“النقاش الكبير” في الأردن


أخفقت النخبة السياسية الأردنية في صياغة جدول أعمال وطني يتضمن أولويات المرحلة المقبلة. ويتجلى هذا الإخفاق في حالة من انعدام اليقين العام حيال مستقبلنا.

يمكن رد الفشل النخبوي لأسباب عدة؛ ذاتية وموضوعية، أهمها، الصدمة السياسية والفكرية التي خلفتها الأحداث الجارية في العالم العربي منذ عدة سنوات، والمتمثلة بفشل ثورات الربيع العربي، وانكشاف المجتمعات وحدود قدرتها على التغيير السلمي.

ذاتيا، عجز النخب السياسية عن تجاوز حساباتها الشخصية ومصالحها الضيقة، وسعيها للمناصب بشتى الطرق. وتراجع مفهوم المسؤولية ليغدو مجرد وظيفة، يقاتل صاحبها للحفاظ عليها، حتى وإن تطلب ذلك تخليه عن مسؤولياته. وشتان بين الموظف والمسؤول.

ولم تسعف الحالة البرلمانية الحياة السياسية في البلاد، في وقت سقطت فيه معظم الأحزاب السياسية بفخ الجمود والتبعية الشخصية، والخطاب التقليدي، فلم تعد تغري الجماهير أبدا.

رافق تلك الأوضاع صعود هائل لتيار شعبوي بفعل تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الناس، وخضوع رهط غير قليل من الساسة والعاملين في الحقل الوطني لتأثير هذه الموجة، دون اعتبار لمصالح الدولة العليا وإمكانياتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وبشكل عام أصبحت صلة النخبة بالشعب مقتصرة على أدوات العالم الافتراضي.

لكن المفارقة العجيبة أنه وفي ظل هذا المستوى المتقدم من التواصل المستمر على مدار الساعة بين الناس ونخبهم عبر منصات الشبكة العنكبوتية، تتعمق الفجوة، وتتآكل الثقة، ويغيب الإجماع على الأولويات الوطنية، لا بل نبلغ حالة غير مسبوقة من التشتت والتفتت، وتصل الكراهية في الخطاب السائد حد التوحش. وعلى المستوى الوطني العام نقترب من مرحلة الصدام، خاصة مع الشعور المتزايد بوطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة.

فرنسا دولة عريقة، قادت ثورتها التاريخية العالم صوب الحرية والمساواة والنظام الديمقراطي. لكنها وبكل ما تملك من أدوات متحضرة لممارسة العمل السياسي والمشاركة الكاملة في صناعة القرار وانتخاب قيادات الدولة، اضطرت أخيرا لسلوك نهج قد يبدو بدائيا بالنظر لمستوى تطور فرنسا، يقوم على الحوار المباشر مع الجمهور والقيادات المحلية في المدن والمقاطعات والبلدات الصغيرة، فيما أطلق عليه اسم “النقاش الكبير” لصوغ برنامج أولويات وطني استنادا لمخرجات هذا النقاش. وقد تفرغ رئيس الجمهورية شخصيا للإشراف عليه.

قررت الرئاسة الفرنسية تخطي آلية الحوار الحزبي والصفقات مع القادة السياسيين، لبناء إجماع وطني مختلف بأدوات جديدة كليا في محاولة للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي تفجر مع مسيرات السترات الصفراء في باريس وشوارع المدن الفرنسية على خلفية اقتصادية بحتة.

هل يمكننا في الأردن أن ندير نقاشا مشابها، تتخطى فيه الدولة الهياكل التقليدية للعمل السياسي، وتعود إلى الأصول والقواعد لبناء الإجماع الوطني من جديد؟

هناك في المحافظات وكل مدن وبلدات المملكة، مجالس وهيئات محلية منتخبة كمجالس المحافظات والبلديات، والجمعيات التعاونية والخيرية، والهيئات النقابية والروابط المدنية التي ينخرط فيها الشباب والنساء، تشكل في مجملها هيئة عامة منتخبة من الشعب الأردني، تلامس الواقع الأردني وهمومه، وتشخص المشكلات استنادا لتجاربها الحية. وبحكم انخراطها الميداني في الحياة الواقعية، تدرك قدرات بلادنا وفرص التغيير ومواقعه. لماذا لا نفكر في تنظيم جولات من الحوار المنتج والمنظم مع هذه الهيئات ومنتسبيها، وهم الأغلبية في المجتمع، على أن تتولاه هيئة وطنية ملكية، مشكلة من أبناء المحافظات وشبانها وشاباتها، المنخرطين في العمل العام بهوياتهم المدنية والأهلية؟

باختصار ينبغي على الدولة أن تفكر بالعودة لقواعدها الاجتماعية، لصياغة برنامج وطني يستجيب لتحديات المئوية الثانية.



تعليقات القراء

د. محمد نور احمد
ابدا اولا بدمج تلفزيون المملكة مع التلفزيون الاردني،،
11-03-2019 11:32 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات