"الممر"


السينما التي كانت وسيلة الترفيه الأولى للشباب واليافعين والعشاق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي اصبحت إحدى اقل وسائل الترفيه جاذبية بعد أن توسع استخدام اليوتيوب وزاد الاقبال على الوسائل والمرافق الترفيهية الأخرى. في عمان والمفرق والعقبة والزرقاء وإربد كان العديد من دور السينما وجمهور لدورها التي تنتشر في الاسواق الرئيسة. بعض الأسر تحرص على اصطحاب أفرادها لمشاهدة الافلام في الاعياد، وآخرون أدمنوا عليها فحضروا كل فيلم عربي وهندي وغربي وصل إلى صالات العرض.

يوم الجمعة الماضي كنت بين العشرات الذين حضروا احد اهم الاعمال السينمائية المنتجة لهذا العام فقد اسدل الستار عن اول عروض فيلم “الممر” الذي انتجته السينما بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية. ساعات طويلة امضيناها بانتظار تشريف النجوم الذين عملوا على تجسيد ادوار ابطال إحدى الملاحم التي سطرها ضباط وافراد القوات المسلحة المصرية ابان حرب الاستنزاف التي انطلقت في اعقاب حزيران 1967.

انتاج هذا العمل الكبير يأتي في أكثر الاوقات خطورة وحساسية فالأمة العربية تعيش حالة من النزاع والتصدع والشكوك في نوايا القادة والحكام واستعدادهم للتعاطي مع العدو الصهيوني والمشاركة الضمنية في مخططات تصفيتها في تزايد. كما يحتاج المواطن العربي الذي تآكلت هويته وحوصرت احلامه الى ما قد يبعث على اعادة الاعتبار واسناد الروح المعنوية والحفاظ على قيم الشجاعة والتضحية والاعتزاز.

بعد غياب هذا النوع من الافلام الملحمية تعود السينما المصرية لتقدم فيلما بطوليا يتناول فصلا مهما من فصول الحياة المصرية ودورها في الصراع العربي الاسرائيلي وليوثق المعاناة التي عاشها الجيش والشعب اثناء حرب حزيران و البطولات والتضحيات التي قدمها الجيش المصري الذي اعيد بناء قواته واستنهضت في صفوف قواته الروح القتالية ليثأر لشرفه وشعبه وتاريخه في عملية نوعية يلتف فيها الجنود والشعب والقيادة حول العلم والامة فيحققون انتصارا خارقا بفضل الاصرار والعزيمة والاستعداد اللامتناهي للتضحية.

في العمل الذي قام ببطولته النجم العربي احمد عز واياد نصار وقام على اخراجه شريف عرفة الكثير من القيم والمشاهد والاداء الجميل الذي يظهر حرفية نجومنا ورقي مواهبهم لكن القصة والاحداث والسيناريو يحتاج الى كثير من المراجعة، فقد استهل الفيلم ولأكثر من عشر دقائق بمشاهد وحوارات بين القيادات الاسرائيلية في حين أنه تجنب الاشارة الى القيادات العربية على الطرف الآخر وعن كيفية اتخاذ قرارات الحرب واسباب الهزيمة مصورا آثار الهزيمة دون المرور على اسبابها الا بإشارات باهتة وبعيدة كذكر اسم المشير والقيادات السياسية وبعض الومضات لعبدالناصر بعيدا عن اسباب الحرب ومجرياتها وتعامل الزعامات مع آثارها.

صحيح ان الفيلم حربي يتحدث عن الشخصية المصرية والحس العميق لإنسانها بالكرامة ودوافع الشباب للاستبسال والقتال والأثر التدميري للهزيمة على نفوس ومعنويات الضباط والجنود وعلاقاتهم بالأهالي لكن الحوارات والاستعدادات للعمليات لم تخل من الفانتازيا والخيال الذي بدا في عشرات المشاهد وجعل القصة تبدو مختزلة وسريعة وغير مقنعة تماما.

في الجانب العملياتي للفيلم لم تكن المعدات والتجهيزات التي حملها تشكيل الضباط والجنود مكافئة للانجازات التي حققها الجنود ولم يكن هناك مبررات كافية ومقنعة لإدخال مشاهد الخلاف حول الاستمرار بالعملية والزواج المبكر للجندي هلال قبل ان تجف دماء رفاقه فقد بدت المشاهد اقرب الى الخيال منها للحقيقة ونزعت من العمل الكثير من جلاله وقدسيته.

المشاهد الانسانية ومشاعر الحب والوفاء والأبوة والخوف على السمعة والانتماء للوطن التي جسدها الابطال أغنت العمل وجمالياته لكن المبالغة في تصوير سذاجة وقلة جاهزية واستعداد الاعلامي المرافق للمقاتلين هزت الصورة الجليلة للحدث وابرزت عناصر الارتجال في القرار والتنفيذ.

أيا كانت الملاحظات فما من شك أن العمل كبير قام عليه العديد من عمالقة الكتابة والاخراح والتمثيل فأعادوا للسينما العربية بعدا كاد أن يختفي من اعمالها فقد نجح الفيلم في شحن مشاعر المشاهد العربي وتوجيه انظاره نحو الارض والعدو والتضحية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات