المُغادرين الحياة باكراً ..


أبكرتُم الرحيل, غادرتُم الحياة مرغمين فالموت يجهلُكم ولا يعرف أن ثمة أحلام كبيرة تريدون أن تحققونها عندما تصيرون في عمر الشباب, فمنكم من يريد أن يصبح طبيباً, ومنكم مهندساً, ومنكم طيّاراً, ومنكم عسكريّاً. من سيشغلُ مقاعدكم التي ستكون فارغة طوال سنوات دراستكم, من سيكتب على دفاتركم أحرف حب الوطن الصادقة، من سيرسم في حصة الفن ألوان راياتُنا الخفاقة على الورق، من سينام مكانكم في أفرشتكم المتوحشة لرحيلكم؛ ستغيبون عن أعينِ إمهاتكم وأبائكم وأخوانكم المنفطرة قلوبهم على فراقكم, الموجوعة على فقدانكم, المُدميّة على ما تعرضتم إليه. رحمكم الله يا طيور وطني, رحمكم الله يا شُهداء التخاذل والإهمال والعطاءات الفاسدة.

أجوم أن لو كانت هذه الحادثة قد وقعت في دولة "إنسانية" لقدّم كل المسؤولين فيها إستقالاتهم الجماعية وذهبوا إلى بيوتهم مؤطيء رؤوسهم خجلاً, لكن من المؤسف والمُخجل تراشق الإتهامات ومحاولات التبرئة ووضع اللوم على جهة بعينها ما يؤكد دونما شك أن ما يهم الوزير أو المسؤول هو أن يبقى في منصبه الذي فشل في إداراة أموره, إذا لم يستقيل المسؤول في مثل هذه الواقعة الكارثية والمؤلمة التي هزّت كيان الاردنيين وحرّكت لديهم مشاعر الحزن والألم, وأثارت الرأي العام, وتفاعل معها الجمهور العربي, فمتى سيخجل ويستقيل.ألهذه الدرجة تسترخصون أرواحنا.

متى يمكنني أن أشعر بالطمأنينة وأنا أسيرُ بمركبتي على طرقات مُهترئة منذ سنوات لا تصلح للسير وأنتم تعرفون ذلك ولكنكم لا تحركون ساكناً ولا تتحركون لإعادة صيانتها بما يحفظ حياة الفرد رغم أنكم تفرضون ضرائبكم علينا وتسلبون بكل دهاء ما في جيوبنا بشتى الطرق الجبائية ومع ذلك لم نرى على أرض الواقع إلا الإنهيارات والكوارث.

لا تُكابرون على الفشل, لا تنكرون التقصير, ولا تُحاولون تبرئة أنفسكم من حدوث الفاجعة في البحر الميت والتي حصدت معها أرواح أطفال بريئة عندما داهمت المياه أجسادهم الصغيرة التي ما زال بعضها في عداد المفقودين. فلا بد على الجميع أن يتحمل المسؤولية الكاملة.

لا تقولون أن فاجعة الحادثة قضاء وقدر وهناك ثمة تقصير وفشل. فالمسؤولية يجب أن يتحملها الجميع إن كانت المدرسة التي أخطأت في تنظيم الرحلة في مثل هذه الأحوال ونحن في بداية دخولنا لفصل الشتاء الذي يفترض فيه أن تتوقف الرحل المدرسية، ووزارة التربية والتعليم التي تحاول أن تتهرب من مسوؤلياتها، ووزارة الإشغال المُقصرة في دورها حيال إعادة صيانة الطرق والعمل على تشييد الجسور الآلة للسقوط.

في أول شتوة تكشف لنا عورات الطرق وعيوب الجاهزية لا بد على الجميع أن يتعلم من الدرس القاسي الذي لا يُفترض أن يمر دون محاسبة ومعاقبة كل المتورطين والمسؤولين عن فاجعة البحر الميت، فضحايا التقصير والفساد هذه المرة هم طيور الوطن الراحلين باكراً تاركين خلفهم ثمة أحلام كبيرة وثمة قلوب تحترق وعيون لن يجفَ دمعها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات