البِيرُوقْرَاطِيَّةُ فِي الإِدَارَةِ


تُعْتَبَرُ البِيرُوقْرَاطِيَّةَ مِنْ نَمَاذِجِ الإِدَارَةِ العَرِيقَةِ الَّتِي عٌرَفَتْ مُنْذُ قَرْنٍ مِنْ الزَّمَنِ عَلَى أَقَلَّ تقديرحيث صَاغت وَقْتَذَاكَ قَوَالِبُ ثَابِتَةٌ اُعْتُبِرَتْ الأَصلح فِي تَصْرِيفِ الأَعْمَالِ وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي حِينِهِ تُمَثِّلُ نَهْجًا إِدَارِيًّا يَسْتَحِقُّ الاِتِّبَاعَ لَا سِيَّمَا فِي المُؤَسَّسَاتِ الضَّخْمَةِ الَّتِي تَضُمُّ أَعْدَادًا كَبِيرَةً مِنْ العَامِلِينَ وَمُسَمَّيَاتٍ وَظِيفِيَّةً عَدِيدَةً لَكِنَّهَا اليَوْمَ أَضحَتْ فِي أَذْهَانِنَا تَرْتَبِطُ بِالتَّعْقِيدَاتِ المَكْتَبِيَّةِ وَكَثْرَةٍ الأَوْرَاقُ وَالطَّوَابِيرُ وَصَارَتْ تُوصَمُ بِأَنَّهَا مُرَادِفُ التَّعْقِيدِ لَا أَكْثَرُ.

أَبْسَطُ تَعْرِيفٍ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الإِدَارَةِ هُوَ "تَطْبِيقُ اللَّوَائِحِ وَالقَوَانِينِ بِالقُوَّةِ فِي المُجْتَمَعَاتِ المُنَظَّمَةِ وَتَعْتَمِدُ عَلَى الاِجْرَاءَاتِ المُوَحَّدَةُ وَتَوْزِيعُ المَسْؤُولِيَّاتِ بِطَرِيقَةٍ هرمِيَّةٍ" أَمَّا إِذَا نَزَعْنَا إِلَى التبسيط أكثر فَهِيَ "سُلْطَةُ المَكْتَبِ". عَلَى الرَغْمِ مِنْ ظُهُورِ أَشْكَالٍ جَدِيدَةٍ لِلإِدَارَةِ في وقت لاحق أَكْثَرَ تَطَوُّرًا وَأسرع ِإنْجَازًا وَتَحْقِيقًا لِلغَايَاتِ آلَّا أَنَّهُ كَمَا هُوَ الحَالُ فِي جَمِيعِ مَفَاصِلِ الحَيَاةِ لدينا فَالتَّغْيِيرِ دونه خرط القتاد بَلْ رُبَّمَا تَنْعَكِسُ بِنَا الحَالَ لِنَكْرُرْ أَنْفُسَنَا وَتَجَارِبَنَا آملين أَنْ نُصَادِفَ نَتَائِجَ مُغَايِرَةً.

يٌقال أَنَّ قَائِدًا عَسْكَرِيًّا زَارَ مُعَسْكَرًا فَوَجْدُهُمْ يَقُومُونَ بِبِنَاءٍ جَدِيدٍ فَأَقْترح أَنْ يَقُومَ أَحَدَ الجُنُودِ بِالوُقُوفِ عِنْدَهِ حَتَّى يَجِفُّ لِيَعُودَ القَائِدُ بَعْدَ أَعْوَامٍ إِلَى المُعَسْكَرِ نفسه وَيَجِدُ جُنْدِيًّا مُسَلَّحًا يَقِفُ إِلَى جَانِبِ البِنَاءِ فَيَسْأَلُ عَنْ الغَرَضِ مِنْ ذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَهَا "أوَامِرُكَ سَيِّدِي"!. المُؤَسَّسَاتُ َالَّتِي تَضُمُّ أَعْدَادًا كبيرة مِنْ العَامِلِينَ بِمُسَمَّيَاتٍ وَظِيفِيَّةٍ كَثِيرَةٍ تَلْجَأُ إِلَى اِسْتِخْدَامِ هَذَا النَّهْجِ مِنْ الإِدَارَةِ رغبة في ركوب السهل حيث تَضْمَنُ البيرواقطية تَحْدِيدَ الأَدْوَارِ وَالمَسْئُولِيَّاتِ وَالقِيَامَ بِالوَاجِبَاتِ بِقُوَّةِ القَانُونِ دُونَ هَوَادَةٍ أَوْ مُرُونَةٍ ودون الْتِفَاتُ إِلَى آيَةٌ اِعْتِبَارَاتٌ لَا تَرْتَبِطُ بِأَهْدَافِ المُؤَسَّسَةِ المَعْزُولَةُ تَمَامًا عَنْ حَيَاةٍ وَخُصُوصِيَّاتِ العَامِلِينَ بِهَا.

يَجْدُرُ فِي أَيَّةُ مُؤَسَّسَةٌ أَنْ تَسْعَى إِلَى التَّطْوِيرِ بِاِسْتِخْدَامِ أَدَوَاتٍ تَتَّسِمُ بِالمُرُونَةِ وَتَبْسِيطِ الإِجْرَاءَاتِ وَالمُشَارَكَةِ فِي صُنْعِ القَرَارِ لكننا نَجِدُّ غَالِبًا أَنَّ مُعْظَمَ المُؤَسَّسَاتِ مَا زَالَتْ تنزع إلى المُغَالَاةِ فِي تَطْبِيقٍ اللَّوَائِحُ وَالقَوَانِينُ مِنْ خِلَالِ اِتِّبَاعِ سِيَاسَةِ الجُمُودِ والروتين وَتَتْبَعُ سِيَاسَةَ الأَبْوَابِ المُغْلَقَةَ وَهَذَا بُدُورُهُ يَدْفَعُ لِنُمُوِّ جَمَاعَاتٍ وَعَلَاقَاتٍ سِرِّيَّةٍ مُوَازِيَةٍ غَيْرِ رَسْمِيَّةٍ تُؤَثِّرُ سَلْبًا فِي اِتِّخَاذِ القَرَارِ.

فِي الوَقْتِ الَّذِي قَدَّمْتَ فِيهِ البِيرُوقْرَاطِيَّةَ نَهْجًا إِدَارِيًّا حَقَّقَ نَجَاحًا فِي وَقْتِهِ فَإِنْ العُيُوبُ طفت سريعا على السَّطْحِ من خلال التَّجْرِبَةِ وَالتَّطْبِيقِ حَيْثُ تبين أن هذا النَّهْجُ فِي الإِدَارَةِ مُعَاكِسًا تَمَامًا لِلنَّهْجِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ فهوَيَتَشبث بِهَرَمِيَّةِ السُّلْطَةِ مِمَّا يُفْضِي إِلَى سُوءِ اِسْتِخْدَامِهَا وَيصر عَلَى تَنْفِيذِ اللَّوَائِحِ ضِمْنَ أُطُرٍ كِتَابِيَّةٍ تُهْدِرُ الكَثِيرَ مِنْ المِسَاحَةِ وَالوَقْتِ وَالمَالِ وَيَتَغَاضَى عَنْ الاِحْتِيَاجَاتِ وَالمَشَاعِرِ الشَّخْصِيَّةِ وَفِي النَّتِيجَةِ فَإِنَّ الاِلْتِزَامُ الصَّارِمُ بِاللَّوَائِحِ يُصْبِحُ هَدَفًا مَقْصُودًا لَذَّاتُهُ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ يَقْتُلُ رُوحَ المُبَادَرَةِ وَالإِبْدَاعِ مِمَّا يُوَدِّي بِرُؤْيَةٍ وَرِسَالَةِ المُؤَسَّسَةِ إِلَى المَجْهُولِ.

أتسأل دائماً لِمَ لم يُوجَدُ لدينا نموذج عَرَبِيٌّ أَوْ إِسْلَامِي فِي الإِدَارَةِ كَمَا النموذج اليَابَانِيُّ شَرْقًا آْوِ الأَلْمَانِيَّ غَرْبًا عَلِمَا بِأننَا نَمْتَلِكُ الإِطَارَ الدِّينِيَّ وَالقيمي وَالأَخْلَاقِيُّ الَّذِي يُمَجِّدُ العَمَلَ وَالعُمَّالُ وَيُكَرَّمُ العِلْمُ وَالعُلَمَاءُ وَيُحَثُّ عَلَى الإِجَادَةِ وَالإِتْقَانِ لِبِنَاءِ نَمُوذَجٍ إِدَارِيٍّ رَاقٍ. أَخْشَى اليَوْمَ أَنَّ نَّهْجِنا العَرَبِيِّ فِي الإِدَارَةِ بات يقبع فِي ظل ثَلَاث "عينات"عنجهية وعنصرية وَعَصًا غَلِيظَةٌ مدعوما –طبعا- بشلة المُحِيطَيْنِ مِنْ المُنَافِقِينَ ودفعا لتُهْمَةِ التَّشَدُّدِ نُقُولٌ "إِلَّا مِنْ رَحِمِ رَبِّي".



تعليقات القراء

*******
شركة هندية تُهدي موظفيها شققا و سيارات و مجوهرات مكافأة لهم على جهودهم المبذولة
29-10-2016 07:18 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات