ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه


في عصرنا انقلبت الموازين التي تحكم تصرفات البشر، حيث غلا الرخيص وارتفعت أسهمه، ورخص الغالي وانخفضت أسهمه، في زماننا ارتكبنا أخطاء لا يغفرها التاريخ، ضحينا بالدين في سبيل الدنيا، طمعاً في عمارة دنيانا، وكسباً لدراهم معدودة، أو ابتغاء لمنصب، زهد فيه الشرفاء لحثالته، وقاتل من أجله المنافقون لأنه جزء من كيانهم السموم المتهاوي، حتى غدا الناس أسرى لهواهم، عاشوا في هذا العالم التعيس مرحلة التفريغ، رفضوا فيه الميراث المبارك منذ قرون عن حياة السلف الصالح، ولبسوا على أنفسهم المبادئ المصطنعة، وبنوا حياتهم على قاعدة هشة متهاوية، حتى أنهم احتقروا الثقافة الموروثة العالية، واعتبروها تحفة أثرية لا تصلح لهذا الزمان، وألقوا أنفسهم في أحضان أعداء الدين والوطن، ودسوا على الناشئة أشد الأفكار إلحاداً وتحريفاً لنخر جسم أبناء الأمة ومع كل هذا، يزعمون باطلاً أنّهم يزكون أنفسهم على الدوام .

تزكية النفس ليست بألفاظ جوفاء تراوح مكانها، وإنما هي عمل متواصل لتطهير النفس من الصدأ الذي ران على القلب وغلفه، وإحياء للمراقبة الجادة على كل سلوك وتصرف، ومحاسبة للذات لغربلتها من الخبث، ومحبة دائمة للآخرين، وإخوة صادقة ترمم ما تقطع من صلات، وبعد عن الجفاء والغبن والتدليس المعتم على عباد الله، وحرص على الموروث الأصيل من القيم السامية والأخلاق الرفيعة، وحرب على النفاق والإنتهازية وشياطين الإنس وتحالف مع محبي الحق، ونبذ لأعوان الباطل الذين يجولون في كل مكان وزمان لنهش لحوم العقلاء، ونبش قبور الصالحين انتقاماً لأنفسهم وتلبية لنداء ضمائرهم الميتة التي عطلت عن سماع كلمة الحق والنصيحة المخلصة.

أكد الله على فلاح وفوز من زكى نفسه، وخسارة من عميت بصيرته وبصره فدساها، قال تعالى " قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها،" طوبى لمن صفت نفسه وغسل قلبه من نقيع الدنس والمكر والكيد، وسمت روحه حيث تعلقت بخالقها للنجاة والغفران من وضر الدنيا، وسمومها القاتلة، وتباً لمن تجلبب بالحقد والعداوة وحب الدنيا، وعاش منافقاً يحصد الزقوم ، لا يقيم وزناً للشرفاء بل هو مع كل ناعق يرجو رحمة الزعماء يتزلفه، باع نفسه وفكره من أجل كسب لعاعة لا تسمن ولا تغني من جوع، والمصيبة أن أمثال هؤلاء المأجورة يحسبون أنهم يحسنون صنعاً بهذه الوجوه الكالحة طمعاً في نظرة أو ابتسامة من ولي نعمتهم .

ينظم الإسلام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، ويدخر الله له الإعتقاد والعمل والعبادة والأخلاق، يهمس في الوقت نفسه في أعماقه لتسمو مشاعره الروحية والعقلية والقلبية والوجدانية والحسية، مولداً في اغوار ذاته إنساناً صافياً أخروياً مطهراً من كل لوثة مهيئاً ليكون في موقع الخلافة الراشدة، هكذا يفهم قوله تعالى " : ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه أما المروق من الدين والأخلاق فهي الإنتكاسة بعينها .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات