الخَيْمَة الذكية وخَيْمَة عام 1948 المأساوية


لكلمة (خَيْمَة) دلالات ومعان واغراض عديدة, مثل هذه الدلالات والمعان والاغراض تختلف من مكان الى مكان, ومن زمان الى زمان, وربما من شخص الى آخر, فمثلا خَيْمَة انسان لاجئ تختلف تماما عن خيمة انسان متنزه حتى لو كانت الخَيْمَة من نفس المكونات, وجوهر خَيْمَة نكبة عام 1948م المأساوية, يختلف تماما عن جوهر خَيْمَة عام 2018م الذكية, لكن في النهاية يبقى المزاج العام والحالة النفسية لمن يقيم في مثل هذه الخيام سواء كانت خيام مأساوية ام خيام ذكية هو الذي يعطي للخيمة جمالها ورونقها او بؤسها وحزنها,..وهنا سأحاول عمل مقاربة بين خَيْمَة لاجئ وخَيْمَة متنزه, لعلنا نُخرج الخيمة من اطارها المكاني الى اطارها الانساني الابداعي.

ذات يوم وصف لي (محمود...) خَيْمَة نكبة عام 1948م المأساوية التي عاش فيها قائلا: هي خَيْمَة وليست بخَيْمَة, اعمدتها مقوّسة, وحبالها قصيرة مهترئة, شادرها بنّي اللون كالح فيه ثقوب وفتحات يدخل من خلالها ما هب ودب من الحشرات والزواحف, ليس لها باب(كباب الحارة), تلعب بها الرياح كسفينة ضالة, خُتم عليها شعار هيئة الامم المتحدة المعروف, كان فيها بضع من البطانيات وبضع من الفرشات الرقيقة ممزقة الوجوه وقليل من المخّدات مطّرز عليها طاؤوس بذيل طويل خوفا من الحسد والعين! كانت ارضيتها من التراب الاحمر المليء بالنمل العربي والنمل الانجليزي, وكان في احدى زواياها قنديل الكاز الذي تراكم على بلورته السّنج الاسود(الشحبار), وبجانبه بابور كاز بلا ارجل وقليل من صحون الالمنيوم, كان(محمود...) حارسا للخيمة ليلا لعدم وجود متسع له للمبيت فيها, كان يُزيّن اثاث الخَيْمَة ابريق الشاي وعقال ابو محمود وجرة الماء, وانهى حديثه قائلا: ..انها بحق خَيْمَة مأساوية.

في المقابل كنت قد قرأتُ من فترة بسيطة باستغراب بالغ عن خَيْمَة عام 2018م الذكية, ..هي خَيْمَة لها نوافذ من المنخل من انتاج الصين, فيها كافة المواد والادوات والاجهزة المنزلية, سهلة الحمل والتنقل, مصنوعة من اجود القماش ضد المطر واشعة الشمس, تُغلق بطريقة مُحكمة لا يمكن لأي حشرة مهما كان صغر حجمها الدخول اليها, خَيْمَة عام 2018م الذكية أشبه بمنزل متحرك من خلال العجلات المثبتة أسفلها، وفي نفس الوقت قابلة للطي والحمل بسهولة، ملحق بها مقبض خاص يساعد في تثبيتها خلف الدراجة لتتنقل معك بسهولة دون أن يكون عليك اية جهد او عبء, هي خَيْمَة تحتوي على كافة التقنيات الحديثة وتستغلُ الطاقة الشمسية لتوفير الكهرباء اللازمة لتشغيل الأجهزة العاملة فيها ولإضاءتها في الليل, حيث تحتوي على عدد من الألواح الشمسية المثبتة على سطحها الخارجي، بالإضافة إلى مجموعة من البطاريات القادرة على تخزين الطاقة الكهربائية لاستغلالها في الليل, تُنصب في الأماكن النائية والبعيدة عن الخدمات العامة وشبكات الكهرباء, تم تزويدها بأحدث التقنيات الحديثة، كنظام تحديد المواقع GPS وشبكة الإنترنت ومصابيح الإضاءة الموفرة للطاقة، وأجهزة الاتصالات اللاسلكية، كما أنها تتضمن تقنية التواصل مع أصحابها ليلا، بحيث أنها ترسل إشارات ضوئية ولاسلكية لتدل سكانها على مكانها في الظلام الدامس ليلا.

بقي ان نقول: قال محمود..., كنا نستمعُ كمشردين ومن خَيْمَة نكبة عام 1948م المأساوية, وعلى تراب امل العودة ومن راديو فيليبس القديم ذو الحجم الكبير كنا نستمعُ لبرنامج (رسائل شوق) لكوثر النشاشيبي, واغنية فيروز (وسلامي لكم يا أهل الارض المحتلة), في حين ان المتنزهين بخَيْمَة عام 2018م الذكية وعلى شواطئ اجمل غروب يستمعوا لبرنامج (عُلا على هلا ) على راديو هلا مع عُلا الفارس, واغنية (سبتِ فراغ كبير) لعمرو ذياب,..انا بكل صراحة اعجبني من خَيْمَة نكبة عام 1948م المأساوية قنديل الكاز الذي تراكم على بلورته السّنج الاسود(الشحبار) ليستدل ابو محمود ليلا على خيمته, ومن خَيْمَة عام 2018م الذكية اعجبني الاشارات الضوئية اللاسلكية التي ترسلها الخَيْمَة لتدل سكانها على مكانها في الظلام الدامس ليلا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات