العودة من لندن!


عاد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز من لندن وتوجه على الفور إلى وسط العاصمة عمان حيث غمرت مياه الأمطار المحلات والمستودعات التجارية، وخلفت خسائر فادحة لأصحابها، ومن بين الصور العديدة التي التقطت له هناك صورة يمكن أن نقرأ فيها مدى الإرهاق والحيرة والأسف الذي ينتابه، فالمسافة بين وسط لندن ووسط عمان بعيدة جدا، وهو رجل يدرك كذلك المسافة الشاقة بين مخرجات مؤتمر لندن الذي حمل معظم عبئه على ظهره وبين الواقع الذي يواجهه كل يوم في مسيرة الإصلاح الاقتصادي والمالي، إنه في الحقيقة ليس محظوظا، فحتى الأمطار التي تبشر بموسم زراعي جيد تسببت له بأعباء إضافية!

لم يكن مؤتمر لندن الذي انعقد تحت شعار «فرص ونمو» اقتصاديا بالمطلق، والخطاب القوي الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني أمام المشاركين الدوليين والأردنيين استحضر عناصر القوة الإستراتيجية للأردن في معادلة الأمن والتعاون الإقليمي والدولي، لكي يعرف الشركاء أن القروض والمنح والمشاريع الاستثمارية، وحتى تخفيف الديون أو إلغائها مستقبلا لا تحقق مصالح الأردن وحده، وإنما قد تحقق مصالح جميع الأطراف، خاصة عندما نتحدث عن الأردن الذي واجه منفردا في معظم الأوقات نتائج الصراعات التي شهدتها المنطقة، ولا تزال، وساهم بصورة فاعلة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وخلق حالة من التوازن بين تناقضات كثيرة حين تحمل العبء الإنساني والأخلاقي الناجم عن تلك الصراعات المريرة والمدمرة للبشر والحجر.

البيان الختامي الذي تضمن المبادئ الخمسة الأساسية لتحديد إطار الشراكة بين الأردن والمجتمع الدولي لدعم انتقاله إلى اقتصاد أكثر إنتاجية وتنافسية بناء على منهجية جديدة، لتحقيق نموه واستدامته واعتماده على الذات تضمن كذلك ثلاث ركائز أساسية تقوم على الرؤية التي قدمها جلالة الملك للتحول الإقتصادي من خلال إصلاحات قوية لتنشيط النمو وخلق فرص العمل خاصة أمام الشباب والنساء، وتدابير لتحسين الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي، وبيئة أعمال تمكن من جذب الاستثمارات الأجنبية.

الجميع عادوا من لندن، والسؤال المنطقي الآن، ما هي الخطوة الأولى على الطريق، وسؤالي مبني على السطر الأول الوارد في البيان الختامي تحت محور «آلية متابعة واضحة وفعالة» ينص على أن الحكومة الأردنية أنشأت هيكلا «للحوكمة» لتنفيذ خطتها الإصلاحية، وقد تم إنشاء أمانة عامة للإصلاح لتتبع التقدم، وتقديم تقرير إلى الفريق الاقتصادي الوزاري برئاسة رئيس الوزراء!

ما أعرفه عن هيكل الحوكمة أنه هيكل تنظيمي يضمن ممارسات الحوكمة، والعلاقات التكاملية والتفاعلية بين الأجهزة التوجيهية والإشرافية والتنفيذية والرقابية، فضلا عن التشاركية في الرأي، والشفافية في المعلومات، وتوسيع نطاق المعرفة والتعمق في البحث قبل اتخاذ القرار، فهل هذا هو المقصود بالهيكل الذي أنشأته الحكومة، وهل قمنا أصلا بتطبيق معايير الحوكمة في مؤسسات القطاعين العام والخاص، حتى يتم العمل في اطار الهيكل على أسس صحيحة؟

أقول لدولة الرئيس، وكلي ثقة بأن لديه من العزيمة والثبات ما يكفي لكي يجعل من نتائج مؤتمر لندن بداية مرحلة ونهج جديدين، إنه من دون الحوكمة الحقيقية ستظل الأجهزة عاجزة عن حمل مسؤولية المرحلة والنهج، ولا أزيد على ذلك شيئا، ساتحدث لاحقا عن ضرورة وضع نهج جديد أيضا للعلاقة والشراكة بين القطاعين العام والخاص التي كانت نقطة مركزية في مبادرة لندن ومؤتمرها، وحمدا لله على السلامة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات