قميصُ الْقُدْس يا يوسف


نَمْ ليلتَكَ يا صغيري نَمْ ، سيعيدنا يوماً من أعادَ موسى في اليمّ ، وقُمْ لعرائس الموتِ صباحاً وانتقِمْ ، وقُمْ لصلاتِكَ وأقِمْ ، في حضن أمّكَ منذُ سبعين عاماً ولم تنَمْ ، دَمدمْ عليهم ناراً ودَّم ، وطوِّفْ الحجارةَ في كعبة يدك ، سِجِيّلاً يلتهمُ من ظنَّ أنّه مُلتهِم ، فما سلِمَ من قَالَ أنّه قد سلِم ، للحكّام قِمَم ولكَ قِمَم ، وشتّان بينَ القِمَمِ والقِمَم ، أَيُّهَا الجائس خلال َ دياركَ ، لقّمْ بُندقيتكَ من بُندق عيني ، واشْحَذْ سكاكينَكَ من سمار اللحم ، وحلِّقْ إلى الله وأنتَ مُبتسِم ، وارجعْ إلى دياركَ مرّةً أخرى معصوباً باللثُم ، وقلْ :
سلامٌ عليّ ؛ هنا أولدُ وهنا أموتُ وهنا أعود لأنتقِم .

لو أحضرت أيّة طفلةٍ في هذا العالم ، وجعلتها تُطالعُ بعينيها الصغيرتين جبال الْقُدس ، ومساجدها ، وكنائسها ، ومدارسها ، وقبابها ، وهضابها ، وعذابها ، وشوارعها ، ومواجعها ، ومدامعها ، وزيتونها ، وليمونها ، ودحنونها ، وخنادقها ، وبنادقها ، ومخانقها وصوت الله يعلو على صوتِ خانقها ، وظلّ الهلال الذي لا يغيب ، وهو يتقوّسُ على كتفِ الصليب ، وكيفَ تفتحُ الكنيسةُ أبوابها لجمعة الله ، وكيفَ يفتحُ المسجدُ أبوابه لراهبٍ وفتاه ، ورجالاً يطحنون بقايا الرصاص قمحاً للحمَام ، وفتية آمنوا بربّهم هربوا من مدارسهم ليرجموا شياطينَ السلام ، وعرائس تحنّتْ لخطّاب الموتِ كالحورِ في الخيام ، وأطفال يزرعون الوردَ فوقَ حقلٍ من الألغام ،

لقالتْ لَكَ تلكَ الطفلة : إنّ مدينةً كهذه بعفّة مريم وطُهر يوسف ، لا يمكن أنْ تكون إلاّ عربيّةً فلسطينيّةً خالصة من الفاء إلى النُّون .

عجافكَ السبع قد مضتْ يا يوسف ، وعجافنا السبعون ما مضتْ ، يحبّنا الموتُ هُنَا ، وعينه عن عيننا ما أغمضت ، لنَا يا يوسف إخوةٌ ما غضِبوا وإنْ أُغضِبوا ، وحرّة غضِبَتْ إِنْ أُغضِبَتْ ، شهيدة من دماءها سنابل الْقُدس قد خُضِّبَتْ ، في الْقُدس يا يوسف بينَ المحرَقة والمحرَقة هناك محرَقة ، وإخوة لنَا لم يدخلوها حتّى من أبوابٍ مُتفرِّقة ، يولدُ الطفلُ وبيده غُصناً من السنابل ، وبالأخرى طوقاً من القنابل ، يصرخ الطفلُ لا كي يعيش ؛ بل كي يقاتل ، في الْقُدس لا سَّيَّارة مرَّتْ ولا دلو ماءٍ في الْقُدس ألقوه ، سرقوا قُبَّة الملك ، وما علِمَ السارقُ أنّه قد هلِك ، أحرقوا كـــلّ ما فيها ، وطفل الحجارة ما استطاعوا أنْ يحرقوه ، منذُ سبعين عاماً وهم يعصرون من الدماء زيتاً ، ويرفعون من الحجارةِ بيتاً ، فكيفَ لمثل هذا الشعب أنْ تُسكِت له صوتاً.

أَيُّهَا الجائس خلالَ دياركَ ؛ لا تُصالح ، لا تُسامح ، لا تُفاوِض ، لا تُقايض ، فلسطين كلّها لَكَ لَكَ ، مضتْ ليالٍ لهم ، والليل الليلةَ ليلكَ ، من قال إنّنا نريدُ سلاماً ؟!! فكلّ شبرٍ سلبه اليهود -لن يعود- ، إلاّ بزناد البارود ، من قال إنّ صراعنا هو صراع على الحدود ؟!! بل هو صراع على الوجود ، وإنْ كانت أجسادنا بعيدة عن المسجد الأقصى القريب المُقصَى ؛ فقلوبنا هناك تُطيلُ السجود .

القدس عاصمة فلسطين الأبديّة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات