خالدة جرار مناضلة صلبة تحدت السجن والسجان


قدمت المرأة الفلسطينية نفسها في صور متعددة وسجلت تجارب أكثر من رائعة في سياق تاريخً مشرقا يستحق وبجدارة أن يشكل مفخرة لنا وللأمتين العربية والإسلامية حيث أدركت مبكراً أن خلاصها من عبودية المجتمع لا يمكن أن يتحقق إلاّ بخلاصها من عبودية الإحتلال وبتحرير وطنها من الغاصب ولهذا فقد اندفعت المرأة الفلسطينية إلى ساحة النضال وأصبح همها وهم الرجل هو تحرير الوطن المسلوب وقد شاركت بفاعلية في النضال الوطني عبر مراحل التاريخ الفلسطيني المختلفة .

وقد أثبتت المرأة الفلسطينية حضورها في مختلف المراحل حيث شاركت في كل التحديات الوطنية بصمودها وإبداعها وعطائها وتضحياتها وسط أحلك الظروف على امتداد تاريخ الشعب الفلسطيني وعقود نضاله الطويلة وصفحاته المشرفة وقدمت تجربتها الفريدة والغنية وأصبحت قدوة ونموذجا يحتذى عالميا للمرأة الواعية والمثقفة والمدربة على مواجهة كافة إشكال القهر والظلم والتعسف والحفاظ على الكينونة الوطنية وبناء المجتمع الفلسطيني بأجياله المتعاقبة وصون الهوية الوطنية بكل سماتها الخاصة فكرا وتراثا وسلوكا وحضارة ووقوفها إلى جانب الرجال في وجه احتلال غاشم لا نبالغ إذا قلنا انه الأسوأ والأبشع في التاريخ الإنساني الحديث إضافة إلى تصديها الدائم لممارسات المحتل في قهر الإرادة الشعبية وسلب الحرية الشخصية وترويع المناضلات من العمل كرديف وسند للمقاومة السلمية والثورة المسلحة .

قلائل منا لا يعرفون من هي المناضلة خالدة جرار 56 عام السياسية الفلسطينية والقيادية البارزة في الجبهة الشعبية بالضفة الغربية والنائب السابق في المجلس التشريعي المنحل والتي أصبحت رمزاً وطنيا للكفاح ضد الاحتلال والظلم والاضطهاد حيث قررت المحكمة الإسرائيلية قبل سنوات الموافقة على إبعادها الى منطقة أريحا لمدة غير محددة لإسكات صوتها المناهض للاحتلال تلك المرأة التي شكلت مدرسة قيادية ونضالية ارتقت عاليا بإيمانها وتواضعها وصبرها وثباتها ورباطة جأشها حتى غدت حجة قوية في تحدي قضبان السجن وقهر صلف السجان وقفت كثرا شامخة في ميادين الوطن كرمز لجيل المقاومة تدعو وتحض الشابات والأمهات وكل شعب فلسطين إلى مقاومة الاحتلال وإفشال مخططاته وقد تعرضت جرار للسجن عدة مرات وتم تجديد حبسها لفترات مختلفة وفي أكثر من مرة اقتحمت قوات الاحتلال منزلها في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية وقامت بمصادرة مقتنياتها الشخصية كجهاز الحاسوب وهاتفها النقال وتم تحوّلها إلى الاعتقال الإداري مرات عديدة بتهم متنوعة كصلتها بمنظمة محظورة وتحريضها على العنف والإرهاب وتشجعيها على شن هجمات ضد إسرائيليين بحسب بيان مصلحة السجون الإسرائيلية .

وعقب إحدى مرات سجنها قال الجيش الإسرائيلي إن عناصر الأمن والمخابرات وجدوا أنها لا تزال تشكل تهديداً كبير على أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها وقد أمضت مؤخرا 20 شهراً في الاعتقال الإداري قبل ان يفرج عنها في نهاية شهر شباط الماضي وقد أعلنت تأييدها الكامل لقيادة الأسرى في عدة سجون وناصرت خطواتهم الاحتجاجية ضد الاحتلال الرافضة لتركيب أجهزة التشويش في سجن النقب والتي تهدد بإصابة الأسرى بمرض السرطان ورفضت بشكل قاطع اقتحام غرف الأسرى والاعتداء عليهم وقد نقلت لحظة الإفراج الأخير عنها رسالة عاجلة باسم الأسيرات في سجن الدامون وقالت إن رسالة أسيراتنا هي أمانة في ضمير وأعناق شعبنا والمتمثلة في السعي الى حريتهن وإطلاق سراحهن حيث يعشن ظروفا صعبة جراء ممارسات الاحتلال التعسفية والبوليسية الوحشية بحقهن داعية كافة الفصائل الفلسطينية والجهات للعمل بكل الوسائل للإفراج عنهن بأسرع وقت ممكن وأكدت على ضرورة انجاز وإتمام الوحدة الوطنية كضرورة ملحة لمواجهة إرهاب الاحتلال وبينت ان الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال يتعرضون بصورة مستمرة لهجمة عدوانية شرسة من قبل سلطات الاحتلال .

يذكر ان الاعتقال الإداري هو قرار اعتقال ظالم دون محاكمة تُقره المخابرات الإسرائيلية بالتنسيق مع قائد المنطقة العسكرية الوسطى في الضفة الغربية لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر ويتم إقراره بناء على "معلومات سرية أمنية" بحق المعتقل ومن الممكن أن تمدد السلطات الإسرائيلية الحكم الإداري مرات عديدة بذريعة أن المعتقل يُعرِّض أمن إسرائيل للخطر .

وبعد الاستهداف الممنهج والمتواصل فشل الاحتلال في كل اعتقال من كسر إرادة هذه المناضلة الصلبة وبعد كل مره كان يضطر إلى إطلاق سراحها لتعود كما كانت على الدوام في الصفوف المتقدمة من القيادات الوطنية وهي تحمل في أعماقها التنظيمية موقفا ثابتا ومتميزا نال احترام معظم جماهير الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وانتماءاته بعدما انتزعت حريتها عقب صمود أسطوري استمر لشهور طويلة رغم التجديد الإداري المتكرر لها وظروف الاعتقال المأساوية ستبقى المناضلة جرار شوكة في حلق الاحتلال كأسطورة وأيقونة بكل المقاييس في مواجهة بشاعة الاحتلال وترويعه وانتهاكاته الجسيمة ولم تئن او تنحني بل ظلت بوصلتها وإنسانيتها وتطلعها الطبيعي نحو القدس وكل شبر من ارض فلسطين وظل موقفها المبدئي حيال شعبها الواقع تحت الاحتلال مقاومة المحتل ورفض أساليب التعاون والتنسيق الأمني والمهادنة والتطبيع وعانت كثيرا من التحريض المؤسساتي ضدها بعض أبناء وقيادات وطنها .

وقد عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى إطلاق سراحها مبكرا عن طريق معسكر سالم حيث كان مقررا في الأصل الإفراج عنها من خلال حاجز الجلمة شمال جنين وذلك في محاولة بائسة لقتل فرحة استقبالها والإفراج عنها وقد توجهت بعد تحررها من المعتقل فورا لزيارة ضريح والدها الذي توفي أثناء اعتقالها في المقبرة الشرقية في مدينة نابلس وبعد الإفراج عن الأسيرة جرار يبقى في معتقلات الاحتلال 49 أسيرة من بينهن ثلاثة أمهات لشهداء وهن وفاء نعالوه وسوزان أبو غنام وسهير البرغوثي وهناك أسيرة لا تزال رهن الاعتقال الإداري وهي فداء دعمس من الخليل وقد جعلت همها الأول بعد خروجها مناشدة الجميع الى دعم وإسناد الأسرى في سجون الاحتلال وخصوصاً الأسيرات اللواتي يتعرضون لظروف اعتقال صعبة ومأساوية والعمل على تخصيص يوم وفاء وطني للمناضلات الفلسطينيات اللواتي قدّمن أغلى ما يملكن من أجل الوطن وفي مقدمتهم الأسيرات المناضلات في سجون الاحتلال .

المطلوب اليوم تصعيد الحراك الجماهيري على كل الصعد دعماً وإسناداً للأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال ورفضاً لسياسة الاعتقال الإداري الجائرة والتي تعبّر عن أبشع صور الاحتلال الإجرامية ومُطالبةً أحرار العالم وأصدقاء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم النواب الأوروبيين المتعاطفين مع قضية الشعب الفلسطيني إلى تنظيم حملات تضامن مع الأسرى الإداريين والنواب في سجون الاحتلال وتحقيق الإيمان بحتمية انتصار الحق والعدل على الباطل والظلم .

ولا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلية مستمرة منذ 50 عاماً في انتهاك صارخ لحقوق الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات في سجون الاحتلال بهدف التضييق عليهن وبما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظرت المعاملة غير الإنسانية والحاطة بالكرامة حيث تستمر قوات الاحتلال باعتقال النساء والفتيات الفلسطينيات من الشوارع أو أثناء عبورهنّ الحواجز أو بعد اقتحام منازلهنّ ليلاً مع اصطحاب كلاب بوليسية لترهيب العائلة وتدمير محتويات المنازل وعند الاعتقال يقوم جيش الاحتلال بتعصيب عيونهن وتقييد أيديهن خلف ظهورهن ووضعهن داخل الجيبات العسكرية ويتعرضن أثناء ذلك للتعذيب الجسدي والنفسي وسوء المعاملة حيث تحرم الأسيرات الفلسطينيات لدى وصولهنّ لمراكز التحقيق أو مراكز الاعتقال من حقهن في معرفة أسباب اعتقالهن ولا تفسر لهن حقوقهن أثناء الاعتقال وغالباً ما يحرمن من حقهن في لقاء محامي ويحتجزن لعدة أيام أو أشهر في التحقيق وتشمل أساليب التحقيق العزل لفترات طويلة عن العالم الخارجي وظروف اعتقال لا إنسانية وحرمان من النوم والطعام والماء ومن استخدام الحمام لوقت طويل بالإضافة إلى حرمانهن من تغيير ملابسهن لأيام أو أسابيع وشبحهنّ واستخدام أسلوب الصراخ والشتم والتحرش الجنسي وانتهاج سياسة الاستهتار الطبي والتفتيش والاقتحامات المفاجئة وعدم السماح بإدخال احتياجاتهن من الخارج مع الأهالي ومنع الزيارات وعزل الأسيرات بالقرب من معتقلات الجنائيات الإسرائيليات اللواتي لا يكففن عن أعمال الاستفزاز المستمر إضافة الى الشكوى من الاكتظاظ في غرف الاعتقال ومن قلة مواد التنظيف ومنعهن من تقديم امتحان الثانوية العامة والامتحانات الجامعية وعدم إدخال الكتب ومنذ عام 1967 بلغت حالات اعتقال النساء الفلسطينيات 15 ألف حالةو ستبقى قضية الأسرى والأسيرات جرحاً نازفاً لن يندمل إلا بتحقيق حريتهم .

مع ضرورة استمرار المقاومة الشعبية السلمية وتصعيدها وتوسيع رقعتها وتعزيز المشاركة فيها لتشمل كل الشرائح ومعظم مناطق التماس كطريق ونهج نحو الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي دولة فلسطين وعلى رأسها القدس العاصمة الأبدية وحتى ذلك الحين ستبقى المقاومة حق مشروع بكل السبل والوسائل مستمرة حتى زوال الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان على قاعدة لا يحمي فلسطين إلا الشعب الفلسطيني كرأس حربة متقدمة في المواجهة والتصدي .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات