أين صوت المثقف؟


لا نكاد نعثر على رأي للأدباء والكتاب والفنانين عندنا في كلّ ما يجري حولهم، سواء على الصعيد المحلي بكل التغيرات المجتمعية العاصفة التي لا تمرّ مرور الكرام، ولا بالقضايا العالمية التي يصل صداها حتى إلى غرف النوم، لا بل ولا حتى بالمسائل الجوهرية العميقة أو المعيشية الهامشية التي يتعاطوا معها يومياً وتخترق بلا هوادة عزلتهم التي تشرنقوا فيها..!

أمرهم عجيب إذ تراهم يجلسون في ندوات مغلقة لا يكاد يطلع عليها عشرة أنفار، أو يلتقون معاً في جلسات نميمة منعشة في إحدى الحانات حافلة بالنقد والتنظير لما يجري حولهم حتى إذا انقضى اثر الشراب نسوا كلّ شيء، أو ربما تداعوا إلى مؤتمر أكاديمي شديد التخصص للدفاع فيه عن مسائل لم تحسم في وقتها أصلاً، ولا يضر أو ينفع إن اتفق عليها عشرة نحويين غارقين في أثر ابن الشمقمق  مثلاً أو الوجوه التي تستعمل فيها " حتى" ، ولا نفر من الشيوخ وهم يناقشون إمكانية أن تبطل مياه الخزانات الشمسية الوضوء..!

لو جمعنا عدد أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين، واتحاد الكتاب، ورابطة الفنانين، ورابطة التشكيليين، والأساتذة الجامعيين وأعضاء الفرق الفنية، والجمعيات والملتقيات الثقافية الأخرى المنتشرة في شتى أنحاء المملكة لوجدنا أنّ لدينا أكثر من خمسين ألف عضو يفترض أن يكونوا مثقفين فاعلين، هذا إضافة إلى أعضاء الأحزاب وبعض رجال الدين المتنورين وأولئك المستقلين والزاهدين بالتجمعات، وهذا عدد كبير لو قدّر له أن يساهم بشكل حقيقي في بناء المجتمع المدني، وتغيير البنية الاجتماعية إلى الأفضل عبر الإشارة إلى العيوب وعوامل الهدم والتعرية التي تطالها ونقدها، وإعطاء دفقة من الثقافة الجادة بديلاً للثقافة الاستهلاكية المنتشرة كالسرطان والتي جعلتنا نصحو صباح كلّ يوم على فجيعة جديدة لم نعهدها من قبل..!

لم نسمع عن حملات تنظمها رابطة الكتاب مثلاً للدفاع عن تلوث البيئة، ولا سمعنا عن حملة للموسيقيين ضدّ عمالة الأطفال، ولم نقرأ عن  خطب لشيوخ المساجد تنتقد زواج القاصرات وجرائم الشرف، ولم يتداع  التشكيليون لتنظيم يوم مفتوح للتعبير بالألوان في إحدى السجون، ولم تكلف الفرق الشعبية نفسها لإقامة حفلات مجانية تعرض على نزلاء قرى الأيتام ومآوي العجزة، ولم يقم الأكاديميون بالخروج من مكاتبهم إلى إحدى المدارس للتضامن مع الطلبة ضد الحقائب الباهظة الوزن التي تثقل كواهلهم، ولا حتى إلى تناول الطعام مع طلبة أقسامهم في المطاعم الجامعية لتفهم حاجاتهم والاستماع إليهم بشكل مباشر، والتخفيف من غلوائهم بدل التعليم المعلب والإلقاء الجاف في المحاضرات من جهة واحدة فقط..!

نريد أن نسمع عن أديب معروف أو فنان شعبي مؤثر قاد حملة لوقف التدخين..!

نريد رجل دين موثوق به خصص قدراته الخطابية لوقف النعرات الإقليمية أو العشائرية...!

نريد رئيس جامعة يتبنى وقف الحملات الغنائية الهابطة التي تمجد الجهوية والقبائلية ..!

نبحث عن مثقفين حقيقيين يتبنون الضغط باتجاه قوانين صارمة ضد العنف المسلط للمرأة والأطفال..!

نحلم بمجموعة من الفنانات والأديبات والأكاديميات يخصصن يوما لزيارة الأمهات المكلومات بفلذات أكبادهن، ويقدن حملة ضد حوادث السير..!

نتوقع من صحفي مشهور أن يرفع شعار " نعم" لحجب المواقع الإباحية التي تغرق أطفالنا وبناتنا في حمأة الجنس أسوة لما يحدث في بعض الدول العربية مثلاً ..!

نتمنى لو أن مجموعة من المثقفين الشجعان يلتقون على ميثاق شرف لتنظيم حملة ضخمة ضد العنف الجامعي، وتخصيص جزء من وقتهم وجهدهم لمعرفة أسبابه الحقيقية وطريقة علاجه الصارمة ....!
نبحث عن مغنية معروفة تقود حملة ضد المخدرات..!

     صحيح أننا بالكاد أيضا نسمع عن مواقف أو نقرأ مقالات جديدة للمثقفين حول قضايا الأمة الكبرى مثل فلسطين والعراق بتحليل طازج وغير مكرر أو مجتر، مع اقتراح حلول معقولة، وتلك مصيبة كبرى أيضاً، ولكن من غير المعقول أن نظل نلوم " الدولة" بمفهومها العام لكي تجترح لنا حلولا معجزة للمسائل اليومية التي وصلت بيوتنا وأثرت على أطفالنا، وجعلت معيشتنا اليومية ضنكى ..!

لماذا ننتظر الحلول الأخيرة دائما أي " الكي" عبر تدخل الشرطة والقضاء والأطباء للعلاج  أو لوقف الجرائم أو الاعتداءات وهي تنتهك، ولا نبدأ نحن بابتكار مشاريع تمنع هذه الجرائم أصلاً، أو على الأقل تخفف من أثرها..!

لقد خلق الله الإنسان خليفة له على الأرض من أجل إعمارها وجعل الحياة فيها ولأهلها في أجمل حالاتها، وأوصى الرسل كلهم بالدعوة إلى حسن الأخلاق والتعامل، وما لم نقم جميعا بمسؤولياتنا الحقيقية، ولا سيما من أولئك النخبة المثقفة أو القائدة فإن الخراب سيطالنا جميعا، وعندها لن ينفع عض الأصابع من اللوم أو شدة الغيظ...!

yahqaissi@gmail.com

 

  

 


 



تعليقات القراء

مثقف اصلي
نعم ليس دائما الحق على مؤسسات الدولة الثقافية وهي مقصرة بامتياز
الشلليوة في المشهد الثقافية مقتل مقتل مقتل
14-04-2010 12:26 PM
الماجـــدي.......
نريدك انت ؟؟!؟! ان تكتب وتقود حملة ضد القرار الصهيوني العنصري حول
" قرار طرد عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية ".
14-04-2010 01:27 PM
بهاء
ما حد بيده حيله لان المصير العربي بيد امريكا
14-04-2010 01:55 PM
هيام السبع
نعم اين صوت المثقف
14-04-2010 01:58 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات