احذروا انهيار الطبقة الوسطى


«أصبحنا نعالج الدولة على نفقة المواطن» - جلال عامر، صحفي مصري
لا أعتقد أن الشعب الأردني شعر يوما بالتشاؤم مثلما يشعر به هذه الأيام. فأرقام الدراسة الأخيرة لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تقول أن 68 % من العينة يرون أن الأمور تسير باتجاه خاطىء، وأن 74% يرون أن الأوضاع الاقتصادية أسوأ مما كانت عليه، و 50 % يؤمنون بأن مستقبلهم الاقتصادي سيكون أسوأ.
نتابع هذه الأيام الوقفات الاحتجاجية العديدة التي تمثلها قطاعات ومناطق مختلفة والتي تصل أحيانا إلى إضرابات أو التلويح بها، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات الساخطة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجتمعنا.
يقول صموئيل هانتنغتون عالم السياسة الشهير وصاحب كتاب صراع الحضارات، أحد أهم أدبيات السياسة الغربية، يقول إن أخطر طبقة في أي مجتمع هي الطبقة الوسطى، فإذا ما تعرضت لأخطار فستتحرك وقد يؤدي تحركها إلى خلخلة المجتمع بأكمله، ولا ينطبق هذا على الطبقات الغنية أو الفقيرة أو المهمشة.
ستتحرك هذه الطبقة عندما تتراجع مواردها المالية وتبدأ بالسقوط في براثن الفقر، وكذلك عندما تشعر بأنها تهمّش وأن النخب الحاكمة أدارت ظهرها لها، أو أن دخلاء يتسللون لاحتلال موقعها.
لو رجعنا قليلا للوراء سنتذكر أن برامج التصحيح الاقتصادية ووصفات البنك الدولي وسياسات صندوق النقد تُسوّق دوما على أنها مفيدة للاقتصاد، ويبرهن على ذلك المقاييس المعتمدة للنمو الاقتصادي، ولكن من المؤكد أنها قد أثرت سلبا في الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وأدت إلى تراجع القوة الشرائية لغالبية المجتمع، ثم تأتي العولمة لتزيد الطين بلة بتسخير الموارد للأغنياء على حساب الطبقات الأخرى.
وإذا نظرنا للأسباب السياسية التي تساهم في سخط الطبقة الوسطى لوجدنا ضعفا في أداء الحكومات وتراجعا للخدمات ومهاترات سياسية وحالات استقطاب بين السياسيين وانحراف مجالس النواب عن دورها الرقابي والتشريعي، وقوانين انتخاب أودت بنا إلى ديمقراطية « الفيتوقراطية»، أي فرض إرادة الأقلية على الأغلبية.
ثم لننظر إلى مسألة أخرى مهمة أثارها كتاب الفيلسوف الكندي (آلان دونو) بعنوان نظام التفاهة، وقدمه جان عزيز في مقالته سيطرة التافهين، حيث يتحدث الكتاب عن ظاهرة سيطرة التافهين على القرار السياسي في العالم، ويقول الكاتب عن هذه الظاهرة أنها بدأت إبان حكم تاتشر عندما تسلم التكنوقراط الحكم، فقامت بتغيير مفاهيم عديدة، فالسياسة تحولت إلى حكومة والإرادة الشعبية إلى القبول المجتمعي والمواطن أصبح شريكا والمجتمع الذي هو منظومة قيم ومبادئ تحول إلى شأن عام، وتحولت الدولة إلى شركة خاصة، وأصبح الساسة يمثلون مصالح ضيقة.
ففرغ كل شيء من محتواه.
فلا عجب أن تقود الطبقة الوسطى وقفات الاحتجاح واضرابات بعض القطاعات وتبدي سخطها على حكومات بلادها ومؤسساتها وساستها، وتعزي خسائرها للسياسات الاقتصادية الفاشلة لحكوماتها المتعاقبة وإلى المهاجرين واللاجئين، وتبدي تساؤلات عن الهوية والدين والعادات والتقاليد يصاحب ذلك سخط متزايد على الأغنياء، وتهكم على القرارات الحكومية.
باختصار شديد وبجملة واحدة، ارحموا الطبقة الوسطى وامنعوا خروجها من قمقمها، وأعتقد بأن على الدولة الأردنية الوقوف مليا على دراسة المركز.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات