تصريحات انفعالية تضر بحركة حماس والقضية الفلسطينية


في خطاب تعبوي عاطفي غير موفق جانب لغة العقل والحنكة والتكتيك السياسي المطلوب تحدث عضو المكتب السياسي لحركة حماس فتحي حماد يوم الجمعة الماضي إمام حشد جماهيري من المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار الأسبوعية حيث حرض الفلسطينيين وحضهم على مهاجمة اليهود " قتلا وذبحا " في مختلف أنحاء العالم وزعم بان هنالك فلسطينيين يتحضرون لمثل هكذا عمليات مما فجر موجة عارمة من الإدانة والرفض والتنديد من مختلف الفصائل والقيادات والهيئات والشخصيات الفلسطينية حتى من داخل حماس نفسها وقد أثيرت تساؤلات كثيرة عما إذا كان ذلك يعني تحولا جديدا في سياسة الحركة المعلنة بعد هذه التصريحات التي لا يمكن وصفها سياسيا إلا بالانفعالية المتهورة لما ستجلبه من ضرر كبير على حركة حماس التي تحاول ترويج صورتها كحركة وطنية ذات مصداقية تناضل من أجل قضية عادلة لانهاء الاحتلال وترسيخ حق تقرير المصير .

وما قاله حماد في عجالة بدد كل ما حاولت وثيقة حماس السياسية الجديدة التي تمثل وجهة نظر قيادة الحركة والتي صدرت قبل عامين لتطبيع صورتها في العالم ومقاربتها مع الفكر السياسي الفلسطيني الراهن وأساء للقضية الفلسطينية برمتها بعدما أعطى الصهاينة الفرصة المواتية لتحويل ( الضحية إلى جلاد ) وما جرى لا يمكن فهمه من قبل العالم واقتناعه بأنه لا يعبر عن مواقف الحركة الرسمية وسياستها المعتمدة والثابتة وهو مجرد رأي شخصي متسرع ناجم عن حالة الغضب والضيق نتيجة اشتداد وتيرة الحصار على غزة وقد جاء بعد اغتيال احد عناصر الضبط الميداني من قبل قوات الجيش الإسرائيلي كيف ذلك يتساوق مع الواقع ومطلق التصريحات قيادي بارز وعضو في المكتب السياسي للحركة ومعروف بخطاباته النارية ومواقفه المتشددة وله سوابق أخرى بنفس اللغة والتوجيه باعتبار كل يهودي أينما كان في العالم هدفا ويجب قتله ( ورد ذلك في خطاب ألقاه خلال جنازة أقيمت في المسجد العمري الكبير في مدينة غزة وفي أواخر حزيران 2018 أثناء دعواته المتكررة للمسلمين لمناصرة القدس والأقصى ) .

لقد هزمنا الصهاينة قبل استعمالهم الأسلحة الفتاكة والمذابح الجماعية بإعلامهم المضلل ودبلوماسيتهم المخادعة وهم يحرفون الوقائع ويكسبون العالم إلى جانبهم بالكذب والأباطيل وقلب الحقائق عندما صوروا الفلسطينيين إمام العالم بالارهابين والقتلة المجرمين الذين يتدربون ويتسلحون من اجل القضاء على شعب إسرائيل المسالم والمسكين وقد استغلوا بشكل خبيث كل التصريحات الانفعالية والتهديدات العنترية والبلاغات الانتقامية المتشددة إضافة إلى جميع العمليات الفدائية البطولية التي جرت في إسرائيل وخارجها لتشويه ثورة ونضال الشعب الفلسطيني وتحريض العالم ضد حقوقه وصموده وعدالة قضيته وها نحن اليوم إمام حالة مشابهة من خلال إلتركيز على خطابات موتورة وغير مسؤولة تستخدم الدين لأغراض سياسية وتحول القضية الفلسطينية من صراع على الحقوق الوطنية إلى صراع ديني يفتح علينا معركة شاملة مع العالم كله ويظهر إسرائيل بالضعف والحاجة إلى العطف والمساندة .

خطاب حماد الثورجي الأخير كان مخالفة دينية وقيمية وأخلاقية وخطأ فادح على المستوى الإنساني صب في صالح العدو وسوف تدفع حماس ثمنه باستغلاله للتحريض عليها وأرهبتها وأرهبة مقاومة الشعب الفلسطيني وهو أشبه بهدية مجانية قدمت للاحتلال على طبق من ذهب لتستفيد منه في المحافل الدولية ( الآن السفارات الإسرائيلية تستعد لترجمته لكل اللغات في العالم ) وستنشره على الملأ هاكم هي حماس تريد قتل اليهود في مختلف أنحاء العالم لهذا تحن نحمي حدودنا مع غزة بالقوة العسكرية العنيفة للسيطرة على هؤلاء القتلة أصحاب خطابات الكراهية والعنف والتهديد بالسكاكين والأحزمة الناسفة وبهذا يبررون قتلهم المواطنين وكل من يقترب من السياج الحدودي وستعطي هذه التصريحات كل الذرائع للاحتلال لتشديد الحصار وممارسة المزيد من العدوان وتمنح قادته فرصة كاملة للتحريض والزج بيهود العالم جميعا في معركة وجود دينية توراتية متكاملة .

من المعلوم أن اليهودية هي عقيدة دينية لها منظومتها الأخلاقية أما الصهيونية فليست لها قيم أخلاقية وهي حركة عنصرية لم يكن لقادتها أي علاقة بالتوراة الا بصورة براغماتية نفعية حيث حولوا النص المقدس إلى مشروع سياسي صهيوني وجعلوا من اليهودية عقيدة قومية وهوية استعمارية واستيطاتية وتعاليم مختارة للقتل والبطش والتدمير وما يتوجب معه أن نوضح للعالم ان عدونا هو الاحتلال والحركة الصهيونية التي تحتل فلسطين وتدنس المقدسات وليس مع اليهود في العالم ولا مع اليهودية كدين فهناك الكثير من اليهود الذي يدعمون الحقوق والعدل في العالم وفي الحقيقة يمكن ان يكون الصهاينة يهودا وغير يهود ولعل بعضهم ممن ينتمون إلى العرب وإلى المسلمين فكل من يمكن للمشروع الصهيوني ويقدم له ترياق الحياة فهو صهيوني بلا شك سواء كان اسمه احمد أم كوهين وبغض النظر عن أصله وفصله قوميته ودينه وأن الكشف عن أنه ليس كل الصهاينة يهودا تمكنا من تحديد جبهة الأعداء وحصارهم وتجلب لنا أنصارا حقيقيين ضد المشروع الصهيوني يساهموا في تغيير المواقف المتعاطفة والداعمة للصهاينة .

وهناك يهودا مثقفين ومفكرين صحفيين وكتابا وإعلاميين ليسوا صهاينة بل إن بعضهم يناصبون الكيان الصهيوني العداء ويعتبرون وجوده شرا على اليهود وبعضهم يدعو بوضوح إلى تفكيكه وإنهاء وجوده ومن هؤلاء أشخاص سبق لهم أن تورطوا في المشروع الصهيوني ولكنهم اكتشفوا حقيقته ألإفسادية والإجرامية فتخلوا عنه وهم موجودون اليوم في فلسطين وخارجها ومنهم من هو في مواقع هامة وحساسة في مختلف دول العالم .

كثيرين من اليهود يعترفون بديانتهم اليهودية لكنهم يعادون الصهيونية وإسرائيل ورغم الضغوطات الكبيرة عليهم ومحاصرتهم وتهديدهم في مصادر أرزاقهم لكنهم لم يتراجعوا وبقوا على مواقفهم من هؤلاء الكاتب نورمان فلنكشتاين صاحب المؤلف المعروف " صناعة الهولوكوست " كذلك نعوم تشومسكي الذي اكتشف عنصرية إسرائيل حين أقام فيها مهاجراُ ولم يحتمل ضميره العيش في الدولة الصهيونية فغادرها نهائياً وقبل مدة منعته إسرائيل من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة لإلقاء محاضرة ومنهم أيضا المحامية المشهورة فيليتسيا لانجر التي اشتهرت بدفاعها عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والتي قالت انها ستغادر وعائلتها إسرائيل نهائياً لأنها لم تعد تطيق عنصريتها وإرهابها وبالفعل بعد أشهر قليلة فقط استقرت وعائلتها في ألمانيا ومن هؤلاء كذلك المؤرخ إسرائيل شاحاك والمؤرخ إيلان بابيه صاحب المؤلف المعروف " التطهير العرقي للفلسطينيين " وغيرهم كثيرون والقائمة طويلة .

في الستينيات من القرن الماضي ظهرت جماعة (متسبن) المعادية للصهيونية وحركة (الفهود السود) وهما غير جماعة ( ناتوري كارتا ) الدينية المشهورة التي تعادي الصهيونية وترفض قيام دولة إسرائيل لأسباب عقائدية من منطلق سهولة القضاء على اليهود حينما يتجمعون في دولة واحدة وقد حوربت هذه الحركات من قبل إسرائيل وطوردت واعتقل عناصرها بعد وقوفهم ضد السياسات الإسرائيلية ومساندتهم للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ووقوفهم مع القضايا العربية .

لقد أحسن قادة حماس صنعا بالتنصل من هذه التصريحات ورفضها والتنديد بها لأن تداعياتها ستكون خطيرة لا سيما انه لو هوجم أي كنيس او قُتل يهودي في أي عاصمة في هذه الفترة سيكون الاتهام لها مبررا يذكر ان وثيقة حماس السياسية الجديدة وفي بندها 15 تفرق بين اليهود كأهل كتاب واليهودية كديانة من ناحية وبين الاحتلال والمشروع الصهيوني من جهة أخرى و أنها لا تخوض صراعاً ضد اليهود لكونهم يهوداً بل تخوض صراعاً ضد الصهاينة المحتلين المعتدين وهو ما نسفته تصريحات حماد بالكامل فضلا عن ان لغة الذبح والجز في الإعلام غير موفقة لا سيما وأنها مرتبطة ذهنياً لدى الرأي العام العالمي ارتباطاً وثيقاً بتنظيم داعش الإرهابي وما ترتب على ذلك من فوبيا متصاعدة للإسلام والعرب .

نعتقد علميا وعمليا أن فن السياسة يتطلب توظيف اللغة والعبارات والتصريحات والخطابات لخدمة الغاية والهدف المرحلي والنهائي ومن الضروري ان نعرف كيف نستقيد من ثغرات عدونا وليس العكس بحيث لا نرمي بأنفسنا الى التهلكة بالجهل او الغرور أو الاستعراض لان إطلاق الكلام على عواهنه دون تدقيق كلفته باهضة وتداعياته خطيرة ومؤلمة في ظل وجود فحوة كبيرة في ارتجال وتضارب التصريحات لدى المسؤولين في حركة حماس فاننا نتمنى على القيادة العليا التدخل لضبطها حتى لا يتكرر وقوع الأخطاء الجسيمة ونبقى في حرج إمام أنفسنا والعالم مابين شجب واستنكار وتكذيب كمدانين بما يخرج من أفواهنا بقصد او بدونه وان نؤمن يقينا كما انه ليس كل المسلمين إرهابيين فليس كل اليهود صهاينة ولا كل المسيحيين علمانيين .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات