نقد فني و خواطر عن فلم مرجان احمد مرجان


مرجان احمد مرجان ليس الفلم الوحيد الذي قدم لنا قضايا الفساد عند رجال الاعمال في مصر. فسبقه الكثير من الاعمال مثل فيلم عمارة يعقوبيان مع الاخذ بعين الاعتبار ان يعقوبيان هو من فئة افلام الاجتماعية السياسية و مرجان هو من فئة الكوميدي الفارس farce الاجتماعي. بل لا نكاد ان نرى فيلم مصري في تاريخ السينما المصرية الكلاسيكية و المعاصرة لغاية ثورة 30 من يونيو الا و يحتوي على نقد قوي للفساد حيثما انتشر بالمجتمع المصري سواء كان ذلك في الدولة او في كواليس الانتخابات البرلمانية او عند رجال الاعمال.

ففي عمارة يعقوبيان رأينا شخصية محمد عزام (الفنان نور الشريف رحمه الله) و ما عانته على يد السياسي كمال الفولي (الفنان خالد صالح رحمه الله). فحينما زاره بالمكتب و طلب منه الصلاحية للترشح في دائرة استراتيجية في القاهرة بدأ بابتزازه ماديا حيث اتضح ان كمال الفولي وجه لعصابة سياسية خفية في الدولة المصرية. و في فلم طيور الظلام و الذي هو من فئة الدراما السياسية بإمتياز رأينا كيف استطاع فتحي نوفل (الفنان عادل امام) اصلاح وضعه المعيشي المتردي بواسطة استغلال بنود مطاطية في القانون المصري لصالح نخبة من رجال الاعمال و ايضا بالسيطرة على الوزير رشدي الخيال (الفنان جميل راتب) في الدولة بواسطة سميرة (الفنانة يسرا) و هي من فتيات الليل. فقفز قفزة نوعية في حياته المهنية و اصبح صاحب نفوذ بالدولة المصرية و استطاع تكوين دائرة معارف قوية بمساعدة سميرة التي اصبحت بفترة زمنية قصيرة عشيقة الوزير و الجسر الذي احتاجه نحو النجاح. و في فلم الافوكاتو الذي هو من فئة الكوميديا السوداء black comedy سلط الفلم الضوء على المحامي فتحي سبانخ (الفنان عادل امام) الذي دخل السجن بعد قضية ساخنة اهان بها المحكمة و ابتدأ بتكوين دائرة معارف مع ابرز تجار المخدرات و سياسي كان له مجده في فترة الستينات..و حيث رأينا ضمن القضايا العديدة التي عالجها العمل بالسجن كيف تعيش بعض الشخصيات صاحبة النفوذ برفاه دونا عن باقي المساجين التي تعيش بتعاسة و بظروف قهرية. شارك امام بطولة هذا العمل الكبير الفنانة يسرا و الفنانة اسعاد يونس مع باقة لامعة من الفنانين. و لا ننسى ذكر الفلم الدرامي الكبير الراقصة و السياسي للفنان القدير صلاح قابيل رحمه الله و نجمة العرب الكبيرة نبيلة عبيد، فعالج قضية الراقصة سونيا سليم حينما قرر رجل تحت اسم مستعار من جهاز امني حساس في الدولة المصرية دعوتها الى ليلة حمراء للرقص لامتاع ضيف مهم لدى الدولة المصرية. و بعد ان قرر معاشرتها لليلة واحدة تركها في ظروف غامض لتبقى في حيرة من امرها عن هويته. و بعد عشرة سنين من الفراق تكتشف سونيا بانه ارتقى في الدولة لدرجة وزير و اصبح له كيانه و هيبته. و حينما تحاول الاقتراب منه تكتشف بانه لا يكن لها اي احترام او تقدير و بأنها مجرد سلعة في حياته يعاشرها جنسيا وقت حاجته لذللك، بل تكتشف وقتما تصيبها وعكة صحية بأن معظم رجال الاعمال و اباطرة الاموال الذين كانوا يدعونها الى سهراتهم لترقص بها منافقون لا يحملون لها اي نوع من المحبة الحقيقية او التقدير، فيبعثون لها الورود الى المستشفى عوض عن زيارتها للاطمأنان عليها، و عند هذه النقطة تبدأ معاناتها الحقيقية حينما تحاول تنفيذ مشروع خيري للايتام لتجد ان الوزير يتخلى عنها و يرفض مساعدتها، بل حتى الدولة ترفص مشروعها بسبب طبيعة عملها كراقصة بالوقت الذي كان العديد من رجال الدولة و الاعمال يتوددون لها وقت حاجتهم لخدماتها، و لتنكشف اقنعة كثيرة من على وجوه من حولها و تتجلى حقائق مؤلمة عن نفاق البشر و فسادهم، فلم جريئ ابدعت به الفنانة نبيلة عبيد و ربما يكون مستوحى من الواقع الى حد كبير و الله اعلم.

و لا نستطيع نسيان افلام بخيت و عديله و ما تضمنته من مشاهد ساخنة حول الانتخابات البرلمانية في مصر حيث عرض لنا لمحة عن واقع الحال و كمية المال السياسي الذي قد يتم تداوله في الملعب السياسي و الانتخابات البرلمانية. فوضح للرأي العام كم ان المثالية غائبة عن كواليس المنافسة البرلمانية في الشارع المصري بين المقتدرين على هذه المنافسة. اما حديثا في الدراما المعاصرة فرأينا مسلسل استاذ و رئيس قسم و رؤيا تعملق فيها الفنان عادل امام و السيناريست يوسف معاطي حيث قدما لنا مع كادر العمل قطعة درامية عرضت واقع الحال بحذافيره في مصر...البطالة و الفقر و الفساد و نظام رأس مالي محتكر من قبل نخبة من رجال الاعمال و السياسيين الذين تآكل عصرهم السياسي بسبب الفقر و البطالة و اعباء اقتصادية ثقيلة لم يستطيعوا القيام بها؟ و اما بغير ذلك ماذا كان ينتقد الدكتور فوزي جمعه (الفنان عادل امام) بمحاضراته في كلية الزراعة؟ فهو شخص يساري ثوري التصريحات و الميول يتعرض للضرب الشديد في اول حلقات العمل بسبب مواقفه و التي تدور احداثها قبل ثورة 25 من يناير على يد عناصر امنية في الدولة المصرية؟!

مرجان احمد مرجان مميز جدا لعدة اسباب ساستفيض بالشرح عنها بهذا المقال الشبه مفصل عن العمل. فتم انتاجه عام 2007 قبل ثورة 25 من يناير ليكون كالوثيقة التاريخية على ما حملته الدراما المصرية من رسائل على عدم مصداقية نخبة من رجال الاعمال في حرصهم على مصلحة البلاد. فالنفاق الاجتماعي سيد الموقف بالنسبة اليهم و الرشوة هي مفتاح النفوس بوقت ارتفعت به البطالة في مصر الى مستويات كبيرة جدا و وصل مستوى الفقر الى درجات لا تطاق. و الشاطر هو الذي يحرص على مصلحته فقط و يحقق المكاسب التجارية و يسكت عن ما يصيب الشباب المقبل على سوق العمل من اوضاع اقتصادية متردية...و بلوغ البرلمان هو للذي يتحصن بالمعارف السياسية المتينة من فوق و يعد البسطاء و المساكين بالاسفل بالفرج و الغيث لحظة وصوله للبرلمان...و لكن ليغيب بعدها حتى عن الجلسات الاعتيادية بالمجلس، دنيا مصالح طاحنة في عالم الاقتصاد و السياسة في مصر يقدمها لنا الفيلم بكل قدرة درامية رائعة و راقية. و بطلها مارد اقتصادي و رجل اعمال ماكر و ناجح اسمه مرجان احمد مرجان.

تحليل دقيق للاحداث و للشخصيات :
مرجان احمد مرجان هو من اخراج علي ادريس (مع حفظ الالقاب) و من انتاج جود نيوز جروب و توزيع اوسكار النصر الماسة، و كتب السيناريو لهذا العمل الكبير يوسف معاطي، و الجدير بالذكر ان المرجع الدرامي "موسوعة الافلام العربية" من تأليف الاستاذ محمود قاسم يذكر في القسم الثاني من الموسوعة حيث تندرج معلومات الفلم انه مستوحى من الفلم الامريكي العودة الى المدارس و الذي هو من اخراج آلن متر و من انتاج شركة Paper Clip Productions في عام 1986. و هنالك عدة مراجع على الانترنت تؤيد صحة هذه المعلومة. فلم مرجان احمد مرجان عرض لأول مرة في مصر في تاريخ السادس من تموز لعام 2007 في سينما هيلتون رمسيس. و هو من بطولة عادل امام و مرفت أمين و بسمة و احمد مكي و شريف سلامة و الراحل يوسف داود مع نخبة لامعة جدا من نجوم الفن في القاهرة.

مرجان احمد مرجان (عادل امام) هو ملياردير و رجل اقتصادي من الدرجة الاولى. له مجموعة شركات قوية تحمل اسمه تختص في تصنيع العديد من السلع التجارية و الغذائية و من ضمنها مصنع للسيارات ايضا، و لا يتوقف نفوذه التجاري داخل مصر بل نستطيع الاستنتاج من خلال سياق الاحداث انه يمتلك استثمارات كبيرة خارج مصر ايضا. له ولد اسمه عدي (شريف سلامة) و بنت اسمها علياء (بسمة) و يدرسا في نفس الجامعة. مرجان صاحب خبرة مخضرمة بالحياة. فبالرغم من ثقافته المدرسية المتواضعة إلا انه استطاع تكوين امبراطورية اقتصادية فتحت له اوسع ابواب الرفاه و النفوذ. فبفضل حنكته و اسلوبه الدبلوماسي و قدرته على تقيم الاشخاص و عقلياتها بصورة ناجحة و التي هي حصيلة للتجارب التي دخل بها بالحياة استطاع صعود سلم النجاح المهني بيسر و سهولة. فكون ما استطاع من شركات و مال بمعزل عن حاجته الى شهادة مدرسية و جامعية بفضل شخصيته الفريدة و ذكاءه الثاقب ليصل الى قناعة بأن لا شيئ مستحيل امامه و امام ارادته كرجل اعمال و المال الذي يملكه. فمرجان ايقن بعد مشواره الطويل بالحياة ان لكل شخص سعره و ليس من احد يستطيع مقاومة المال.

مرجان ينظر الى المال الوفير الذي بين يديه بأنه كمارد مصباح علاء الدين السحري، يستحضره وقت ما يشاء و وقت اللزوم ليذلل امامه اية عقبات تواجهه...و يخدمه بصورة مخلصة مارد آخر لخاتم سحري يرتديه في اصبع يده عل مدار الساعة، و هو أمين على شركاته و مصلحته اسمه حسن هنداوي (محمد شومان). و هو اشبه بوزير يعطيه النصح و الارشاد لادق المشاكل التي تواجه في حياته...فبهذه التركيبة السحرية يؤمن مرجان بأن مفاتيح حل اية مشاكل قد تواجهه بين يديه...مال ليشتري به انفس البشر او الرشوة (و يشار اليها بالفيلم بالشاي بالياسمين) و خاتم سحري يأمره فيعطيه الحلول و النصح و قت اللزوم، فبغير هذه التركيبه يؤمن مرجان ان ادارة شركاته و حياته المهنية مستحيلة فالعالم الذي يعمل به كمستثمر هو عالم المال حيث بالمال أسس شركاته و وظف الكفاءات الضرورية لادارة شركاته و بالمال استطاع ترشيح نفسه للانتخابات و جلس مع رؤساء الدول حسبما يصرح في مشهد من المشاهد و بالمال ظن ان كل انفس البشر تباع و تشترى و بأنه بالغنى عن كل شيئ إلى ان التقى بالدكتور جيهان مراد (الفنانة مرفت امين) و واجه موقف كان السبب بتغير نظرته للكثير من الامور في حياته.

علياء و عدي اولاد مرجان من جيل مثقف و عقليات اختلفت طينتها عن عقلية والدهم. فهم يعاشرون بصورة يومية مجتمع يؤمن بأن الثقافة و الدراسة الاكاديمية تصلح كسلاح للحياة اكثر من لغة المال التي يتعامل بها مرجان في ميدان عمله. فالرقي و الوعي الثقافي تسلح نفس الانسان بالمعرفة و العلم و تقيه الجهل و ما يترتب عن تبعاته الوخيمة. و تجعله حسن السيرة و السلوك و حسن الكلام امام المجتمع....اشياء يفتقدها مرجان في حياته...و المشكلة بأن مرجان لا يؤمن بأنها ضرورية اطلاقا. فحينما يلتقي بجيهان في موقف يستدعي حضوره بالجامعة يشعر بالاعجاب بها كثيرا. و نراه يقوم بالتحرش بها بصورة عشوائية لتشعر الدكتورة جيهان ببعض الضيق منه. و لكن لا نرى هذا الامر يؤثر على علاقتها مع اولاده. فالدكتورة جيهان انسانة مثقفة و ملتزمة و صاحبة مبدأ و سيدة مجتمع انيقة جدا و تشعر بالمسؤلية تجاه طلبتها.

يفاجئنا الفلم بأن الدكتورة جيهان انسانة ثورية جدا. فتكون كمواطنة مصرية منحازة للطبقات المكافحة و للجيل الناشئ الجديد لكي يأخذ حقوقه العمالية في سوق العمل و السياسية كمواطن بعيدا عن ما يمارسه رجال الاعمال من غبن حقهم المالي و ما تمارسه الدولة من تعينات تعتمد على الواسطات في مراكز كبرى و الخدمة العامة. و هذا تجلى بصورة واضحة في مقالها الذي انتقدت به مرجان في صحيفة الجامعة. و لعلها لم تكن الوحيدة التي كانت تهاجم مرجان ففي مشهد من المشاهد نرى مرجان مستاء من هجوم صحيفة آخرى عليه ايضا.

محطة المواجهة الاولى بين مرجان و جيهان :
نرى المواجهة تكبر بينهما كنقيدين في المجتمع في الانتخابات النيابية في القاهرة. فلأجل الصدفة كانا مرشحين لنفس الدائرة و لكن شتان بين الثرى و الثريا...فحجم الثقافة في خطبة جيهان مراد يفوق بكثير خطاب مرجان المغموس بالوعود الكاذبة...فبينما يعد مرجان كل مواطن ببيت اسطوري يتألف من عدة غرف و طوابق و حمام سباحة و جنان ليزرعوا بها ما لذا و طاب لهم تقف جيهان مراد كالمارد لتعد الطبقات المكافحة بالعدل المهني و تساوي حقوق المواطنة و بغد افضل للجيل الناشئ...و لعل صدمة مرجان من الاعداد الخجولة في خيمته بالمقارنة مع الاقبال الجماهيري الكبير على خيمة جيهان يرمز الى الشارع المصري قبل ثورة 25 من يناير الذي فقد ثقته بالدولة حينها و وعود نخبة من المرشحين ذوي الاملاك و النفوذ الاقتصادي الذي يظهرون بوجه الطيبين الغيورين على مصلحة المواطن في حملاتهم و لكن لتغيب هذه الغيرة على المواطن بعد الانتخابات... فحتى اولاده و عمال شركاته و مصانعه تجمعوا عند جيهان من كثرة شعورهم بنفاقه الاجتماعي على غرار فصيله من رجال للاعمال.

و تقنيا مشهد خلو خيمة مرجان بما ترمز اليه هذه الشخصية من نفوذ سياسي و اقتصادي و تجمهر الناس بخيمة جيهان الدكتورة المنحدرة من عامة الناس يسمى بالرمزية و باللغة الانجليزية يسمى symbolism حيث يحتوى على مشاهد درامية معبرة تنحدر من رغبات الشارع العام بتغير و استقطاب نخبة من المرشحين الذين يمثلوا طموح الشباب و مشاكلهم في مجلس البرلمان و صوته لكي يصل الى الدولة المصرية. فمما لا شك به ان هذا المشهد قد عبر عن ما يدور بالشارع المصري بصورة درامية رائعة و حرفية مهنية عالية...بل حتى الهتافات كانت تعكس ارادة الشعب بانتخاب جيهان...

نتيجة الانتخابات رجحت لصالح النفوذ و اعتلا مرجان كرسي البرلمان ليمثل دائرته بدل جيهان، و لكن لتنكشف مشكلة ثانية بحياة مرجان...

محطة المواجهة الثانية بين مرجان و جيهان :
تبدأ اسباب ابتعاد عدي و علياء عن والدهم بالانتخابات تتوضح اكثر عند هذه النقطة من الفيلم. فحينما يعود مرجان الى المنزل يتفاجئ بأن اولاده قد اقاموا عزاءا حدادا على خسارة الدكتورة جيهان في الانتخابات. فيعاتبهم بشدة و لكن ليجد ما لم يكن بحسبانه اطلاقا...بأن اولاده يشعرون بالخجل من طريقته الغير مثقفة و العفوية بالكلام و التصرف، و هما ايضا يشعران بالضيقة من هجوم الصحف عليه و الاشاعات التي تطلقها عن نزاهة ثروته، فيجد ما يقلقه جدا من حوار اولاده معه...فيشعر بأنهم غير فخورين به كليا و يلاحظ ايضا ما التأثير الكبير الذي تتركه جيهان عليهم...فيجتمع كعادته مع ناصحه المطيع حسن هنداوي و يخبره بمعضلته مع اولاده. فيرتكب مرجان و معاونة حسن اول حماقة له نحو نسج انجاز ثقافي مزيف يحاول شراءه بنقوده...

هنالك العديد من الشخصيات مثل مرجان في حياتنا. ففي خلال دراستي في مدرسة الجالية الامريكية في الاردن كان برفقتي في آخر سنة دراسية شاب مشاكس ينتمي الى اسرة ميسورة الحال. فاقساط مدرستنا السنوية غالية جدا لذلك معظم من يدرس بها هم من اولاد الأسر المرفه و الميسورة، و اذكر تماما بأنه كان يبدع بمضايقة مدرسة كبيرة بالسن كانت تعطينا مادة علم النفس و مادة علمية آخرى. و لكن كانت بفضل استفزازه لها تفقد السيطرة من حين لآخر على بعض الحصص اثناء الفصل الدراسي حيث كانت تمضي الوقت كله بمحاولة اسكاته في الحصة. بواقع الحال كان اداء هذا الطالب متأرجح غير مستقر بالنسبة للعلامات التي كان يحصل عليها، و في يوم من الايام نجح بمضايقتها جدا فسألته سؤال و قالت له بغضب "اذا كنت لا تهوى الدراسة و التعب فكيف ستجاهد اربعة سنوات آخرى بالجامعة لتحصل على شهادة البكالوريوس"، و لكن مع كل اسف اجابها جواب ناقص لا يدل على ثقافة محترمة، فقال لها "ملايين والدي ستشتري لي الجامعة".

مرجان فعل نفس الامر تقريبا...فذهب الى مقهى العجاتي، و هو اشبه بالصالون الثقافي الذي يجتمع به بعص من عامة الناس للاستماع الى الشعراء و المثقفين و هم يلقون شعرهم و يشاركون العامة ارائهم الثقافية. و جلس يستمع الى شاعر كان اشبه بفاكهة العمل الدرامي. فكان يلقي شعر مضحك خالي من الجوهر و المعنى و القيمة الثقافية. و لعلني ارى هذا الشاعر هنا يرمز الى الموضة الدارجة هذه الايام في الفيديو كليبات و الى نخبة من الشعراء المعاصرين الذين تباع كتبهم الشعرية في المكتبات في الدول العربية كافة. فبعض قصائدهم و اشعارهم كلماتها غير واضحة و اشبه بالرموز الفارغة من معنى حقيقي حيث يتذرع اصحابها بمقولة "المعنى في قلب الشاعر"...او الكاتب احيانا...و الأمثلة كثيرة و لكن لكي لا اكون موضع هجوم من خلال هذا النقد من قبل اي من هاؤلاء الشعراء لن اقتبس اية ابيات من اية كتب شعرية...و من جملة ما مر علي من كوارث شعرية و لغوية فتحت بعض صفحات ديوان شعر لكاتب معروف في يوم من الايام و انا اشتهي فعليا ان اقراء و لو قصيدة جميلة له...و لكن الفاجعة كانت حينما قرأت قصيدة كاملة عن مشاعر الشاعر و هو يحتسي فنجان قهوة في الليل...فقرأت قصيدة تتألف من ثلاثين او ربما اربعين بيت لم افهم منها سوى ان الشاعر يحب احتساء القهوة في الليل. و قد احتوى الشعر على جمل تتألف من كلمات لا توحي بأي معنى حقيقي...و الأدهى من هذا كله بأنه مذكور على الديوان بأنه يباع في تونس ايضا...فلا اعلم من السذج الذين يشترون كتب الشعر هذه، يكفي هراء...ففهمت شعر الحلزونة و السنونو في قهوة العجاتي في الفلم و لم افهم الثلاثين بيت لهذا الشاعر الذي يحب شرب القهوة في الليل...تذكرت المثل القائل رزق الهبل على المجانين...واه عجبي،

اشترى مرجان و حسن شعر الشاعر في مقهى العجاتي و نشروه في ديوان لينبهر عدي و علياء بوالدهم و الدولة تكرمه بعدها بفترة قصيرة بجائزة المجلس الاعلى للشعر و الأدب و تلقبه بأحسن شاعر في مصر؟! و لكن لتحدث ثاني مواجهة بين مرجان و جيهان بعد هذا التكريم فورا...مواجهة في محلها بين لغة النفوذ و الرشوة التي يرمز لها بالشاي بالياسمين بالفيلم و لغة الثقافة و العلم، ففي المواجهة الاولى في الانتخابات خسرت جيهان الانتخابات امام نفوذ مرجان الكبير لتتلقى صفعة لئيمة منه خصوصا و أنه شعر بأنها السبب الرئيسي لإبتعاد اولاده عنه...و لكن في هذه المحطة ردت له الصفعة بفلقة مؤلمة فنجحت بإحراجه امام جمهور كبير من طلاب الجامعة، فدعته لندوة امام حشد طلابي و دعت لتقيم ديوانه استاذ كبير في الادب و اللغة العربية، و بالرغم من نجاح مرجان بالندوة برشوته بساعة ثمينة إلا ان جيهان احرجته و طلبت منه إلقاء قصيدة من الديوان ليضحك عليه الحضور و ليدفعوا اولاده ثمن صنيع يديه الساذج...فالعلم لا يشترى و يباع...بل يكتسب بالدراسة و التعب و المجهود الشخصي.

محطة المواجهة الثالثة بين مرجان و جيهان :
هذه المحطة الثالثة تقسم الى قسمين رئيسين...مرجان في اول ايام الدراسة و من ثم بعد تعرضه لصدمة مرض ابنته المفاجئ. فمرجان اثناء الدراسة الجامعية حاول كالمعتاد شراء نجاحه بالنقود و النفوذ...فنراه تارة يحاول التدخل بصورة عشوائية بحياة ابنته في الجامعة حيث يقوم بضرب صديقها الأنتيم بشدة من حرصه عليها. و تاره يحاول التقرب من جماعة متدينة
لاعتقاده انها الحل لمشكلة الفلتان الاخلاقي في الجامعة. و لكن المعضلة الاكبر التي واجهته هو عدم مقدرته على دراسة المراجع و الانضباط في المحاضرات. و مشكلاته مع جيهان جعلتها بترصد دائم له فنراها غير متساهلة معه اطلاقا. فقام مرجان برشوة استاذ لكي يساعده باوقات الامتحانات الشفوية و حاول رشوة الجامعة بالمساعدات لتقبل به اساسا كطالب من طلابها. ثم جلس بوقت لاحق مع عميدها لكي يطلعه على مشروع يخطط لانشاءه كدعم للجامعة. و تصدر الانشطة الرياضية بالجامعة. و قام بمحاولة للتمثيل بالمسرح و لكن لينتهي الأمر بليلة عرض مسرحي فاشلة جدا...كما حاول ايضا شراء اسألة امتحان التخصص التي تدرسه الاستاذة جيهان...فكان اشبه بمراهق غني يحاول شراء طريق نجاحه ليصطدم بحائط صد عند الاستاذه حيهان مراد... فبين ثنايا محاولاته للانخراط بحياة الجامعة لكي يأخذ الشهادة الجامعية لإرضاء اولاده حاول لفت انتباه جيهان بأكثر من مناسبة عن طريق بسط نفوذه امامها...فنجح بشراء سكوت الشيخ محمود (احمد صلاح السعدني) بنقوده، و حاول تقديم عقد ثمين لها بمكتبه بمحاولة لشراء عواطفها كإمرأة و لكن لترفضه. فحينما دخل عليها خطيبها ابراهيم (ابراهيم يسري رحمه الله) في مكتبها صنعت حينها مقارنة اثبتت كم كانت تحتقره فقدمت خطيبها على اساس انه دكتور في الادارة بينما رمقت مرجان بعينيها و قدمته بأنه طالب عندها. فما كان بمرجان ألا و دعاه الى مكتبه و عرض عليه راتب دسم بكل جرأة ليدير مصنع للزجاج في الهند مقابل ان يترك جيهان. و قام بإخبار حيهان بأن خطيبها تركها ليثبت لها بأنه يستطيع شراء اي شيئ بنقوده حتى جميع البشر...و لكن تعلم من جيهان بأن هذه النظرية لا تنطبق عليها...فلم تلين لضغوطاته اطلاق.

يتغير مرجان الى طالب و انسان انضج من قبل بفضل المواقف الغير مرنة لجيهان تجاه ضغوطاته عليها...فمما لا شك به ان هذه السيدة قامة بتربيته و مساعدته بتحسين اخلاقه مع المجتمع المحيط به اكثر...و لكن اللحظة التي غيرته من الداخل و اشعرته بالقيم المعنوية في حياة البشر التي لا يستطيع الانسان شرأها بنقوده كانت حينما عجز عن شراء اسألة امتحان جيهان مراد. فلم يساعده مارد مصباحه هذه المرة، فنصحه مارد المصباح حسن هنداوي نصيحة لم تكن مجدية. فاحضر له وريقات صغيرة للغش. و حاول بالحصة نقل اجوبة الامتحان خلسة و لكن لتمسكه جيهان و تستدعي الحرس ليأخذه الى مكتب العميد. نتج عن هذه الحادثة حوار و عتب شديد بينه و بين اولاده و لكن انتهى بمشكلة كبرى بينه و بين علياء. فالذي لم يدركه مرجان ان لأولاده قدرة تحمل و تعليقات الزملاء امامهم على تصرفات والدهم احرجتهم كثيرا...فقالت علياء كلام قاسي لمرجان مما استفزه لصفعها. فدخلت علياء بصدمة عنيفة و لبثت عاجزة عن الكلام لفترة زمنية ليست بقليلة...

شعر مرجان بعجزه عن شفاء علياء هو و نفوذه...و كلمات جيهان له حينما زارت علياء بالمستشفى اشعرته بكم هو ضعير امام ارادة الله و امور معنوية بهذه الحياة تعجز النقود عن التحكم بها...فعلم ان الشاي بالياسمين نافع لبعض الامور و لكنه عاجز عن شراء عواطف البشر اذ فشل بكسب قلب جيهان...و علم ان حسن و النقود و نفوذه لن يعيدوا النطق لعلياء...و علم ان الشهادات الاكاديمية لا تشترى بالنقود بل تكتسب بالتعب و المجهود و المثابرة...و علم ان الحياة لا تحركها دنيا المصالح بالكامل...بل هنالك مفاهيم انسانية و معنوية بحياة البشر اهم من عالم المال...

لا يختم هذا الفلم الشيق مشاهده قبل ان يرسم البسمة على شفاه المشاهد "فمرجان تزوج جيهان حينما اثبت جدارته و نال شهادته بشرف و امانة، و كسب اخيرا احترام اولاده، و اصبح انضج من قبل، و انتهى هذا الفلم المفعم بالشبابية و خفة الدم و المواقف الكوميدية الضاحكة بفرح كبير بشوارع مصر. لينتهي كالحدوتة المصرية الجميلة التي تعودنا عليها من السينما المصرية...

نقد فني حول احداث الفلم :
هذا الفلم هو قطعة درامية كوميديا من نوع فارس بامتياز. و هو فلم ناجح جدا تألف من فريق عمل محترف يحب الدراما بالدرجة الأولى و إلا لما استطاع الفنانين الذين شاركوا به امتاعنا باجوائه الراقية...و لكن رأيت كناقد فني هذه النقاط التي هي اشبه بنقاط ضعف به آمل ان يتم التنبه لها باعمال الفارس المستقبلية.

-) حينما نقيم طبيعة علاقة جيهان مراد بخطيبها ابراهيم فمن المفترض كطبقات حاصلة على شهادات عليا و مثقفين بأن تكون علاقتهم ببعض مبنية على قناعة و دراية. و لكن فجأة نرى ابراهيم ينسحب من حياة جيهان باسلوب سريع و سوقي تاركا حتى دبلة خطوبته بيد مرجان ليسلمها الى خطيبته جيهان و ليثبت لها مرجان بأنه ناجح بشراء البشر بالرشوة..فشعرت و كأن هذا التفاعل بين الشخصيات غير مقنع اطلاقا و لا يتمتع بأي منطق درامي اطلاقا حتى بصيغة الفارس farce موضع نقاشنا. فكيف لنا ان نقتنع بأن ابراهيم يستطيع الاستغناء عن خطيبته الجميلة المثقفة لأجل بضعة دولارات كل آخر شهر؟ ألم تشعره هذا المعادلة بالألم؟ ألم يحب خطيبته؟ ليس هنالك انسان بهذه البشاعة مجرد من العواطف و الاحاسيس بمستوى الدكتور ابراهيم الثقافي فلاحظت هذا التناقض بهذه الشخصية. و رأيت في ردة فعل جيهان مراد حينما اخبرها مرجان بسفر خطيبها امرا غير منطقيا. فأخذت الدبلة و اكملت مواجهتها لمرجان و كأنها رجل آلي لم يصدمها الخبر اطلاقا...كنت اتمنى ان ارى قليلا من الدرامة العاطفية من ابراهيم و جيهان حتى و ان كان باسلوب ساخر قليلا.

-) حينما واجهت عالياء والدها بعد ان هاجمته لغشه بالامتحان رأيت هذا الامر يعالج باسلوب سريع و غير مقنع. فصدمة صفعة والدها لها كانت ثقيلة عليها لدرجة انها فقدت النطق ؟! و فجأة رأينا والدها يندم على فعلته معها. فبعد ان صلى و أمر حسن ببعض اعمال الخير على نية شفاء ابنته دخل غرفة علياء في المستشفى نادما على فعلته و تكلم معها كلام عاطفيا لتغفر له فعلته معها...و رأيناها تتعافى فورا بنفس اللحظة. بحقيقة الأمر هذه الحبكة كامت يجب ان تأخد مدى درامي اكبر من هذا بما ان المخرج و السيناريست قرر ان تفقد السخصية النطق و تصاب بالصدمة.

هذا العمل هو عامل كوميدي ناجح بكل مقياس مهني فخبرة ابطاله عادل امام و مرفت امين الدرامية ساعدت بتقديم هذه الشخصيات بصورة مقنعة و بعمقها الدرامي المناسب و العميق مما اضفى على العمل تميز جميل جدا و ساهم بنجاحه. و لعلني مسرور بأن هذه الاعمال اصبحت موجودة بارشيف السينما المصرية بالعمق و الغنى الدرامي الذي تقدمه و بتجربة اخراجها الناجحة و حيث انهة تقدم خبرة دسمة و تجربة ناجحة على صعيد اعداد السيناريوهات لاعمال الفارس المنيزة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات