لماذا تفشل الأحزاب في الأردن


أن التقييم حالة صحية مميزة تماما مثل الفحص الدوري لمن يهتم بصحته ويرمم كل الم أو خلل في بداية تشكله أو انتشاره، وإذا ما أردنا العودة إلى بداية الحياة الحزبية في الأردن وعلى وجه الخصوص منذ صدور قانون الأحزاب في العام 1989 م ، نجد أن الحالة الحزبية للأحزاب المحسوبة على المعارضة أو المتماهية مع خط الدولة كانت تعاني من قلة الحيلة الفكرية والبرامجية، وفقدانها أدوات الفعل المقبول لجميع الأطراف، واتسمت كل هذه الأحزاب بالمفارقة الآتية: إما وجود الفكرة وغياب الأداة أو العكس..

وكي لا نسمي الأحزاب السياسية بمسمياتها، وجدنا أن الأحزاب القومية العربية والأحزاب النضالية التي ولدت أفكارها من رحم خارج حدود الوطن قد حاولت جاهده التماهي مع التغيرات العالمية وخصوصا الشرق أوسطية، فما كان منها ومن عبقريتها إلا تغيير الاسم للحزب وحافظت على التكلس المتحور على فكرة أصبحت في الوقت الحاضر صعبة الاشتقاق أو التفريخ أو الولادة، لدرجة أنها أصبحت تدور في مدار مفرغ وتعيش حالة من الكساد السياسي لعدم قدرتها على تقديم نفسها بقوة البرنامج الواقعي وقابلية التطبيق، وسبب ذلك يعود إلى أن الأحزاب الأردنية واقصد التي رأت النور في مطلع تسعينيات القرن الماضي قد بنت خيمتها من الأطراف متناسيه أن واسط أو عامود الوسط هو حامل هذه الخيمة، وهم يعلمون أن مثل هذا النوع من التنظيم ربما يوفر الغطاء المالي ولكنه لا يلبي الطموح الجماهيري؛ تماما مثل من اتخذ من المنحدر دربا يسلكه لان السرعة اكبر ولكن إلى أين ؟ إلى القاع..

ومما نلحظه هو التمرد على الواقع وتجاهل التركيب الداخلي ومدى سلامته ومحاولة ترميم الخارج ولكن المضمون يفتقد إلى الصحة والقدرة على الانطلاق ، ومما يسجل على هذه الأحزاب التباهي بخنجر الجدود، وما علموا أن من أسباب ضياع أمه كاملة كأمة العرب هو التباكي تارة على أمجاد الماضي والتباهي تارة أخرى.. وهذا حسب الظرف حيث كان من الأولى والأجدى نفعا وديناميكية هو ولادة أمجاد الماضي التي تناسب الحاضر، لان من يستنسخ رجلاً كان موجوداً قبل 500سنه ومحاولة إسقاطه على الواقع سيصاب كل منهما بالصدمة والانفصام لان الفاصل الزمني لا يرحم ..

ومن حيث اعلم أن هناك نوعاً من الأحزاب الأردنية هو عملياً يشبه إلى حد بعيد المشيخة، إلا أن المتغير الوحيد هو تغيير اللباس التقليدي للشيخ والسماح لبعض الشيوخ ولو من عشائر أخرى الدخول إلى الحزب، ودخل مفهوم آخر للشيخ وهو من احتل موقع وزاريا أو تنفيذيا في الدولة أو صاحب مال ونفوذ شريطة أن لا يتجاوز هؤلاء جميعا الشيخ صاحب فكرة الابتكار والتهجين الجديدة، ويسجل على هذا النوع من الأحزاب والذي أصفه بالحداثة بالعمل الحزبي، انه قام بعمل كوكتيل من البرامج للأحزاب الأخرى التي سبقته، وما علم أن هذه البرامج قد أصابها الاهتراء ولا ينفع معها الترميم ، حيث أنها لم تكن فاعلة في زمن كانت مرجعياتها في أوج قوتها، فكيف بها بعد انهيار عمقها الاستراتيجي..

بل أن هنالك من أدمن فن استخدام الشعارات واللعب على عواطف الجماهير وخيباتها، وفي مسار آخر ينتظر الإشارة من الدولة للحصول على مكسب أو مغنم بمنصب أو زاوية، تماماً كمن يركب على حصانين "سينفلخ" قبل وصوله خط النهاية.

وهنالك من الأحزاب من أضاع من عمر الشباب الأردني ما يزيد على ست سنوات بشكل حقيقي ودقيق، حين ذهب بعيدا في الاحتفال بعرس الجيران الذي لم يكتب له النجاح، بدل أن يلتقط اللحظة ويبادر لتقديم البرنامج الذي يضمن لجميع الأطراف السلامة والتشاركية والاستمرار ..تماماً فعل ما فعله جحا بأهل القرية حين ابر على نفسه بأن ينزل جميع أهل القرية إلى النهر ، فقال لهم أن النهر يلقي عل ضفتيه الجبنة، فذهب أولهم وتأخر في البحث عن الجبنة، ولحق به آخر لضنه أن صاحبه وجد الجبنة، وتأخر هو الآخر، وهكذا دواليك إلى أن نزل الجميع وعادوا دون الجبنة!!!

أما النوع المختلف من الأحزاب اعتقد انه موجود بحزب المؤتمر الوطني، وأقول عنه دون تحيز وبصفتي المحايدة: أن هذا الحزب يستحق الوقوف والبحث والتأمل والتعمق - وكان لنا هذا - وسمحوا لنا بوقتهم وعلى حداثة هذا الحزب إلا انه يعد أنموذجا يبنى عليه، وإذا ما كتب له النجاح والذي نقول له: أن النجاح يولد من الداخل والفشل كذلك.. هذا النوع وجدناه يبني من الداخل ويستقطب من يحملون الفكر الطازج والذي تشكل مع تقلبات وتطورات المرحلة وعايشها بأدق تفاصيلها وأيقن غثها من سمينها وميز ما ينفع الناس من الزبد، انه حزب الهوية الوطنية الحضارية، حزب المدنية المحافظة، واقصد مدنية الإدارة للضرورة، وتعزيز الثوابت والقيم والأخلاق وتوحيد الحقوق والواجبات، واعتقد انه حزب عقل كل من يعيش في هذا الوطن ويحمل هويته وينتمي لترابه، ولمسنا أن كل من ينتمي لهذا الحزب لا يبحث عن نجاح الحزب وإنما نجاح الوطن بمكوناته الحقيقية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات