صفقة القرن بضاعة فاسدة عصية على التسويق


رغم تكرار لغة التهديد الوعيد تارة ومد الجزرة و تقديم الإغراءات والوعود الكاذبة تارة أخرى وما تبع ذلك من غموض شديد وصمت مطبق وتضليل متواصل حول التفاصيل الدقيقة والخفايا المريبة لمشروع ما يسمى " صفقة القرن " والتي اعدت لتصفية القضية الفلسطينية كما هي واقعها وأهدافها الحقيقية لا زالت تواجه صعوبات وتحديات كبيرة وكثيرة تهدد بانهيارها وزوالها خاصة بعد فشل ورشة البحرين كمختبر تجريبي أولي لقياس منسوب الجدوى الاستعمارية بصورتها الحديثة ومدى انسياق القطيع إمام نباح الكلب الشرس وعصى الراعي الغليظة فقد كانت هنالك خيبة أمل واضحة رافقت جدول إعمالها في المشاركة والتسويق والمخرجات والغريب في شأن هذه الصفقة أن الإعلان عن تفاصيلها تأخر أكثر من ثلاث سنوات من يوم إفصاح الرئيس ترامب بأن لديه صفقة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المزمن ولم يكن تأخير الإعلان عن تفاصيلها من قبل الرئيس الأمريكي اعتباطياً او عن حسن نية بل كان أمراً مقصوداً والهدف منه إعداد المسرح السياسي عربياً ودولياً وإقليمياً لقبولها وخلق مناخ إقليمي للتسوية أساسه غاياته التطبيع المباشر بفرض الرؤية الأمريكية والإسرائيلية فعلياً وعملياً على ارض الواقع وبمساعدة ودعم بعض الدول العربية ماليا وسياسيا ولوجستيا .

لا شك أن التردد المتواصل في الإعلان عن التفاصيل الهامة للصفقة ينطوي على خشية الإدارة الأمريكية من تصاعد وزيادة حدة رفض الأطراف المعنية بالصراع وفي مقدمتهم الفلسطينيون من تقديم التنازلات التي تتضمنها الصفقة لكي يمكن تمريرها وتطبيقها في الموعد المحدد الذي كان قد أعلنه جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره في وقت سابق بشأن إطلاقها بعد عيد الفطر المبارك وتشكيل الحكومة الإسرائيلية التي تعثرت بعدم التوافق الحزبي ووضع نتن ياهو المتضعضع داخل ائتلافه الحكومي آنذاك في حين قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت سابق إن البيت الأبيض سيطرح خلال فصل الصيف المقبل من دون أن يحدد موعدا بعينه ما وصفه برؤيته للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين ولا زلنا نعيش في متاهات وترهات أحجية ولغز موعد الصفقة المؤكد حتى الساعة .

ومع أن موعد إعلان الصفقة قد تأخر كثيراً لغايات في نفس كوشنر وترامب إلا ان تسريبات الصحف الأمريكية والعالمية بشأنها كشفت الكثير عن مضامينها الخطيرة والمدمرة وهي تتنكر بالجملة والتفصيل لحق العودة وعروبة القدس والدولة الفلسطينية وتقرير المصير وتطالب بنزع سلاح المقاومة والرضوخ لشروط الاحتلال الغاشم والخضوع التام لهيمنته القاهرة والتسليم بيهودية كيانه الغاصب والأمر الأخطر في تسريبات الصفقة هو مشروع التوطين واقتطاع أراض مصرية لتكون بديلاً عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل كوطن جديد للفلسطينيين وأيضا توطين الفلسطينيين المقيمين في لبنان والأردن وسوريا ومنحهم جنسياتاتها ولا أحد يتوقع من مصرية وشعبها الأبي التنازل عن شبر واحد من الأراضي لتنفيذ مشروع الوطن الفلسطيني البديل على الأراضي المصرية وبذات الحال لن يقبل الأردن مطلقا مشروع الوطن البديل ( لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة الأردنية ) وقد كان الرد واضحاً وجلياً من قبل الملك عبدالله الثاني في رفض كل ما طرحه ترامب في مشروعه المشبوه إذا فان نجاح الصفقة وفق هذا الواقع من الرفض الشديد وتمسك الفلسطينيين بحقوقهم الثابتة واستمرار كفاحهم من أجل تحقيقها بات أشبه بالمراهنة على الوهم ودخول عالم المجهول الذي لا ينتهي وبلا نتائج .

لقد كان لجوء الإدارة الأمريكية منذ البداية لعقد ما سمى بورشة أو مؤتمر البحرين مؤشر و دليل واضحين على وجود مشكلة حقيقية في تسويق صفقة القرن وتراجع في قوة زخمها ومكانتها حيث لا توجد دولة عربية واحدة من دول المنطقة المعنية بالصراع تريد هذه الصفقة ولم يبدي تجاوب معها إلا إسرائيل وقد عارضها الأردن والسلطة الفلسطينية وبعض الدول الخليجية المنشغل أغلبها بالتوتر القائم والمحتمل مع إيران بعدما حرف الأمريكيين بوصلة الصراع العربي الموروثة من الغرب إلى الشرق ( باتجاه طهران بدل تل أبيب ) .

الفلسطينيون ممثلون بموقف رئيسهم محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل والحركات الفلسطينية كافة والشخصيات الوطنية والقطاع الخاص غير مكترثين بالتهديدات والضغوط الأمريكية على الرغم من موافقة بعض الرسميات العربية على الصفقة وممارسة ضغوطها الكبيرة على الفلسطينيين ورئيس السلطة كي يخضعوا للمشروع الأمريكي الجديد الذي يهدف لتصفية قضية اللاجئين والقدس وإبقاء السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وتحويل قضية غزة إلى صفقة اقتصادية تعالج أزمات معيشية وعمرانية وتموينية وعلاجية ووظيفية دون أي اعتبار لمأساة فلسطين ومعاناة شعبها سواء من هم تحت حراب الاحتلال أو مشردين في المنافي والشتات .

إن تقديم الطرح الاقتصادي على الشأن السياسي في ورشة البحرين جعلها محدودة الرؤى ومقلصة الحركة تنشغل في قضايا اقتصادية محددة لا تلقى الاهتمام والدعم في العالم العربي حيث ستضطر الإدارة الأمريكية مع توالي كل هذا التراجع والفشل الذي يعانيه كوشنر في جهود تسويقها الى إصدار نسخة معدلة منها تكون أكثر قابلية ( تضع السم في الدسم ) في ظل اليمين الإسرائيلي المتشدد والجشع الذي يرفض باستمرار تقديم أي تنازلات للفلسطينيين مهما كانت بسيطة ويطالب ان تكون جميع التنازلات والتضحيات التي يفرضها تطبيق الصفقة من الجانب الفلسطيني والعربي ودون تحقيق أي من طموحات للشعب الفلسطيني نحو الحرية وإقامة الدولة المستقلة بمعنى أنه يجب تقديم تنازلات فلسطينية مجانية من غير أي مقابل سياسي وقد ثبت بالوجه القاطع ان جل ما تعد به صفقة العار الأمريكية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هو بعض التحسن لأوضاعهم الاقتصادية وبأموال عربية خليجية .

عراب الصفقة كوشنر أصبح حائرا يتخبطه المس من الجن وهو يواجه صعوبات وتحديات بالغة في تسويق وإنجاح صفقته المزعومة وهي تمر اليوم في مأزق ضيق وعميق بعدما باتت فرصة تنفيذها بشكلها الحالي تبدو ضئيلة أو شبه مستحيلة وكأنها تسير في الاتجاه الخطأ وإمام ذلك فان السبيل الوحيد لإنقاذ هيبة الرئيس الأميركي أن يعلن عن إعادة تقييم الخطة وطرح تعديلات أساسية وجوهرية عليها في ضوء التطورات الأخيرة وإشراك الاتحاد الأوروبي ودول اخرى في دراستها وصياغتها والأخذ بعين الاعتبار كافة القرارات الدولية بشأن القدس وحق العودة واللاجئين وتقرير المصير وكل ما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية .

بعد كل هذه القرارات السلبية والإعلانات المشؤومة والمنحازة بشكل كامل للاحتلال والاستيطان التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية العادلة والمشروعة والتي تثير الخوف وتبعث على القلق وتضع المنطقة على فوهة بركان وتعرضها للخطر فالمطلوب من المجتمع الدولي والدول التي تدعي الحرص على تحقيق الأمن والسلام العالميين على أساس حل الدولتين تصعيد حراكها الرافض للغطرسة والانقلاب الأمريكي ليس فقط على سياسة الولايات المتحدة التقليدية اتجاه منطقتنا وإنما أيضا على مرتكزات النظام الدولي برمته وعلى الشرعية الدولية وقراراتها التاريخية خلف ستار الكواليس الصهيونية والمؤامرة الأمريكية الجديدة .

يذكر ان الإدارة الأمريكية منذ تسلم دونالد ترامب مقاليد الرئاسة مطلع 2017 عملت على صياغة خطة تسوية سياسية في الشرق الأوسط منحازة بالكامل لإسرائيل تحت اسم "صفقة القرن" دون الكشف عن بنودها حتى الآن وقد لقيت منذ الإعلان عنها دعماً مباشرا من السعودية والإمارات ومصر ودول عربية وأجنبية أخرى .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات