"الفالنتاين" .. كثير من الزيف قليل من الحب !!!


معرفتي بعيد الحب قديمة بعض الشيء وتعود إلى ما قبل سبعة وعشرين عاما بالتحديد، كنت يومها في مدينة "روتردام" الهولندية أشارك في دورة تدريبية متخصصة، تزامنت مع اندلاع حرب الخليج الأولى، وكانت المعنويات وقتها في الحضيض فأنا بعيد عن الوطن الذي كان تحت الحصار بسبب موقفه المشرف تجاه الحرب الذي اتخذه جلالة الملك الحسين رحمه الله، يومها ارسل المعهد بطاقة تهنئة لكافة المشاركين " Happy Valentine's Day" كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا العيد وأنا الذي أزعم أنني مطلع ومتابع جيد، ظننته للوهلة الأولى عيدا أو مناسبة قومية هولندية مثل عيد النيروز في ايران أو شم النسيم في مصر، لأكتشف أنه عيد للعشاق خاصة من يعانون من تباريح الحب ولوعة الشوق وآلام الفراق، وقد عجبت يومها أن "العشاق" في وطني لم يكونوا على علم بذلك العيد، وأن اللون الاحمر ما زال بالنسبة لهم مقترنا بالتضحية والفداء "حمر مواضينا..." ، ولكنني رأيت في ذلك فائدة لهم، جنبتهم أثمان الهدايا المرتفعة وجلهم كان حاله كحال ناظم الغزالي يردد " أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي ....".

مضت سنوات بعدها قبل أن يصل صيت العيد وصيت صاحبه القديس "فالنتاين" إلى بلادنا، بحيث أصبح طقسا سنويا له قدر كبير من "القداسة" ينتظره الكثيرون على أحر من الجمر ، لدرجة التضحية بمبلغ عشرين ألف دينار للإحتفال به وفق ما يليق بالمناسبة من جلال وبهاء، فما الذي حصل تماما وكيف أضحت المناسبة رقما صعبا على أجنداتنا نترقبه كهلال العيد، هل رقت طباعنا "الغليظة" فجأة وأصبحنا نساكا في محاريب العشق والغرام، أم أن الموضوع برمته مؤامرة غربية صهيونية تستهدف ديننا وقيمنا، نجح القائمون عليها أخيرا في إختراق جدراننا القيمية الحصينة ....

لقد أضحى عيد الحب مناسبة وحدثا توقد له الشموع في مختلف أرجاء الأرض من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، ساعد على إنتشاره ثورة المعلومات والإتصالات وإدخلته لكل بيت وسائل التواصل الإجتماعي، ويحركه ويوقد جذوته باستمرار قوى وشركات تجارية تجنى الملايين من تسويق رموزه وأيقوناته وهداياه، ولك أن تجول ببعض أسواقنا لتلاحظ حجم الاستعدادات والتحضيرات التي تقوم بها المحلات التجارية للاستفادة من هذا الموسم، فكميات الورود والزهور والزنابق الحمراء التي يتم استيرادها كبيرة جدا ناهيك عن الدببة والملابس وربطات العنق وغير ذلك الكثير.

لا نعترض على استفادة التجار وتحريك الأسواق الراكدة في هذه المناسبة، ما يقلقنا هو هشاشة أجيالنا الصاعدة وسرعة تقبلها لبريق القيم الغربية الدخيلة مهما كانت سطحية وساذجة وغريبة، دون وجود منظومة حماية قيمية تحافظ على أصالة مجتمعاتنا ومعتقداتها، فما نلاحظه على أبنائنا وسرعة تخليهم عن قيمهم وجذورهم مقلق جدا وخطير .... مثال واحد يعكس الكارثة التي تنتظرنا في هذا المجال .... تتمثل في هجر اللغة العربية والحط من شأنها واستبدالها باللغات الأجنبية.

للذين يحاولون صد هجمات "عيد الحب" المتتالية على ثقافتنا وقيمنا من خلال تأكيدهم أن الحب الحقيقي هو حب الله ورسوله وحب الوالدين وحب الوطن ....!!! نقول صدقتم يا سادة ولكنكم تتحدثون عن الحب وهم يتحدثون عن العشق وشتان ما بينهما، ولكم أن ترجعوا إلى ابن حزم الأندلسي وكتابه طوق الحمامة، الموضوع بحاجة إلى مقاربة مختلفة غير ما تقولون ... بارك الله فيكم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات