رصاص ابليس


فجاة انهمرت كزخة مطرية خفيفة امام بيتي، بعض بذور الرصاص التي انطلقت من حفل مهيب، كان مصدرها عُرْسْ على مقربة من بيتي منذ أربعة سنين...فكانت الحارة التي أسكن بها تضج في تلك الليلة بالإغاني الصاخبة و اصوات ضحكات الناس المرحة و هي ترقص ابتهاجاً و فرحاً بهذه المناسبة،...و كان نسيم الصيف الحار يتنقل بحريته المعهودة في الأحياء العامرة بالحياة في مدينة الفحيص التي تنتعش و تتميز بالنشاط و الحركة في ايام الصيف... و كعادته يجلب معه روائح الحدائق المزهرة بعطورها الفواحة و الجميلة...و لكن كنت أُلاحظ بأنه كان يكسر هذا الروتين من حين لآخر...فكانت روائح المسكرات بانوعها تصلني و انا جالس في شرفة منزلي عبره...و كأنه كان يتوقف فوق أقداح ضيوف الحفل و يتعمد من عطرها الفواح و من ثم يسافر الى بيتي فينثره من حولي حيث اجلس في شرفة منزلي بسخاء كبير...

و بعد نصف ساعة من سماع أصوات الفرح هذه قررت أن أسير مشياً على الأقدام الى متجر كبير قرب بيتي لأشتري بعض مِنْ بن القهوة التركية...فكنت أريد أن أكتب كعادتي في هذه الليلة الخواطر كما تعودت...في سكون الليل الحالم الذي ينضج على شعاع القمر الخجول...و حيث كان القمر بدر منير في تلك الليلة يبتسم كعادته على حارتي التي أسكن بها و يلقى بخيوطه الخجولة على شرفة منزلي...رفيقي الحالم بثوبه الأبيض الصافي كصفاء قلب الطفل النائم الذي يحلم في سلطانه اجمل الأحلام...فنهضت و خرجت خارج المنزل، و الذي طمئنني أن أمضي بمشواري أن الرصاص سكن كليا، و أتذكر بأنني سرت بخطوات سريعة نحو المتجر و رائحة القهوة التي اشتهيت تنعش احساسي و رغبتي بالكتابة...و ما إن وصلت باب المتجر حتى سمعتها في المدى البعيد من جديد...اصوات عيارت نارية كثيفة و كأن جبهة قتال قد اشتعلت في حارتي التي أصبحت بعيدة عني حوالي المئة متر...

كان المتجر تقريبا خالي من الزبائن بغير عادته...و لكن كان هذا لِحُسْن حظي...فطحن لي الموظف القهوة التي طلبت من قسم المسكرات و البن بسرعة كما كنت ارجو...و كم انتعش فؤداي من رائحتها الطيبة التي عطرت الأجواء من حولي فجأة...نصف كيلو أشقر و النصف الآخر أسود كما أشتهيها دائما...و ما ان غلفها بالكيس البلاستيكي حتى أخذتها و اتجهت الى الصندوق لأحاسب عليها...وأذكر عند خروجي من المتجر أنه انقبض قلبي بقوة...فمع خطواتي التي كانت تقربني من بيتي كان صوت العيارات النارية ما زال حاضر...عيارات متنوعة من أصوات مسدسات و رشاشات؟! فقلت في ذاتي "ماذا حصل لهاؤلاء القوم...؟ ألعلهم فقدوا صوابهم مع رشفات الحكول؟ و لكن حتى و إن فقد اثين أو ثلاثة صوابهم اين بقية القوم؟" و حينها شعرت من اتجاه صوت الرصاص بأنه آتي من فيلا لعائلة اشتهر صيتها بأنهأ "واصلة"...و لكن مع الأسف يا ليتهم كانوا واصلين بالثقافة و المعرفة...واقتربت من منزلي و فجاة حملني الخوف و إلهام رباني أن اجري بخطوات سريعة نحو المدخل...فصونت الرصاص كان لا يُحْتَمَلْ فعليا و ارتجف كياني من الخوف منه...و ما إن دخلت المدخل حتى انهمرت بذور الرصاص على المدخل الخارجي بقوة...

انها رصاصات من ابليس أمطرت الأجواء من حولي فور دخولي الى البناية التي أسكن بها...فلم يحميني منها إلا سقف مدخل البناية المزين بالقرميد الأحمر و يد الرحمن تعالى...فما إن دخلت البناية و انهالت هذه الرصاصات على سقف المدخل و كأن ابليس نفسه قد رماها من السماء فإمتلأ المكان بإصوات طقطقت الحديد الذي كان يتطاير من على السقف و يستقر على الإرض...مع كل أسف...

لن أشرح أكثر من هذا...فكلماتي واضحة و أرجو أن تفهم يا من تمسك السلاح لتطلق العيارات النارية...بأن الطلقة التي تنطلق نحو السماء ستتوقف بسرعة و مع مرور الوقت ستعود بصورة عشوائية نحو الأرض...انها قطعة حديد لا يحدد مسارها إلا الريح و لا يعلم أحد اين ستسقر و هي عائدة الى يـبـس الارض...فقد تستقر في جسد شقيقك أو أحد الأشخاص لتسبب الالم له و لأهل بيته...فارجو أن ترحمونا نهائيا من هذه الظاهرة...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات