خلط الأوراق !


دخلنا عام 2018 ، وأحوال المنطقة لا تبشر بخير ، فما زالت الأوراق تختلط ، وتختلط معها التحالفات والنزاعات على حد سواء ، في منطقة الشرق الأوسط الكبير ، وما من دولة واحدة خارج لعبة الأوراق هذه ، وهي لعبة تعتمد على الأرقام أيضا ، فهناك أرقام صعبة ، وأخرى سهلة ، يمكن جمعها مع الأرقام الكبيرة! الرقم الصعب هنا هو الرقم غير القابل للقسمة ، والرقم السهل هو الرقم القابل للجمع والطرح ، والأطراف الرئيسة التي تملك طاولة اللعب ، هي الدول الكبرى بالطبع والدول التي تعرف بالقوى الإقليمية ، التي تستمد جانبا مهما من قوتها من خلال قدراتها الذاتية ، وتحالفاتها الإقليمية والدولية. مجرد ذكر أسماء الدول يكفي لكي تختلط كذلك الآراء والتحليلات ، ولذلك من الأفضل التركيز على نظرية الأوراق والأرقام ، في محاولة للتعرف على أوراق بلدنا الأردن وأرقامه ، الذي أظهر قدراته الخاصة به ، منذ كارثة الربيع العربي وقبلها الحرب على العراق ، مثلما أظهر مكانته وقيمته الإقليمية والدولية في مواجهة قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود ، فقد استطاع أن يستنهض مواقف قوى إقليمية ودولية لرفض القرار ، ومنحها شرعية معينة على شكل قرارات لمجلس الجامعة العربية ، ومنظمة التعاون الإسلامي ، ومنظمة الأمم المتحدة ، ومنظمة اليونسكو وغيرها ، وفي ذلك دليل على أنه يملك ما يكفي من الأوراق كي يسجل موقفا صلبا في هذه المعادلة الصعبة. ذلك الموقف من فراغ ، أو كنتيجة حتمية للمسؤولية الدينية والتاريخية والقانونية فيما يخص قضية القدس وفلسطين ، بل لأنه يرفض حتى في الفضاء التقليدي لعلاقات الأردن مع دول المنطقة ، أعطى الأردن الدليل على أنه رقم صعب ، أي غير قابل للجمع أو الطرح ، ولم يأت معادلة الأمر الواقع التي يقبلها البعض ، ليس من باب العناد أو المناكفة ، بل لأنه يؤمن بأن السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين بعاصمتها القدس ، وأن أي سبيل آخر يعني تعجيل صراع لا يعرف أحد كيف يبدأ ولا كيف ينتهي ، وهو كذلك سبق أن حذر وما يزال يحذر من أن كثرة خلط الأوراق يمكن أن يشعل فيها النار ! ولعل أحد عناصر القوة التي يملكها الأردن ، هو أن تحالفاته محسوبة بعناية فائقة اساسها محاربة الإرهاب ، لأن الإرهاب استهدفه ويستهدفه ، وليس لديه أي مآرب أخرى تحت هذا العنوان. فهو يفهم لعبة الأوراق من هذه الناحية ، ولكنه لا يلعبها ، وسر قوته هنا أنه ليس متورطا في أي شيء ، إنه الوحيد الذي استشرف هذه المرحلة قبل أن تصبح واقعا يتعامل معه الجميع بعد فوات الأوان ! خلاصة القول أن مبدأ الاعتماد على الذات الذي يتحدث عنه ويدعو إليه جلالة الملك عبداالله الثاني ابن الحسين ، إلى جانب تأكيده على ضرورة الثقة بالنفس ، يحتاج منا إلى تفكير وتخطيط وإدارة إستراتيجية ، نعيد من خلالها تشكيل موقف وطني منظم سواء على مستوى لغة الدولة وفكرها السياسي ، أو على مستوى إدارة شؤونها الداخلية ، ولا يفصل بيننا وبين القدرة على ذلك سوى أن نعزز ايماننا بالدولة ، ونعظم من شخصيتها ، وندرك قوتها وقدرتها على مواجهة التحديات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات