باسل غطاس سجين عربي


الوفاء للوطن لا يقتصر على دين دون آخر، والتضحية بالمناصب والمكاسب ليست حكراً على تنظيم دون غيره، والعطاء بلا حدود لا تحدده الجغرافيا السياسية أو المواقع القيادية، فالإنسان الذي تذوق لذة الانتماء، هو إنسان صفت روحه، فقرر الانحياز لمصالح شعبه، وهذا ما جسده عملياً عضو الكنسيت الإسرائيلي العربي المسيحي الدكتور باسل غطاس، حتى وهو يقع في الكمين الخبيث الذي رتبته له الشرطة الإسرائيلية، حين وافقت على زيارته للسجناء العرب في السجون الإسرائيلية، واختارت الغرفة التي سيلتقي فيها معهم بعناية فائقة، بعد أن أخفت فيها كل أنواع التلصص والتجسس، كي تثبت بالصوت والصورة أن النائب باسل غطاس، يقوم بتهريب أجهزة الهاتف الخلوي إلى السجناء الفلسطينيين.

لم ينكر الدكتور باسل غطاس التهمة الإسرائيلية، فهذا موقف شرف يتفاخر فيه أمام العالم، ويتحدى فيه أعداء الإنسانية، الذين دأبوا على التمييز العنصري في التعامل بين عربي ويهودي، وبين سجين وسجين، حيث يسمح للسجناء الإسرائيليين بالتواصل مع ذويهم عبر الهاتف في كل حين، ويحرم من ذلك السجناء الفلسطينيون العسكريون! بل ويسمح للسجناء الإسرائيليين الذين قضوا نصف مدة الحكم، بان يزورا ذويهم، وأن يمكثوا لديهم مدة يوم كامل قبل العودة إلى السجن، ولا يمنح هذا الحق للسجناء الفلسطينيين العسكريين، ويسمح القانون للسجناء الإسرائيليين بالتحرر من السجن بعد قضاء ثلثي المدة، ويمنع ذلك عن السجناء العسكريين العرب.

لقد حاول عضو الكنسيت العربي باسل عطاس أن يقدم للسجناء العرب الفلسطينيين مساعدة إنسانية تمكنهم من التواصل مع أهلهم أسوة بالسجناء الإسرائيليين، مع العلم أن أحد هؤلاء السجناء هو صديقي السجين وليد دقة، الذي رافقني عدة سنوات في الغرفة رقم 2 من سجن نفحة قبل ثلاثين عاماً بالتمام والكمال، وثلاثون عاماً تعني الكثير من الناحية الإنسانية.
فماذا كانت تهدف الشرطة الإسرائيلية من وراء الكمين المعد للنائب باسل غطاس؟

هل كانت تستهدفه كعربي فلسطيني رفض أن يعزي بموت شمعون بيرس، وقال: لن أعزي بموت طاغية، تغطيه جرائم الحرب من رأسه وحتى أخمص قدميه؟ أم كانت تستهدفه لأنه ركب يوماً على ظهر إحدى سفن فك الحصار عن قطاع غزة؟ أم كانت تستهدفه لمواقفة الوطنية ضد اقتحام المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى؟ أم استهدفته الشرطة لانتمائه لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي جسد بمواقفه المبدئية من الصراع نموذجاً للحزب المخلص لشعبه، والصادق مع ناخبيه؟ أم كانت تستهدفه لأنه عربي فلسطيني لما يزل شوكه تنغرز في حلق التمدد الاستيطاني، وتعاند التطرف الديني الباحث عن دولة يهودية خالية من العرب؟.

دخول عضو الكنيست باسل غطاس السجن قبل يومين قضية لا تخص فلسطيني 48 وحدهم، ولا هي قضية حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يترأسه الدكتور عزمي بشارة، والذي يضم في صفوفه إضافة إلى باسل غطاس كلاً من حنين الزعبي وجمال زحالقة، أولئك الذين حظرت عليهم الكنيست الإسرائيلي حضور جلساتها لعدة أشهر، وقضية باسل غطاس لا تخص لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل، قضية اعتقال باسل غطاس تقع في صلب اهتمام الشعب العربي الفلسطيني حيث تواجد، بل هي قضية الأمة العربية والإسلامية، التي يقع على حكوماتها ومؤسساتها ومفكريها وناسها واجب التعلم والتثقف الوطني على يد هذا الرجل، قبل التكاثف والتعاضد الأخلاقي والوطني مع الفدائي السجين، الذي صدح بالمواقف الوطنية، ودافع بقوة عن الحقوق الفلسطينية من تحت قبة الكنيست الإسرائيلي.

لن اقول: هنيئاً للسجناء الفلسطينيين أن يكون بينهم عضو الكنيست باسل غطاس، ولكن أقول: هنيئاً لباسل غطاس هذه المنحة التي فضحت دولة التمييز العنصري، وأكدت عملياً أن بطاقة عضو كنيست إسرائيلي أقل درجة من بطاقة سجين فلسطيني، يفيض كبرياْ وكرامة، تحدث عنها الشاعر راشد حسين حين قال على لسان حبيبته:
قالت: أخاف عليك السجن، قلت لها: من أجل شعبي ظلامُ السجن يُلتَحَفُ
لو يقصرون الذي في السجن من غرفٍ، على اللصوص لهدّت نفسها الغرف!
لكنْ بها أمل أن يستضاف بها حرٌ، فيُزهر في أرجائها الشرفُ



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات