كيف تفكر الحكومة؟


من يتابع ما يجري في الأردن هذه الايام يصاب بالذهول. فالحكومة في واد والشعب ومشكلاته في واد آخر. على طول البلاد وعرضها تتوالد الازمات بمتوالية هندسية بعضها مرتبط بالبطالة والآخر بتعيينات اشقاء النواب واخرى نجمت عن ترشيح الوزيرة المقالة الى موقع جديد وتعيين البعض خارج شروط المنافسة. المحافظات تعلي صوتها. الشارع العمّاني تحت وقع المعاناة التي عايشها تجار قاع المدينة جراء الامطار الاخيرة وما اظهرته من ضعف في الاستعداد للتعامل مع ابسط انواع الازمات والكوارث الطبيعية الامر الذي اغضب التجار وفتح الباب للاسئلة حول اين تذهب الموارد المالية التي يجري تحصيلها من قبل الدولة والبلديات والامانة.

الحكومة تتعاطى مع الازمات والتحديات بطرق واساليب لا تبدو مناسبة لطبيعة هذه الازمات ولا تساعد على حلها او حتى تطويقها والحد من اثارها. في الشارع الأردني عشرات من الاسئلة حول السياسة والاقتصاد ومالية الدولة والادارة والخدمات والهدر وملكية بعض الشركات والتعامل مع الفساد وسيادة القانون. وهناك استغراب حول اصرار الحكومات على حماية بعض المؤسسات غير الفاعلة ووضع القيود على بعض الانشطة التي يمكن ان تحدث الانفراج الاقتصادي وتخفف من اعباء الحياة وتولد الفرص.

في الطفيلة ومعان والكرك والبادية وفي كل مكان يستغرب الناس كيف لا يسمح لهم بالاستثمار في توليد الطاقة الكهربائية من الشمس والرياح بحجة ان الشبكة لا تستوعب وكيف تسعر الدولة الطاقة المولدة من قبل الاهالي بـ12 فلس وتبيعها لهم بأكثر من عشرة اضعاف هذا السعر.

الشعور العام لدى الناس بأن الاجراءات التي تتخذها الحكومة في التعاطي مع مشاكل البلاد الاقتصادية والادارية وحتى السياسية غير مجدية ولا مناسبة وربما يذهب البعض لوصفها بالمعيقة لأي انفراج او تقدم. فالاستثمار لا يشجع بالخطابات وحفلات الاستقبال وزيارات الوفود وحملات الدعاية بل يحتاج الى إجراءات تحفيزية على الأرض.

في مواجهة ازمة التشغيل ما الذي يمنع الحكومة من إنشاء شركات كهرباء في المحافظات تولد طاقة تسد حاجات هذه المناطق وتزود المستثمرين بطاقة كهربائية بأسعار التكلفة لكي يأتي كل من يريد ان يستثمر دون سمسرة وشراكة استراتيجية وتحت شروط تمكنه من المنافسة وتؤدي الى خلق فرص العمل التي يبحث عنها الشباب ولا تستطيع توفيرها الحكومة.

الاصرار على حماية شركات الكهرباء القائمة والمصفاة واساليب استيراد الطاقة وادارة مصادرها والاستثمار فيها مسائل معقدة ومركبة وغير مفهومة بحيث انها تحولت الى قضايا وشعارات يرفعها المحتجون والمعتصمون.

من الوجهة الاخرى تستغرب وانت تستمع الى اعضاء الحكومة وهم يسردون انجازاتهم في الاصلاح الاقتصادي والضريبي والاداري بحيث انهم حازوا على اعجاب المؤسسات الدائنة واقنعوا العالم بجاهزية الأردن للانطلاق فيقتبسون من خطاب رئيس الحكومة قوله “اننا قبل آلاف السنين نجحنا في صناعة الخبز”.

مهما تكن انجازات الحكومة في مؤتمر لندن ومع البنك الدولي والمؤسسات المانحة ومهما كان تمرين العلاقات العامة الذي قامت به الحكومة في مؤتمر لندن ناجحا فإن الشارع الأردني لم يلمس أيا من هذا النجاح فقد فقد قناعته بقدرة المسؤول الأردني أيا كان على اجتراح الحلول للمشكلات القائمة ففي كل مرة تتصدى فيها المؤسسات لمشكلة بسيطة تتفاقم هذه المشكلة فتتحول الأزمة الى فضيحة.

لقد حصل ذلك في البحر الميت وفي الدخان وفي تعيينات اشقاء النواب وحوار قانون الضريبة وطريقة معالجة الباحثين عن عمل وغيرها من الازمات.

في التاريخ الأردني تجارب يمكن الافادة منها فقبل ثلاثة عقود مر الأردن في ما يشبه الازمة عندما تحرك الشارع الجنوبي وطالب الناس بالاصلاحات فاستجابت الدولة واجريت الانتخابات وحدث الانفراج الذي أعاد للناس الثقة بالدولة والمؤسسات والمستقبل. بعد هذه الاحداث انتعشت الحريات ونشط الاعلام وانخفض مستوى الاستفزاز وزادت ثقة الناس بالحكومة والنواب والقضاء وتفتحت شهية الجميع نحو العمل الحزبي وتأسيس الجمعيات والمراكز البحثية. في تلك الفترة كان الانسجام واضحا بين الدولة والشارع الأردني مما مكن الأردن من تجاوز آثار المواقف السياسية الغير منسجمة مع موقف الولايات المتحدة ودول الخليج العربي.

بدون جراحة مفصلية للواقع الأردني بإصلاحات سياسية وادارية واقتصادية تتجاوز الترتيبات القائمة وتقفز على كل المصالح الفردية والفئوية فإن الامر سيظل على ما هو عليه، ولن تفيد كل الحلول الترقيعية واستراتيجيات الاحتواء والتسكين التي أدمن البعض عليها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات