات رئيس أركان الجيش الفريق قايد في سياق سرقته ختم رئاسة الجمهورية واستحواذه غير الدستوري على مهمات شقيقه الرئيس في حين أشار موقع "النهار" الجزائري بأن المعلومات المتوفرة لديه تشير إلى تورط نزار وابنه في نفس الاتهامات الموجهة إلى السعيد بوتفليقة وهي محاولة "الانقلاب على قيادة الجيش وبث الفوضى وفرض حالة الطوارئ وقمع الحراك الشعبي من أجل تمديد حكم شقيقه " وهي التي دعت القضاء العسكري لملاحقته .

عاد خالد نزار الرجل القوي الى واجهة الأحداث مجددا مع افتتاحه حسابا رسميا على تويتر هاجم فيه رئيس أركان الجيش بالتزامن مع تأكيد وسائل الإعلام المحلية سفره إلى إسبانيا من أجل العلاج حيث كان يملي تغريداته على صديق له ينشرها في حسابه وفي إحدى تغريدات على الحساب المنسوب اليه كتب ان " الحراك السلمي أجبر بوتفليقة على الاستقالة وان السلطة مغتصبة من الجيش والدستور انتهك بالأوامر غير الشرعية والجزائر محتجزة كرهينة من قبل شخص وحشي يجب وضع حد لذلك لان البلد في خطر" .

وفي تغريدة أخرى قال "كنت على وشك العودة إلى الجزائر عندما وصلتني معلومات موثوق بها حول مخطط اعتقال تعسفي وغير عادل يستهدفني" وقال أنه سيعود إلى البلد "عندما يعود الوضع طبيعياً ويتم انتخاب رئيس بطريقة ديمقراطية" .

وعقب إعلان خبر المذكرة الدولية لتوقيفه نشر الحساب نفسه بضع تغريدات عبر خلالها بصراحة ان " انتقاده لقايد صالح سياسياً يعتبر بالنسبة إليه قضية أمن قومي هذا ما يمليه عليه عقله الصغير إنها أيام سوداء تنتظر الجزائر" وفي أخرى أكد ان " المافيا السياسية المالية التي كان يمثلها الشقيقان بوتفليقة وقايد صالح لا تزال نشطة وان ما يسمى بمس النظام العام أمر يمليه السعيد بوتفليقة من محبسه كان على قايد صالح أن يفكر ملياً قبل التصرف" .

وبالفعل ها قد جاء دوره وتحققت أمنية الشعب بعدما أصدر القضاء العسكري الجزائري في 6 آب الجاري مذكرتي توقيف دوليتين بحقه وابنه لطفي مدير شركة اس ال سي للاتصالات بتهم تتعلق بـ"التآمر والمساس بالنظام العام " تصل عقوبتها الإعدام وذلك إثناء وجودهما في اسبانيا والتي ترتبط مع الجرائر بثلاث اتفاقيات لتسليم المطلوبين للعدالة والمتابعين قضائيا وبالتالي فالأرضية القانونية موجودة لاعتقاله وان ن رفضه الاستجابة للعدالة من شأنه أن يعمق التهم ضده ويؤكد للرأي العام أنه مدان بها فعليا .

لكن وفي نفس الوقت يرى بعض الحقوقيين والقانونيين الجزائريين ان مذكرة التوقيف هذه لا معنى لها ولا قوة كونها صدرت من القضاء العسكري الذي لا يعترف بإحكامه القانون الدولي الأوروبي ويؤكدون لو ان قادة الجزائر حقا صادقين و يريدون محاربة الخونة و العملاء و المجرمين وجلبهم للمحاكمة كان عليهم إصدار أمر القبض عن طريق القضاء المدني ثم مخاطبة جهاز الانتربول الدولي لإلقاء القبض عليه وقد فسر آخرون المذكرة على أنها إشارة تحذيرية لتنبيه نزار ومسرحية هزلية لتحصينه وحثه على المسارعة بطلب اللجوء السياسي في أوروبا لمنع توقيفه وتسليمه للقضاء الجزائري .

خالد نزار لا شك انه فاسد ومستبد ودموي ومجرم في نظر شعبه وكثيرين ولكنه في الحقيقة ليس الا نقطة في بحر الفساد المستشري في الرؤوس الكبيرة بالنظام الجزائري منذ عهود طويلة وان استهدافه ألان ربما يكون حلقة في مسلسل طويل لتصفية الحسابات والتغطية على رؤوس فاسدة أخرى أكبر منه لا زالت ترتع في مرابع النفوذ والسلطة مقابل مطاردة عجوز في الغابرين بقضاء عسكري غير معترف به دوليا لن يناله أبدا خاصة بعد فوات الأوان وضياع المرحلة وعلى قاعدة الدفع المعنوي المستعجلة كمحاولة متأخرة لاسترضاء الشارع المتفجر غضبا على جميع القادة العسكريين والزعماء السياسيين بلا استثناء .

حكمة : ( كل من سمن هزل وكل من علا نزل )

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات