الضرورة الحتمية الغاية و البرنامج


فهم الفكرة يعني سهولة التطبيق، و سهولة التطبيق تأتي من توفر برنامج يستطيع أن يحاكي الواقع اعتماداً على التقييم العميق للمجتمع و تأثير المحيط عليه ثقافياً و سياسياً واجتماعياً.
الصراع الطبقي تلاشى في فهم معنى النزاع على السلطة أو السيادة لطبقة دون أخرى، و التلاشي جاء في تطور القطاع الصناعي المسيطر على الطبقة الزراعية التي صارت جزء من الطبقة الصناعية، و حديثاً صار هناك رأس المال و الذي يتشكل من المالك و كبار الموظفين وصغار الكسبه ، ويشكل رأس المال بأركانه الثلاث طبقة تتصارع مع طبقات تشبهها للسيطرة على الأسواق الاستهلاكية بما يخدم زيادة الثروة و التي ينتج عنها حزمة من الأضرار و حزمة من الفوائد ومن فوائدها تطور المنتج بما يلائم حاجة المستهلك بل يتفوق على الحاجة في كثير من الأحيان مما يعني تطور الجانب العلمي و البحثي ، و من أهم سلبيات حزمة المضار تحويل الصراع من سيادة وطنية إلى صراع شركات تستخدم السيادة الوطنية لخدمتها و هو النقيض فهماً وسلوكاً لمعنى قيام الأوطان .
وسيادة رأس المال في تحديد مواقع النفوذ و السيطرة للدول يعني أكيداً سقوط نظرية نشوء الأمم وقيام الدول.
ففي عصر العولمة التي جاءت نتاج سيادة رأسي المال تم تحديد شروط استهلاكية و وظيفية لبناء أمم جديدة ذات ميول تطور تقني استهلاكي ، مما تسبب بتعطيل شروط الحفاظ على خصوصية أمة ما أو مجتمع محدد ، فصار لزاماً اعتبار الشمولية دينياً أو قومياً شكلاً من أشكال الانغلاق العلمي و وجهاً من وجوه العنصرية العرقية.
كما أن نظرية علم الاجتماع في قيام الدولة و التي اعتمدت على نظرية العالم "أبن خلدون" أن للدول ثلاثة أجيال الأول صاحب البأس و المبادئ و العزم و الثاني صاحب النهضة و الرخاء و الثالث المصاب بداء الترف المدافع عن العرش لا الوطن ، لا بد أن تخضع لإعادة المراجعة و التدقيق لأن رأس المال يحافظ على قيام دول بتعاقب حكام الجيل الثالث بل يعجل لوصول الجيل الثالث حفاظاً على استمرارية سيطرته وزيادة رقعة نفوذه.
رأس المال بواجهة شركاته العابرة للقارات أعاد إنتاج الدول كما أنتج شروط جديدة لبناء أمم و أن كانت الأمم وهمية الحدود وتشترك بخصوصيات تقنية متطورة وتتجاوز الشروط الأساسية لنشوء ثقافة بناء الأمم، وبتدخل رأس المال بإعادة إنتاج الدول تمت إعادة التاريخ بما يتناسب مع مراحل الصراع المتقدمة وبالمثال العام وليس الخاص استخدم رأس المال الماكينة الإعلامية و الثقافية بإنتاج و تطوير و صناعة تاريخ لليهود يتناسب لقيام دولة علمانية المظهر تتحول بقرار إلى دينية بإعلان يهوديتها ، وتم أيضاً تدويل صراع رفض الكيان اليهودي وعدم حصره بقومية محددة وهي المتضررة فبدل أن يكون الصراع عربي - يهودي صار الصراع إسلامي- يهودي ، فاخذ الصبغة الدينية المغلقة مما شتت الجهد وسمح بظهور دولة يهودية دينية ذات شرعية في ظل الصراع الديني ، وتم هذا الإنتاج بتزوير للتاريخ ابتداءً من الترويج أن السلطان عبد الحميد هو من منع اليهود من الاستيطان في فلسطين مع الأدلة التاريخية و الوثائق السياسية و القانونية التي تم إدراجها في كتاب الباحثة و المؤرخة "فدوى نصيرات" تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن السلطان عبد الحميد من سهل تجمع اليهود في فلسطين تمهيداً لإعلان دولتهم.
و في ذات السياق العام "تدويل الصراع –دينياً-" سمح بإنشاء كيانات سياسية دينية ذات صبغة مذهبية داخل الفكرة الدينية الجامعة و المتحدة في رفض الوجود اليهودي و تم تغذيتها بكل ما تحتاجه من ثقافة وتاريخ مزور.
وهنا استفاد ملوك الكيان الفارسي أصاحب المشروع التوسعي المبني اعتقاداً على عقيدة التفوق العرقي من المخطط العام لبناء كيانهم بذات الصبغة، فتم تسهيل النشوء و البناء خدمةً للمشروع العام.
للتاريخ قواعد في البحث و القراءة ، و افتقدنا التميز بكتابة التاريخ وحفظ مجرياته، ففرض علينا ما شاء المسيطر الفارض لسيادته ، فهمشت الهوية الوطنية على حساب انتشار تقاليد العرض و الطلب ضمن دوائر تنافس رأس المال.
وتدور دورة الزمان والى ذات المربع نعود دون أن نقدم للقضايا الوطنية أي تقدم، بل نعود لنكون كما أراد المسيطر أن نكون مستهدفين لمشروعه منفذين لرغبته.
واليوم إذا لم نحسن شروط فهمنا للواقع ونعيد صياغة برنامجنا لن نستطيع أن نواكب عجلة الحياة التي فرض عليها شروط السرعة في الدوران بما يتناسب مع حجم المصالح للشركات الرأسمالية المسيطرة.
من أهم شروط النهضة فهم أن لا مكان للفكر الشمولي، و أن الليبرالية الوطنية المتسلحة بالنهج المقاوم هي الحل، و أن بعث الروح الوطنية داخل الكيان القطري هي المدخل لبناء التضامن العربي، و أن القضية المركزية أمر نسبي تحدده مقتضيات الفعل الوطني بناءً على أولويات الصراع ، و أن الصراع اليوم بالأولوية الأولى هي تفتيت المشروع الفارسي و كنس المحتل عن عموم الأرض العربية و في هذا الإقرار بالقضية الأحوازية كقضية مركزية عامة.
مما لاشك فيه أن للمعرفة سلطتين السلطة التراثية الثقافية المتوارثة وسلطة الغرب المعرفية ، وبينهما وجب تحديد الموقف بين الحفاظ على الإرث الحضاري و الوطني و التماشي استيعاباً و تغذيةً من السلطة المعرفية المتطورة بما يضمن فهم المشروع الدولي الذي يقوده رأس المال.
وفي انهيار المشروع الفارسي فرصةً تاريخية للكيان الوطني العربي للنهوض، ومما لا شك فيه أن الأمم الأكثر وحشية هي أقدر على التوسع و الانتشار لكن توسعها مرتبط دائماً بالفشل و الانهيار السريع، و الكيان الفارسي"أمة" عنصرية وحشية تسارعت في الانتشار ، واليوم فهماً لحركة التاريخ و استيعاباً للمنطق فان الانهيار وشيك.
أن كان الانهيار بفعل قرار رأس المال و تنفيذ القوة العسكرية للدول فان الاستفادة من هذا الانهيار و المساهمة فيه كوحدة مؤثرة سيسمح باتخاذ قرار ما بعد المشروع الفارسي، وبعكس ذلك سنبقى جزء من الأدوات.
الفرصة التاريخية لن تتكرر، ولا يمكن أن تتكرر، وفي زمن حكم رأس المال فان كل شيء يخضع للعرض و الطلب و الأقوى طرحاً و تنفيذاً سيتمكن من فرض شروط مشاركته وبقائه.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات