من أنشاص وحتى البحر الميت ..


... منذ 1946 في أنشاص المصرية إلى 2017 في البحر الميت الأردنية, مسيرة عربية متعثرة متكررة وطبخة بحص لم تستوِ حتى كتابة هذه الكلمات, القمم العربية تنعقد وتنفض, والظروف العربية دقيقة الصعوبة, ويحضر البعض ويغيب البعض, وتُجمّد عضوية البعض وتعاد أخرى, والمشاكسة والمجاملة العربية العربية على أشدها, بنتيجة عملية واحدة, لم ينجح أحد.

وعبر قمة الخرطوم الشهيرة بلاءاتها الثلاث, لا تفاوض, لا صلح, لا اعتراف, وكم كنت أتمنى لو توقفت القمم العربية هناك على حواف الخرطوم وقراراتها, وسبعون عاما من الانكسار والتقهقر والتراجع في القرارات العربية والبيع والإهداء للأرض والإرادة والمواقف, واللاءات أصبحت عكسها, ورفض العدو أضحى تطبيعا وضما وقبلات, حتى لم يعد للشعب العربي ثقة بمن يمثلونهم, وما عاد ينتظر منهم ما يسر الخاطر أو يعيد الكرامة, وبات لا يتابع عربي القمة إلا للتندر والتذمر والتحسر.

القمم الأولى, كانت فلسطين وبوادر ضياعها, محورها وموضوع قراراتها, نشجب وندين ونستنكر ونؤكد على وندعو إلى, فلسطين عربية من البحر إلى النهر, ثم من أراضي أل 67 حتى النهر, وثم ما تبقى منها بعد المستعمرات الصهيونية مع إمكانية استبدال أراضي, دون عودة أو تعويض, واليوم, نساوم على التوطين شرقي الشريعة, في جغرافيا تضيق بأهلها وتعوزها حتى ماء الشفة.

وبعد, فقد أضحت للقمم هموما أخرى ذات إلحاح, فهناك العراق وحربها مع الدولة الفارسية, ثم معضلتها مع الكويت والحرب الكونية التي تلت, ثم سوريا وحرب زعيمها على شعبها, واليمن وليبيا وتفتتها وبقية دول الربيع, مضافا إلي كل هذا تذكيرا خجولا للقضية المركزية التي لم تعد بالمركز, قضية العرب التي أصبحت نهبا بين الزعامات الفلسطينية ودولتيها الافتراضيتين, ومادة للكثير من الزعامات وأشباهها, للمزاودة والاتجار والتسلق.

وما زال روتين القمم يتراوح بين التأكيد على, والشجب والإدانة والاستنكار, والإعلان عن بالغ القلق, والتأكيد على المبادرة العربية للسلام كاستراتيجية عربية وحيدة لحل القضية الفلسطينية, لم أفهم الحكمة ولا المبرر لإحيائها في الميت, طالما أن الصهاينة لم يحفلوا بها ولم يعيروها أدنى انتباه, منذ انطلاقتها الأولى في قمة بيروت عام 2002, ونشكر ونقدر ونستودع, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ورغم وجود الأردن في بؤرة أمنية ملتهبة, ووسط إقليمي بالغ الخطورة, تكاد تسمع به أصوات دانات الحرب على حدوده الشمالية في مقر القمة في البحر الميت, مثلما تسمع أنّات وصرخات شعب بأكمله في فلسطين لم تلامس طيلة عقود كثيرة, نخوة المجتمعين, إلا بقرارات مكرورة هزيلة لا تنفع ولا تسمن من عذاب وقهر ووجع, فقد نجح بامتياز بالتنظيم والتأمين والإخراج وإدارة أعمال القمة المنصرمة للتو, دونما خلل تنظيمي واحد, وبدقة محترفة تبحث عن نظيرها, كانت محط إعجاب الزعماء والوفود المشاركة وتقديرهم.

ويكاد هذا الإنجاز الأردني التنظيمي, يكون الإنجاز العربي الوحيد للقمة الثامنة والعشرين, اللهم إلا إذا اعتبرنا قرارا سريا ربما يكون المجتمعون قد اتخذوه, لتصفية القضية الأم, على حساب المضيفة الأم, إنجازا ونجاحا هو الآخر للقمة هذه, وعندها ستكون هذه القمة, هي أم الكوارث, والقمة الأكثر نحسا وفشلا منذ انشاص.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات