"فوضى الاعلام" : تشتيت للوعي الجمعي وإضعاف للجبهة الداخلية


جراسا -

محرر الشؤون المحلية - يكثر تجار الكلمات كلما ﻻح بنا خطب وكرب، ويبدؤون سن السنتهم لِجَلدِنا، وحرابهم لسلخِ جِلدنا، ويتنطحون للطخ من كل حدب وصوب، تحملهم رياح تعاطف المواطنين المواتية، فتنضح أقلامهم والسنتهم سمًا زعافًا، وتغدوا حروفهم أشد مضاضة علينا، من اﻻرهابيين ذاتهم ، و"وقع الحسام المهند" !

حين يفتح سوق التنظير الأمني والعسكري والسياسي واﻻعلامي على مصراعيه، لمن يهرف بما ﻻ يعرف، ومن هبَ ودبَ، ويتنطحُ كتاب الغفلة لنشر ِمعلومات يستقونها من صفحة عابرة على موقع تواصل، ليبنوا عليها أخبارهم التي يضخونها للرأي العام على انها "حقائق" و"مسلمات"، ويتفذلك آخرون شتمًا ونقمًا، يطالون من هذا وذاك، مستغلين التوقيت والتعاطف، لتصفية حساباتهم الشخصية التاريخية القميئة، وبث أحقادهم بسموم أقلامهم، يصبح المشهد اﻻعلامي خطرًا، ومفزعًا، وفوضويًا، ومهزلة.

وحين يبدأ كاتب غرٌ، غضٌ، خبرته المهنية ﻻ تتعدى ظله .. ضخ تحليلاته العسكرية والأمنية وتجلياتها على وسائل اﻻعلام ومواقع التواصل وجروبات واتس اب، ويؤلب الرأي العام ويشحنه، بجهالة مطلقة .. تصبح الدولة حينها واقعة تحت رحمة شلة من اﻻغبياء والجهلة !

عندما يكون تبادل اطلاق النار الكثيف ﻻ يزال مستعرًا على اﻻرض، بين منفلتين منحلين ارهابيين، وقوات أمنية، يخضع نشر الخبر حينها لأعلى معايير الجودة المهنية، ويفترض بنسبة الخطأ فيه أن تعادل الصفر تمامًا، وﻻ يقدم النقل على العقل، وﻻ يدار بالفزعة والسرعة، وﻻ ﻻرضاء "فضول القراء" دون حساب أبعاد الخبر وتبعاته.

في الظروف الوطنية الطارئة، ﻻ تقاس نجاعة اﻻعلام الذي يحترم نفسه، بالسرعة وحدها في ايصال المعلومة وكشفها، ويسقط من حساباته مفهوم "السبق الصحفي"، وتخضع سياسة النشر لضوابط وطنية مهنية، يكون مداها أبعد من "دغدغة المشاعر" و"خطب ود القراء" وجني مكتسبات مادية ومعنوية زائلة .

وبما ان ردود الفعل الشعبية يؤججها اﻻعلام ووسائله، وكذلك يخمدها .. تكون المسؤولية اﻻعلامية في الظروف الصعبة، أكبر من الوصف، وتحتم على العاملين فيه التعامل وفق سياسة اﻻدارة اﻻعلامية للأزمات، ﻻ بالمواويل والاهازيج، والقدح والردح، والتنبؤات والتوقعات، والنقد بغية النقد، لابراز العضلات والبطوﻻت، وﻻ استغلال الموجة لـ "تصفية الحسابات" مع جهة او شخص، وتنحى الخلافات تحت اﻻقدام، وتقدم مصلحة الوطن واهله، فوق أي خلاف ومصلحة.

مثلما تربى العسكريون على "تقدير الموقف" في ميدان المعركة.. يخضع اﻻعلام المهني نفسه لذات المعيار، ويتناغم نشر الخبر مع تقدير الموقف الميداني، وحساب تبعاته وردود الفعل وتأثيراته التي قد تصبح أكبر وأخطر من الحدث ذاته !

للمجتمع اﻻردني خصوصيات يعلمها القاصي والداني، مثلما للدولة اﻻردنية موقعا ﻻ تحسد عليه وسط اقليم يتلظى .. ويفترض بنا، شعبًا، ومؤسسات حكومية وأمنية، أننا مهيئون في أي لحظة لمواجهة ظرف مؤسف مؤلم كالذي وقع في الكرك، من أي من معاتيه العصر الذين انفلت عقالهم، وأجروا ضمائرهم للشيطان، متربصين بنا وبلدنا لحظة بلحظة ..

ما حدث في الكرك باﻻمس، قد يحدث غداً في العقبة.. او بالمفرق وعمان والسلط، وسر احتواء اﻻزمات الداخلية مستقبلا، ﻻ يكون ابداً بسواعد رجال اﻻمن وبنادقهم وحدهم فقط .. بل بالوعي المجتمعي، الذي يلعب اﻻعلام الدور اﻻساس في تشكله، وعدم الانجرار وراء الشائعات، والتهويل والتضخيم، واعتماد مواقع التواصل وحدها لتناقل المعلومات والانباء دون التحقق منها وحساب أبعادها.

هنالك مدعاة ضرورية تحتم علينا إعادة التقييم، واﻻستفادة مما فات، لما هو آت، دون تراخ او تهاون وﻻ استكانة، إنما هناك مدعاة بذات الأهمية تستوجب توخي الحرص الاعلامي، والوعي المجتمعي، فرب كلمة لا يلقي لها بالاً، يهوي بها الإنسان في جهنم سبعين خريفاً، فمن ينقلون ما يسمعون دون تحقق وتأكد، ذكرهم النبي الكريم حين قال : (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)، وذكرهم الله سبحانه في محكم تنزيله : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ صدق الله العظيم.



تعليقات القراء

ابو خالد الفجاري
كلام موزووووووووووووووووووووووووون
21-12-2016 10:08 PM
الرأي..
كﻻم مهني الى ابعد حد.
22-12-2016 05:38 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات