واقطفوني وردةً لأميّ


أربعة أعوامٍ مرّت ولَم أزرْ بائع الورد لأبتاعَ باقة وردٍ لكِ ، ولَم أتجوّل في زوايا البلد القديمةِ بحثاً عن ثوبٍ مطرّز أو علبة كُحْل ، ولَم أطرق أبواب دكاكين العِطارة سائلاً عجوزها عن أطيب طيبِه ، ولَم تجرؤ عيناي على الوقوف في مواجهة واجهة محلٍ للحُليّ ، خوفاً أن أرى عِقداً يليقُ بعنقكِ فيبتاعُ وجهي منيّ عناقيد الدمعِ ويبكي ، ولَم أعبر من رواق الْبَيْتِ على رؤوسِ القلب خِلسةً ، كي لا أفوّت لحظة إكتمال وجه القمر في وجهكِ وأنا أحمل هديتكِ آيا هديتي ، ولَم أغفو ليلتها وأنا أحشو وسائد القلب بقطن الإقتباسات التي سأطالعكِ بها صباحاً ، أهٍ يا أميّ فقد أكستكِ عرائس السماء ثوباً أبيضَ ، وأعادت طلاء أظافرك ، وفكّتْ عن ظفائركِ السمراء مشبك الشعر ، ولفّت بمشبك الموت معصميكِ ، وأردتْ مرود الكُحل بينَ رمشيّكِ ، وأغلقت نوافذ السماء تحتَ جفنيكِ ، وحملتكِ هديةً إلى أمّهات التراب .

ها هو طفلك يا أميّ ، قد أنهى ليلتها الأخيرة في العشرينيات ليصبحَ بعدَها رجلاً ثلاثينّياً ، كطفلٍ في اليمّ ألقوه ، ليغرقوه ، فماتوا ، وما أماتوه ، أَبَت صدور الحياة أنْ ترضعه ، فإلى صدر أمّه أرجعوه ، ألقوه في الجُبِّ فلا سَّيَّارةٌ مرّتْ ، ولا دلو ماءٍ في الجُبِّ ألقوه ، قطفوا قطوفَ قلبه وقدّوه ، وبلا قميصٍ إلى السجن إقتادوه ، قدّموه كذبحٍ بعدَ أن كانوا يفتدوه ، هاتوا قميص أميّ وعلى وجهي ألقوه ، هاتوا صوتَ أميّ وعلى رأسِ الطفل اقرؤوه ، وقولوا للقوافل رفقاً إنْ مرّتْ بقبر أميّ ، ينام البنفسج على شعرها فلا توقظوه ، وقولوا للملكِ إِنْ جارتْ عِجافُهُ ، خذوا من صبر أميّ وازرعوه ، وقولوا للملكِ إِنْ جادتْ عِجافُهُ ، خذوا اسم أميّ وعلى قبري أحفروه ، وقولوا للملك إِنْ فاضت خزائنه ، لثوبٌ في خزانة أميّ أثمن مما يملكوه ، وقولوا للملك أنا يوسف الذي فقدَ أمّه ، ولولا دعائها في الغيب لأهلكوه.

إلى روحكِ أميّ ؛ إلى من كان كتفها وسادة ، وصدرها سرير ، وركبتيها أرجوحة ، وعيونها (مخبأ أطفال) ، ورائحتها حلوى العيد ، وتجاعيد يديها لوحة تجريديّة ، وجبينها أثر السجود في جِباه الساجدات ، وصوتها ترانيم صبيّةٍ في كنيسة ، سأبقى طفلاً أمامَ صورتكِ يبتسم وكأنّك ستأخذين له صورة ، حاملاً قلبه على يده ، وعلى يده الأخرى حقيبته المدرسيّة ، سأبقى طفلاً يا أميّ حتّى وأنا أبحث عن "ببيونة" إستثنائية لحفل زفافي ، سأترك لكِ بطاقة دعوة جوارَ ياسمينةٍ زرعتها قربَ لحدّك ، أعلم يا أميّ أنكِ ستأتين ليلتها.

إلى كـــلّ أمهات الأرض ، إلى أمهاتي ، كل لحظة وأنتنّ تيجان على رؤوسنا ....بحبكم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات