التجربة التونسية أمام اختبار جديد


تواجه التجربة الديمقراطية في تونس اختبارا مهما الشهر المقبل فرضته ظروف طارئة تمثلت برحيل رئيسها الباجي قايد السبسي أبرز رموز المرحلة الانتقالية.

قادة بارزون في التيارات الرئيسية الثلاثة قرروا الترشح للانتخابات الرئاسية؛عبد الفتاح مورو عن حركة النهضة ويوسف الشاهد رئيس الوزراء والقيادي في حزب”تحيا تونس” والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية الأول بعد الثورة على نظام بن علي.

المناخات الاجتماعية في البلاد لاتخدم كثيرا التجربة الديمقراطية، فالتونسيون يعانون من ظروف اقتصادية صعبة لايجدون معها حافزا للمشاركة في الحياة السياسية والانتخابات.

نجح تفاهم الإسلاميين واللبراليين ومن خلفهم قطاعات نقابية واجتماعية عريضة بصعوبة في إنقاذ تونس من مصير أسود غرقت فيه معظم دول الربيع العربي، فقد حاولت دول خليجية دفع القوى السياسية لصدام أيدولوجي، وإقصاء أطراف سياسية من المشهد التونسي.الجماعات الإرهابية لم ترحم تونس، ودفعت بكل طاقتها لخلق حالة فوضى تمنحها موطئ قدم.

تونس لوحدها مهيأة لاجتياز اختبار صناديق الاقتراع دون مضاعفات سياسية عنيفة أو ارتدادات عن المسار الديمقراطي، لكننا لانعلم بعد نوايا الأطراف الخارجية، خاصة الخليجية التي تتصارع في كل الميادين العربية. ثمة اعتقاد بأن الأزمات المستفحلة في اليمن ومع إيران، والفشل المدوي في سورية، ربما يردع تلك الدول عن خوض مغامرة جديدة ستبدو مكشوفة ومرفوضة من أوساط واسعة في تونس تشكل لديها قدرا معقولا من المناعة الوطنية في مواجهة التدخلات الخارجية.

التحدي الأكبر أمام القوى المتنافسة على منصب الرئاسة يتركز في الداخل التونسي الذي يعاني من أوضاع طاردة. القوى السياسية الثلاث مجربة من قبل التونسيين ولم تختلف أحوالهم كثيرا مع تبدل مراكز القوة. الأزمة الاقتصادية الطاحنة بكل تجلياتها،أجبرت تونس على توقيع اتفاق قاس مع صندوق النقد الدولي، ولم يتوفر عند الحليفين في الحكم، حزب الرئيس السبسي وحركة النهضة بديل اقتصادي اجتماعي غير برنامج الصندوق، ولم يتمكن الطرفان من مواجهة مشكلات الغلاء والبطالة والفقر بحلول من خارج الصندوق.

رئيس الوزراء التونسي يدخل الانتخابات وسط حالة من عدم الرضى على أداء حكومته، وشعبية متدنية، في المقابل يتمتع مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو باحترام شعبي واسع ومناقبية عالية، لكنه مثل الشاهد لا يملك برنامجا بديلا في الميدان الاقتصادي الاجتماعي. المرزوقي سيحاول تقديم نفسه كبديل عن قوتين اختبرتهما الجماهير التونسية في السنوات الأخيرة، لكنه في ظل حالة الاستقطاب بين أكبر قطبين سياسيين يواجه صعوبة في تحقيق اختراق كبير في الانتخابات.

المهم أن تنجح القوى السياسية في استعادة الزخم الشعبي لصناديق الاقتراع، ونشل التونسيين من حالة السلبية التي تلف حياتهم جراء الظروف المعيشية الصعبة، فنسب المشاركة ستؤشر على مدى تمسك التونسيين بخيار الديمقراطية وإيمانهم بالثورة التي كلفتهم دماء وتضحيات كثيرة.

رغم كل هذه الظروف تبقى التجربة التونسية بارقة الأمل الوحيد لدول الربيع العربي، وأيا تكن نتائج انتخاباتها المقبلة فهي لا تقاس أبدا بما آلت إليه الأوضاع في الجوار الليبي على سبيل المثال، حيث الحرب الأهلية تمزق البلاد ولا تنبئ بانفراج قريب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات