دردشة عن السينما المصرية و عن بعض نجوم زمن الفن الجميل
الأزمات السياسية في مصر اثرت بصورة سلبية على حركة الإنتاج الفني عموما، فهجرة المستثمرين الى الخارج و إغلاق المصالح و سياسة التأني في الإستثمار بسبب الظروف السالفة أثرت كثيرا على إنتاج الافلام من جهة، فاتجه المنتجون الفاعلون الى المسلسلات أكثر من الافلام لأن هذه المواد مرغوبة أكثر بسبب طول حلقات العرض مقارنة مع مادة الفيلم الروائي الطويلة الذي قد تمتد من الساعة الى الساعتين، لذلك إنتاج المسلسلات بات مرغوب أكثر من الافلام بالرغم من اهمية الأفلام الروائية الطويلة السينمائية التي لا غنى عنها، و من جهة ثانية سرقات نسخ الأفلام التي تُعْرَضْ حديثا في دور العرض عن طريق الهواتف النقالة التي تتمتع بكاميرات متطورة و برامج تسجيل مرئي و مسوع متطورة و طرق تسريب نسخ الافلام الروائية الطويلة التي تعرض بدور العرض و عرضها على اليوتيوب تسبب الخسارة الكبيرة للمنتيجين و المستمثرين في قطاع السينما و الافلام...فبغياب طرق رادعة لهذه السرقات في مصر من قوانين و طرق لضبط السرقات عَزَفَ الكثير من المنتيجين عن الإنتاج السينمائي مما تسبب بإنخفاض عددها السنوي، و ربما تكون هنالك أسباب آخرى...و لكن أشعر بأن هذه أهمها فيجب أن يكون هنالك مناخ ايجابي يتوفر يشجع المستثمرين للإتجاه من جديد الى صناعة الافلام السينمئاية لأنها تبقى الأساس في صناعة الدراما و استمرارية وجودها، فإنتاج الفيلم الروائي الطويل هو في جوهره حرفة سرد رواية خلال فترة زمنية محددة...لها بداية و حبكة و نهاية...لذلك يستطيع المشاهد الإستمتاع بها بفترة زمنية منطقية في دور العرض...بعكس المسلسلات الدرامية التي تمتد عبر 30 حلقة طويلة و التي تعتمد على بث حلقة واحدة عبر 30 يوما بحسب البروتوكول التجاري المتعارف عليه فالفضائيات تنظر لها بأنها حل مناسب لتوفير مواد يومية للمشاهدين...كمفهوم ملء ساعات البث بالمواد فقط، و لكن مما لا شك به ان هنالك متعة راقية في دخول دار للعرض مع حشد من المتفرجين...تقليد راقي لهذه الصناعة نتوارثه من جيل الى جيل لا تبلى نكهته من حياتنا...تقليد قد يجمع الاصدقاء و الأهل برحلة اجتماعية رائعة جدا...فالجلوس معهم بنفس الصالة برفقة حشد جماهيري كبير...و هتافات باعة المرطبات و الحلويات و الشطائر و البوشار (الفوشار) و هم يسيرون هنا و هناك بين الناس...و بعض بضعة لحظات من الإنتظار تنطفئ الأضواء...و يبدأ عرض الفيلم على شاشة عرض عملاقة وسط ظلام تسطع به فقط ألوان الفيلم و انارته...تقيلد عمره ثمانية عقود نفيسة في بلادنا و بلاد العالم...لا يجب ان نفقده من مجتمعاتنا إطلاقا،
ارتبط الترفيه في ايام اجدادنا بأمور كثيرة كان من جملتها الذهاب الى السينما، فهي فرصة لنرى نجومنا المفضلين يتألقون امام الكاميرات و يقدمون لنا ساعة او ساعتين من الترفيه و التسلية، فهذه المهنة كانت انطلاقة لأروع النجوم التي عرفتها القاهرة على الإطلاق و المنطقة العربية، و هم كثرٌ على مر تاريخها العريق، فنجوم زمن الفن الجميل لا يغيبون عن ذاكرتنا إطلاقا بأداءهم الرائع في أفلامهم و اغانيهم الخالدة التي عاشت معنا طوال العقود السالفة من جمال ألحانها و روعة كلماتها...و لن يغيبوا هاؤلاء النجوم الكبار عن ذاكرة التاريخ الدرامي إطلاقا ايضا فهم لبنة اساسية أوصلت صناعة الدراما و السينما الى ما هي عليه اليوم، فهم من اسسوها و أبدعوا بالإخراج وكتابة السيناريوهات لأن البدايات تمت بإيديهم المجردة...حيث كانت البدايات الصامتة للفيلم ثم دمج المرئي و المسموع في نفس وقت العرض في العقد الثالث من القرن الماضي...ثم ازدهرت هذه الصناعة علي يدي شخصيات لامعة و على سبيل المثال لا الحصر مثل طلعت حرب (مع حفظ الألقاب) الذي اسس ستوديو مصر عام 1935 و الذي كان أحد أكبر الإقتصاديين حينها الذين ساهموا بتطوير صناعة الافلام، فأنتج الأعمال لنجوم كبيرة مثل ام كلثوم و عبدالوهاب، و يوسف وهبي الذي كان رائدا في المجالين معا المسرح و السينما حيث قدم لنا سلسلة من الأعمال الناجحة منها كرسي الإعتراف و أولاد الفقراء (مسرح)، و في السينما كتب سيناريوهات أفلامه ليتألق في الكتابة و التمثيل و مجال الإستثمار ايضا حيث اسس شركته الخاصة اثناء حياته العملية، و يروي لنا التاريخ بأن يوسف وهبي كان السبب المباشر لدخول أنور وجدي السينما، فكان حب السينما يشتعل في قلب انور كثيرا لدرجة بأنه كان يتردد كثيرا على مسرح رمسيس الذي كان يعمل به يوسف و فرقته ليحاول مقابلته او مقابلة اي من الفنانين ليوافقوا على ضمه الى فرقتهم، حتى بمهنة متواضعة كتقديم الشاي او القهوة او خلافها من المهن التي قد تقدمه لاحقا أو تضفي على مستقبله بصيص الأمل لأتمام طموحه، و بعد عدة محاولات رضخ يوسف لطلب انور، و عمل معه كمنسق للفرقة و كسكرتير، و رويدا رويدا ابتسمت الحياة لأنور حيث تقاضى على عمله اجرا بسيط مكنه من استئجار غرفة فوق سطح بناية مع زميل كفاحه عبدالسلام النابلسي...و استطاع كتابة بعض المسرحيات ذات الفصل الواحد لفرقة بديعة مصابني مقابل 2 و 3 جنيهات للمسرحية...و عمل في الاذاعة كمخرج و مؤلف لتبتسم له الحياة بعدها كثيرا...فكانت هذه اولى الخطوات التي فتحت له افاق واسعة في السينما في مصر...و بعد قرار يوسف وهبي الاستعانة ببعض تلامذته في افلامه وقف انور وجدي بادوار ثانوية امام كاميرة السينما في افلام مثل اولاد الذوات و الدفاع، فقرر بعدها ترك السينما ليرشحه يوسف وهبي ليشارك بفيلم اجنحة الصحراء ليثبت موجوديتها كممثل سينمائي...فتوالت نجاحاته في السينما ليقدم اربعة افلام في عام 1939 دفعة واحدة و ليدخل عالم نجوم السينما من اوسع الابواب، و لعل ما ميز علاقة انور وجدي و يوسف وهبي خلال فترة نجومية انور و عطاءه المنقطع النظير للسينما المصرية هو متانتها...فيروي من عاصر هاؤلاء الكبار بأنه في يوم من الايام و يوسف وهبي على سرير المرض زاره انور. و كان في عز نجوميته الكبيرة...فقال له يوسف وهبي كم كانت زيارته مقدرة عنده..فعز عليه حاله بانه و هو يصارع المرض لم يزوره احد من زملائه في الوسط الفني...و لعل بقية علاقتهما متينة الى ان فارق انور الحياة...، حيث تتفق الروايات المتداولة بأن انور عانا من مرض عضال. و لكن هنالك خلاف حول نوع المرض الذي عانا منه و البلاد الذي سافر اليها ليتعالج. فهنالك من يقول بانه اصيب بالسرطان و سافر الى الدنمارك لتلقي العلاج...و لكن لم تطل ايامه. فعاد الى مصر متوفيا من هناك ليستلمه المقربين و يدفن و هو في الواحد و الخمسين عام...و هنالك مراجع آخرى تقول بانه اصيب بمرض آخر وراثي المنشأ اسمه مرض الكلية متعددة الكيسات، و سافر الى فرنسا لتلقي العلاج بطلب من الاطباء في مصر، و لكن المحاولات لم تفلح ليتوجه الى السويد حيث سمع بان هنالك طبيب قد اخترع علاج لمرضه المؤلم. و لكن كانت قد ساءت حالته فلم تنجح العملية التي اجريت له...و حيث كانت هذه آخر رحلاته ليعود الى موطنه و يوارى الثرى في مصر و زوجته الثالثة ليلى فوزي على ذمته...بعد عطاء اسطوري للسينما و نجومية لم ترى السينما المصرية مثيلا لها اطلاقا...
موهبة قدمت موهبة آخرى و هكذا كانت الامور مع سلسلة العمالقة سالفة الذكر في مقالتي هذه...فيوسف وهبي قدم انور وجدي للسينما...و انور وجدي قدم فيروز الطفلة للسينما المصرية و للعالم العربي...فكانت زيجته الثانية غير مستقرة اطلاقا. فتزوج ليلى مراد عن حب و هو في اوج عطاءه و نجوميته. و بقيت على دينها الاصلي لفترة بعد زواجه المشهور منها. و كان يملك شركته الخاصة الاستثمارية في قطاع السينما. فاحتكر تعاملها معه و منعها من التعامل مع اية شركات آخرى...فتقول الرواية عنهما بانه اذا ذهبت للتصوير مع شركة آخرى كان يفتعل معها شجار عنيف قبل التصوير لكي يؤثر سلبا على نفسيتها و لكي لا تنجح باداء دورها خلف الكاميرا. كانت حياتهما جحيم لم يرى السعادة كليا فكان لا يدفع لها اجرتها عن الافلام التي كانت تقدمه مع شركته. وكان يكتفي بدفع الضرائب عنها...فمن الواضح انه كان يحاول قصقصت جناحيها لكي لا تحلق بعيدا عنه و تذهب مع شركة آخرى. لم تحتمل ليلى مراد هذه المعاملة فحدث شجار بينهما ضربها على اثره...و توالت المشاكل لتذهب اخيرا مع المنتج احمد سالم في فيلم الماضي المجهول عام 1946...
غضب انور وجدي من زوجته و كسر اثاث المنزل و خرج من البيت غاضبا من عقدها الجديد...و تفاقمت هذه المشاكل بالطلاق الاول حيث كان عدم وجود الكمون في البيت هو السبب، و فشلت محاولات الاصلاح بينهما من قبل شقيقي لىلى. و تفاقمت الازمات بينهما بعد ان اطلق انور وجدي اشاعة تبرع ليلى مراد بالمال لاسرائيل بما انها يهودية المنشا بالرغم من اسلامها بعد فترة من زواجها به...و دمرت هذه الاشاعة فيلمها سيدة القطار عام 1952 حيث وضعتها الدولة السوريا على القائمة السوداء و منع فيلما من الاردن. و ضعتها اقاويل الصحف بضغوطات كبيرة حيث لاقت هذه الاشاعت رواجا كبيرا في الصحف المصرية...فشهد عام 1953 طلاقهما بعد ان تكرر مرتين في السالف..و لكن قبل هذا التاريخ الفيصلي بحياة هذا الثنائي الشهير و في عام 1950 عزم انور وجدي على تهيئة فيروز (بيروز آرتين كالفيان) الطفلة لتكون نجمة في القاهرة...فحدث هذا في خضم خلافاته مع زوجته ليلى مراد فرآى في فيروز نجمة مستقبلية تستطيع ان تغطي على نجومية ليلى مراد...فكان عازما على تدمير ليلى كليا...لقبت فيروز بشيرلي تمبل العرب و جلب لها مدرب الرقص ايزاك ديكسون ليقوم بتمرينها على حركات الرقص كما ادخلها معهد للباليه...و قدم معها ثلاثة افلام هم ياسمين عام 1950 و فيروز هانم عام 1951 و دهب عام 1953 مقابل عقود نصت ان تتقاضى الف جنيه مصري على الفيلم الواحد...و نجحت هذه الافلام بسبب بصيرة انور وجدي المهنية و ادراكه بان الجمهور يهوى في تلك الايام الافلام الغنائية و الراقصة...فهيئ فيروز لتكون نجمة مصرية رفيعة المستوى بالاستعراض و الغناء...و نجح الى حد معين بمضايقة نجومية ليلى مراد الذي كان شريكا في اعلاء نجوميتها في مصر في يوم من الايام...
ندم انور وجدي على ما اقترفه بعض الشيئ قبل وفاته من ليلى مراد...فارسل للصحف التي استفزها لتغرز انيابها بها كتابا يفيد بان ليلى انسانة مسلمة مصرية وطنية ليس لها اية ميول سياسية و الخلاف بينهما لا يتعدا اي خلاف قد ينشا بين اي زوجين او اية اسرة، و كانت بالمقابل علاقته مع الطفلة فيروز ناجحة جدا لدرجة بان رووا شهود عيان بأن كان انور خائف من نسب اقبال الجمهور على اول فيلم لها...فما كان به الا و ان فتح ابواب صالة السينما بالمجان للجمهور و الاطفال الذين سيقبلون على مشاهدة اول عرض له، و قد نجح نجاحا ساحقا في مصر حيث كان الاقبال كبيرا جدا. علقت فيروز بتصريح بالاعلام في وقت لاحق على تجربة احتكارها كنجمة من قبل انور وجدي كمنتج بصورة ايجابية حيث قالت : من الظلم أن أقول بأن أنور وجدي قد تناسى حقوقي المادية، لسبب بسيط جدا، وهو أنه قد يكون الفنان الوحيد الذي غامر بفلوسه، لكي يسند بطولة فيلم بكامله إلى طفلة صغيرة، ربما لا تحقق النجاح وتفشل فشلا ذريعا"...
(نهاية التصريح)
حينما ندخل السينما و نشاهد افلام هاؤلاء النجوم الكبيرة لا نرى منهم سوى الدراما على شاشة السينما العملاقة...و لا نرى الا بهاء نجوميتهم في الصحف و المجلات الفنية...و لكن احيانا قد تخفي اضواء النجومية قصص محزنة نصدم بها عنهم. فالحياة ليست دائما انيقة و قد تخفي الضحكات و الابتسامات الألم و الشقاء و المرار...هنالك محطات فرحة في حياة تلك النجوم و لكن لا بد لمشوارهم الفني ان يتوقف مع محطات تحمل لهم التعاسة و الألم...قد نرى نجومنا من الخارج بابهى صور و لكنهم بالنهاية هم بشر كافحوا للوصول الى المجد كل بطريقته الخاصة...و قدموا لنا اعمالهم وسط ضغوطات فنية كثيرة و معاناة الحياة...ابتداوا من الصفر مع السينما منذ بداياتها و انشهروا بعرق كفاحهم و جاهدوا كثيرا...و اصابوا احيانا بما اختاروه اثناء نجوميتهم و اخطاوا في بعض الاحيان...و لكن بقية اعمالهم و حياتهم سير مكتوبة بصفحات المجد و تاريخ حملهم لنا بآلامهم و افراحهم و بدموع اوجاعهم...و لكي نستفيد من تجاربهم و نغالي بها...فهاؤلاء كانوا جزاءا من زمن الفن الجميل...من سينما جذبتهم و شكلت آلياتها و عقليتهم المهنية و اختياراتهم...جمعت العديد بصداقات مهنية و قصص كفاح و كانت السبب بزيحات ذهبية ضجت بها صحف الماضي... انهم نجوم لن ننساهم مضى الحياة.
الأزمات السياسية في مصر اثرت بصورة سلبية على حركة الإنتاج الفني عموما، فهجرة المستثمرين الى الخارج و إغلاق المصالح و سياسة التأني في الإستثمار بسبب الظروف السالفة أثرت كثيرا على إنتاج الافلام من جهة، فاتجه المنتجون الفاعلون الى المسلسلات أكثر من الافلام لأن هذه المواد مرغوبة أكثر بسبب طول حلقات العرض مقارنة مع مادة الفيلم الروائي الطويلة الذي قد تمتد من الساعة الى الساعتين، لذلك إنتاج المسلسلات بات مرغوب أكثر من الافلام بالرغم من اهمية الأفلام الروائية الطويلة السينمائية التي لا غنى عنها، و من جهة ثانية سرقات نسخ الأفلام التي تُعْرَضْ حديثا في دور العرض عن طريق الهواتف النقالة التي تتمتع بكاميرات متطورة و برامج تسجيل مرئي و مسوع متطورة و طرق تسريب نسخ الافلام الروائية الطويلة التي تعرض بدور العرض و عرضها على اليوتيوب تسبب الخسارة الكبيرة للمنتيجين و المستمثرين في قطاع السينما و الافلام...فبغياب طرق رادعة لهذه السرقات في مصر من قوانين و طرق لضبط السرقات عَزَفَ الكثير من المنتيجين عن الإنتاج السينمائي مما تسبب بإنخفاض عددها السنوي، و ربما تكون هنالك أسباب آخرى...و لكن أشعر بأن هذه أهمها فيجب أن يكون هنالك مناخ ايجابي يتوفر يشجع المستثمرين للإتجاه من جديد الى صناعة الافلام السينمئاية لأنها تبقى الأساس في صناعة الدراما و استمرارية وجودها، فإنتاج الفيلم الروائي الطويل هو في جوهره حرفة سرد رواية خلال فترة زمنية محددة...لها بداية و حبكة و نهاية...لذلك يستطيع المشاهد الإستمتاع بها بفترة زمنية منطقية في دور العرض...بعكس المسلسلات الدرامية التي تمتد عبر 30 حلقة طويلة و التي تعتمد على بث حلقة واحدة عبر 30 يوما بحسب البروتوكول التجاري المتعارف عليه فالفضائيات تنظر لها بأنها حل مناسب لتوفير مواد يومية للمشاهدين...كمفهوم ملء ساعات البث بالمواد فقط، و لكن مما لا شك به ان هنالك متعة راقية في دخول دار للعرض مع حشد من المتفرجين...تقليد راقي لهذه الصناعة نتوارثه من جيل الى جيل لا تبلى نكهته من حياتنا...تقليد قد يجمع الاصدقاء و الأهل برحلة اجتماعية رائعة جدا...فالجلوس معهم بنفس الصالة برفقة حشد جماهيري كبير...و هتافات باعة المرطبات و الحلويات و الشطائر و البوشار (الفوشار) و هم يسيرون هنا و هناك بين الناس...و بعض بضعة لحظات من الإنتظار تنطفئ الأضواء...و يبدأ عرض الفيلم على شاشة عرض عملاقة وسط ظلام تسطع به فقط ألوان الفيلم و انارته...تقيلد عمره ثمانية عقود نفيسة في بلادنا و بلاد العالم...لا يجب ان نفقده من مجتمعاتنا إطلاقا،
ارتبط الترفيه في ايام اجدادنا بأمور كثيرة كان من جملتها الذهاب الى السينما، فهي فرصة لنرى نجومنا المفضلين يتألقون امام الكاميرات و يقدمون لنا ساعة او ساعتين من الترفيه و التسلية، فهذه المهنة كانت انطلاقة لأروع النجوم التي عرفتها القاهرة على الإطلاق و المنطقة العربية، و هم كثرٌ على مر تاريخها العريق، فنجوم زمن الفن الجميل لا يغيبون عن ذاكرتنا إطلاقا بأداءهم الرائع في أفلامهم و اغانيهم الخالدة التي عاشت معنا طوال العقود السالفة من جمال ألحانها و روعة كلماتها...و لن يغيبوا هاؤلاء النجوم الكبار عن ذاكرة التاريخ الدرامي إطلاقا ايضا فهم لبنة اساسية أوصلت صناعة الدراما و السينما الى ما هي عليه اليوم، فهم من اسسوها و أبدعوا بالإخراج وكتابة السيناريوهات لأن البدايات تمت بإيديهم المجردة...حيث كانت البدايات الصامتة للفيلم ثم دمج المرئي و المسموع في نفس وقت العرض في العقد الثالث من القرن الماضي...ثم ازدهرت هذه الصناعة علي يدي شخصيات لامعة و على سبيل المثال لا الحصر مثل طلعت حرب (مع حفظ الألقاب) الذي اسس ستوديو مصر عام 1935 و الذي كان أحد أكبر الإقتصاديين حينها الذين ساهموا بتطوير صناعة الافلام، فأنتج الأعمال لنجوم كبيرة مثل ام كلثوم و عبدالوهاب، و يوسف وهبي الذي كان رائدا في المجالين معا المسرح و السينما حيث قدم لنا سلسلة من الأعمال الناجحة منها كرسي الإعتراف و أولاد الفقراء (مسرح)، و في السينما كتب سيناريوهات أفلامه ليتألق في الكتابة و التمثيل و مجال الإستثمار ايضا حيث اسس شركته الخاصة اثناء حياته العملية، و يروي لنا التاريخ بأن يوسف وهبي كان السبب المباشر لدخول أنور وجدي السينما، فكان حب السينما يشتعل في قلب انور كثيرا لدرجة بأنه كان يتردد كثيرا على مسرح رمسيس الذي كان يعمل به يوسف و فرقته ليحاول مقابلته او مقابلة اي من الفنانين ليوافقوا على ضمه الى فرقتهم، حتى بمهنة متواضعة كتقديم الشاي او القهوة او خلافها من المهن التي قد تقدمه لاحقا أو تضفي على مستقبله بصيص الأمل لأتمام طموحه، و بعد عدة محاولات رضخ يوسف لطلب انور، و عمل معه كمنسق للفرقة و كسكرتير، و رويدا رويدا ابتسمت الحياة لأنور حيث تقاضى على عمله اجرا بسيط مكنه من استئجار غرفة فوق سطح بناية مع زميل كفاحه عبدالسلام النابلسي...و استطاع كتابة بعض المسرحيات ذات الفصل الواحد لفرقة بديعة مصابني مقابل 2 و 3 جنيهات للمسرحية...و عمل في الاذاعة كمخرج و مؤلف لتبتسم له الحياة بعدها كثيرا...فكانت هذه اولى الخطوات التي فتحت له افاق واسعة في السينما في مصر...و بعد قرار يوسف وهبي الاستعانة ببعض تلامذته في افلامه وقف انور وجدي بادوار ثانوية امام كاميرة السينما في افلام مثل اولاد الذوات و الدفاع، فقرر بعدها ترك السينما ليرشحه يوسف وهبي ليشارك بفيلم اجنحة الصحراء ليثبت موجوديتها كممثل سينمائي...فتوالت نجاحاته في السينما ليقدم اربعة افلام في عام 1939 دفعة واحدة و ليدخل عالم نجوم السينما من اوسع الابواب، و لعل ما ميز علاقة انور وجدي و يوسف وهبي خلال فترة نجومية انور و عطاءه المنقطع النظير للسينما المصرية هو متانتها...فيروي من عاصر هاؤلاء الكبار بأنه في يوم من الايام و يوسف وهبي على سرير المرض زاره انور. و كان في عز نجوميته الكبيرة...فقال له يوسف وهبي كم كانت زيارته مقدرة عنده..فعز عليه حاله بانه و هو يصارع المرض لم يزوره احد من زملائه في الوسط الفني...و لعل بقية علاقتهما متينة الى ان فارق انور الحياة...، حيث تتفق الروايات المتداولة بأن انور عانا من مرض عضال. و لكن هنالك خلاف حول نوع المرض الذي عانا منه و البلاد الذي سافر اليها ليتعالج. فهنالك من يقول بانه اصيب بالسرطان و سافر الى الدنمارك لتلقي العلاج...و لكن لم تطل ايامه. فعاد الى مصر متوفيا من هناك ليستلمه المقربين و يدفن و هو في الواحد و الخمسين عام...و هنالك مراجع آخرى تقول بانه اصيب بمرض آخر وراثي المنشأ اسمه مرض الكلية متعددة الكيسات، و سافر الى فرنسا لتلقي العلاج بطلب من الاطباء في مصر، و لكن المحاولات لم تفلح ليتوجه الى السويد حيث سمع بان هنالك طبيب قد اخترع علاج لمرضه المؤلم. و لكن كانت قد ساءت حالته فلم تنجح العملية التي اجريت له...و حيث كانت هذه آخر رحلاته ليعود الى موطنه و يوارى الثرى في مصر و زوجته الثالثة ليلى فوزي على ذمته...بعد عطاء اسطوري للسينما و نجومية لم ترى السينما المصرية مثيلا لها اطلاقا...
موهبة قدمت موهبة آخرى و هكذا كانت الامور مع سلسلة العمالقة سالفة الذكر في مقالتي هذه...فيوسف وهبي قدم انور وجدي للسينما...و انور وجدي قدم فيروز الطفلة للسينما المصرية و للعالم العربي...فكانت زيجته الثانية غير مستقرة اطلاقا. فتزوج ليلى مراد عن حب و هو في اوج عطاءه و نجوميته. و بقيت على دينها الاصلي لفترة بعد زواجه المشهور منها. و كان يملك شركته الخاصة الاستثمارية في قطاع السينما. فاحتكر تعاملها معه و منعها من التعامل مع اية شركات آخرى...فتقول الرواية عنهما بانه اذا ذهبت للتصوير مع شركة آخرى كان يفتعل معها شجار عنيف قبل التصوير لكي يؤثر سلبا على نفسيتها و لكي لا تنجح باداء دورها خلف الكاميرا. كانت حياتهما جحيم لم يرى السعادة كليا فكان لا يدفع لها اجرتها عن الافلام التي كانت تقدمه مع شركته. وكان يكتفي بدفع الضرائب عنها...فمن الواضح انه كان يحاول قصقصت جناحيها لكي لا تحلق بعيدا عنه و تذهب مع شركة آخرى. لم تحتمل ليلى مراد هذه المعاملة فحدث شجار بينهما ضربها على اثره...و توالت المشاكل لتذهب اخيرا مع المنتج احمد سالم في فيلم الماضي المجهول عام 1946...
غضب انور وجدي من زوجته و كسر اثاث المنزل و خرج من البيت غاضبا من عقدها الجديد...و تفاقمت هذه المشاكل بالطلاق الاول حيث كان عدم وجود الكمون في البيت هو السبب، و فشلت محاولات الاصلاح بينهما من قبل شقيقي لىلى. و تفاقمت الازمات بينهما بعد ان اطلق انور وجدي اشاعة تبرع ليلى مراد بالمال لاسرائيل بما انها يهودية المنشا بالرغم من اسلامها بعد فترة من زواجها به...و دمرت هذه الاشاعة فيلمها سيدة القطار عام 1952 حيث وضعتها الدولة السوريا على القائمة السوداء و منع فيلما من الاردن. و ضعتها اقاويل الصحف بضغوطات كبيرة حيث لاقت هذه الاشاعت رواجا كبيرا في الصحف المصرية...فشهد عام 1953 طلاقهما بعد ان تكرر مرتين في السالف..و لكن قبل هذا التاريخ الفيصلي بحياة هذا الثنائي الشهير و في عام 1950 عزم انور وجدي على تهيئة فيروز (بيروز آرتين كالفيان) الطفلة لتكون نجمة في القاهرة...فحدث هذا في خضم خلافاته مع زوجته ليلى مراد فرآى في فيروز نجمة مستقبلية تستطيع ان تغطي على نجومية ليلى مراد...فكان عازما على تدمير ليلى كليا...لقبت فيروز بشيرلي تمبل العرب و جلب لها مدرب الرقص ايزاك ديكسون ليقوم بتمرينها على حركات الرقص كما ادخلها معهد للباليه...و قدم معها ثلاثة افلام هم ياسمين عام 1950 و فيروز هانم عام 1951 و دهب عام 1953 مقابل عقود نصت ان تتقاضى الف جنيه مصري على الفيلم الواحد...و نجحت هذه الافلام بسبب بصيرة انور وجدي المهنية و ادراكه بان الجمهور يهوى في تلك الايام الافلام الغنائية و الراقصة...فهيئ فيروز لتكون نجمة مصرية رفيعة المستوى بالاستعراض و الغناء...و نجح الى حد معين بمضايقة نجومية ليلى مراد الذي كان شريكا في اعلاء نجوميتها في مصر في يوم من الايام...
ندم انور وجدي على ما اقترفه بعض الشيئ قبل وفاته من ليلى مراد...فارسل للصحف التي استفزها لتغرز انيابها بها كتابا يفيد بان ليلى انسانة مسلمة مصرية وطنية ليس لها اية ميول سياسية و الخلاف بينهما لا يتعدا اي خلاف قد ينشا بين اي زوجين او اية اسرة، و كانت بالمقابل علاقته مع الطفلة فيروز ناجحة جدا لدرجة بان رووا شهود عيان بأن كان انور خائف من نسب اقبال الجمهور على اول فيلم لها...فما كان به الا و ان فتح ابواب صالة السينما بالمجان للجمهور و الاطفال الذين سيقبلون على مشاهدة اول عرض له، و قد نجح نجاحا ساحقا في مصر حيث كان الاقبال كبيرا جدا. علقت فيروز بتصريح بالاعلام في وقت لاحق على تجربة احتكارها كنجمة من قبل انور وجدي كمنتج بصورة ايجابية حيث قالت : من الظلم أن أقول بأن أنور وجدي قد تناسى حقوقي المادية، لسبب بسيط جدا، وهو أنه قد يكون الفنان الوحيد الذي غامر بفلوسه، لكي يسند بطولة فيلم بكامله إلى طفلة صغيرة، ربما لا تحقق النجاح وتفشل فشلا ذريعا"...
(نهاية التصريح)
حينما ندخل السينما و نشاهد افلام هاؤلاء النجوم الكبيرة لا نرى منهم سوى الدراما على شاشة السينما العملاقة...و لا نرى الا بهاء نجوميتهم في الصحف و المجلات الفنية...و لكن احيانا قد تخفي اضواء النجومية قصص محزنة نصدم بها عنهم. فالحياة ليست دائما انيقة و قد تخفي الضحكات و الابتسامات الألم و الشقاء و المرار...هنالك محطات فرحة في حياة تلك النجوم و لكن لا بد لمشوارهم الفني ان يتوقف مع محطات تحمل لهم التعاسة و الألم...قد نرى نجومنا من الخارج بابهى صور و لكنهم بالنهاية هم بشر كافحوا للوصول الى المجد كل بطريقته الخاصة...و قدموا لنا اعمالهم وسط ضغوطات فنية كثيرة و معاناة الحياة...ابتداوا من الصفر مع السينما منذ بداياتها و انشهروا بعرق كفاحهم و جاهدوا كثيرا...و اصابوا احيانا بما اختاروه اثناء نجوميتهم و اخطاوا في بعض الاحيان...و لكن بقية اعمالهم و حياتهم سير مكتوبة بصفحات المجد و تاريخ حملهم لنا بآلامهم و افراحهم و بدموع اوجاعهم...و لكي نستفيد من تجاربهم و نغالي بها...فهاؤلاء كانوا جزاءا من زمن الفن الجميل...من سينما جذبتهم و شكلت آلياتها و عقليتهم المهنية و اختياراتهم...جمعت العديد بصداقات مهنية و قصص كفاح و كانت السبب بزيحات ذهبية ضجت بها صحف الماضي... انهم نجوم لن ننساهم مضى الحياة.
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |