الأمة المتحاربة


احتفلت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بمرور مائة عام على انتهاءها والانتصار فيها، وأقيمت الاحتفالات برعاية ملكة بريطانيا والرئيس الفرنسي، بل وأقامت سفارات تلك الدول الاحتفالات. لقد كانت نتائج الحرب العالمية الأولى على العرب والمسلمين كارثية من كافة النواحي ، فلقد احتلت وقسمت بلدانهم، وقتل وسُجن الملايين ، واغتصبت النساء وانتهكت الحقوق، وشرد وهُجر الملايين ، واحتلت المقدسات.، ولقد حضرعدد من زعماء العرب والمسلمين الاحتفال بفرنسا!! ومنهم الرئيس التركي رغم خسارة الدولة العثمانية للحرب؛ ولكن ربما حضوره من باب أن تركيا اليوم أقوى، وأننا أحفاد وورثة الدولة العثمانية ولكن بثوب ولون جديد، فتركيا مثلا احتفلت بالمئوية للحرب العالمية الأولى ولكن على طريقتها؛ بتخليد وإبراز انتصارات الجيوش العثمانية في بعض المعارك الهامة مثل كوت العمارة، ومعارك مضيق الدردنيل ..ألخ.
لقد كان من مبررات نقض الطاعة للدولة العثمانية التجنيد الإجباري وكثرة القتلى؛ ولكن المتتبع لما حدث للعرب خاصة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى _فلا يصدقه العقل_ من كثرة الشهداء؛ فالجزائر قدمت مليون شهيد لنيل الاستقلال ، وفلسطين ما زالت تنزف وتقدم الشهداء يومياً...ألخ ، أما الجرحى والمعوقين فلا يمكن حصرهم، عدا عن حالات انتهاك الأعراض ، وتشريد وتهجير المواطنين، فهنالك ما يزيد عن 7 مليون فلسطيني مهجر. وقد احتلت المقدسات كالمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، ودنست قبور الصحابة والصالحين والعلماء، وهدمت المساجد، وقتل وأهين عدد من كبار الزعماء والكثير من العلماء.
وخلال المائة عام الماضية لم ينعم العالم العربي والإسلامي بالهدوء والاطمئنان، فعلى المستوى العربي فهنالك الحروب الخارجية والداخلية، والتي بدأت بالحرب بين المملكة الحجازية مع نجد ، وحرب مصر واليمن ، والحروب العربية الإسرائيلية في سنوات 48، 56، 67، 73 ثم حروب إسرائيل وإخراج الفصائل الفلسطينية من لبنان ، وحرب ليبيا مع تشاد ، بالإضافة للحروب الداخلية في اليمن والسودان ولبنان ، والثورات الكبرى في العراق كثورة العشرين، وثورة 36 في فلسطين ، والثورة السورية ، وحروب إسرائيل على لبنان وغزة ، بالإضافة للانقلابات العربية الداخلية ...ألخ ، ويضاف لذلك حرب الخليج مع إيران ولمدة ثمان سنوات، ثم حروب الخليج بين العرب أنفسهم وبتدخل أجنبي، وأما الحروب في العالم الإسلامي فقد احتل الاتحاد السوفيتي الدول والإمارات الإسلامية في أسيا ، وكذلك الحرب في القارة الهندية والتي أدت لنشوء باكستان، ثم الحرب الداخلية بين باكستان وبنغلادش، ثم الحرب الأفغانية ، والحرب في البوسنة والهرسك ...ألخ، وكذلك الحروب والفتن والانقلابات الداخلية في الدول الإسلامية.
ثم جاء ما يسمى الربيع العربي ليجعل من الدولة الواحدة عدة دول، ومن دول عربية كانت مكتفية ذاتياَ إلى دول وشعوب هائمة ومشتتة ومهجرة، يضربها الجوع والفقر والمرض، وما اليمن عنكم ببعيد ، بل أنشأت جهات مجهولة منظمات تسمت بالإسلام ؛ فشوهت صورته وأحكامه، وزادت من حقد وبغض الأعداء للإسلام والمسلمين، واستنفرت الشباب الطامح لنهضة الإسلام فجعلتهم أهدافاَ لطائرات الأعداء، وحقلاً لتجارب الأسلحة، ولقد أفنت جيلاَ من الشباب الإسلامي المثقف والمتعلم، وزرعت أحقاداَ بين المسلمين أنفسهم.
وبعد مائة عام على نهاية الحرب الأولى فإن خسارة العالم العربي والإسلامي لا يمكن تقديرها ، فمعظم الشعوب والدول منهكة اقتصادياَ واجتماعياَ، ولا تستطيع الدفاع عسكرياً عن نفسها، بل البعض أعاد الاستعمار لبلده.، وتعاني سياسياَ وداخلياَ من القمع وانتهاك الحرمات، ويضاف لذلك الفساد بكل ألوانه وأشكاله، فأصبح سمة للعربي والمسلم. لقد دمر العرب والمسلمون بناهم التحتية بأيديهم ، وبحروب داخلية طاحنة مصطنعة ومخططة من أعدائهم، وانتهكوا حرماتهم بأيديهم، ونقلوا مكتسباتهم المالية ووضعوها في بنوك الغرب، يبنون بها اقتصاد غيرهم، وإن اختلفوا معهم جمدت ونُهبت. إن معظم بلاد العالم العربي والإسلامي تعاني من الفقر والمرض والجهل، والكثير من أسباب ذلك يرجع لأيديهم .
إن القادة والمفكرين والعلماء في العالم العربي والإسلامي يجدر بهم بث روح الإخوة والمحبة، وزرع بذور التسامح والعفو، وأن تتصالح الأمة مع ذاتها، والنظر لمصلحة الأمة العليا، وأن يكون مبدأ الصفر مشاكل بين العرب والمسلمين هو الأساس ، ولن تنهض الأمة إلا بأبناءها وبمقوماتها الذاتية، ولنسأل من المستفيد من القطيعة والهجران والفرقة بين العرب والمسلمين ؟
كما أن الأمة بمجموع مكوناتها السياسية والفكرية والاقتصادية مدعوة لإيجاد مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي يربط بين مكوناتها ، ولا أظن أن الأمة عقيمة، ولكن إذا حسنت النوايا كانت النتائج فيها الخير الكثير.
إن الأمة العربية والإسلامية اليوم بمجموعها تشبه بيت العنكبوت المتخاصم والمتصارع داخلياَ، (وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) العنكبوت 41 ، وإن الأمم أو الشعوب أو الدول بعد هزيمتها تسعى وتعمل لرفع الهزيمة عن نفسها بعدد من الطرق والوسائل ضد الأعداء لا أن تتصارع فيما بينها، وإن قادتها هم من يتحملون المسؤولية أمام الله والناس ، فهل نحن فاعلون ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات