رسالة إلى دولة رئيس الوزراء .. من يمول التعليم التقني في الأردن؟؟


دولة الرئيس .... أخاطبك كمواطن وأكاديمي ومتابع لوضع التعليم التقني في بلدنا منذ ثمانينيات القرن الماضي، لأنك صاحب الولاية لتنفيذ رؤى صاحب الجلالة في تنمية الموارد البشرية التي هي رأس مال هذا البلد وبالذات في مجال التعليم التقني، وأخاطبك لان الموضوع لا يحتمل التسويف، إن كنا نحمل الإرادة الفعلية لتطوير التعليم وبالذات التعليم التقني الذي هو الرافعة الأساسية للنمو البشري والاقتصادي الذي نريد إلى جانب التعليم المهني والهندسي، في ظل تخمة وإشباع في مجال التعليم الجامعي.

كتبت في هذا الموضوع كثيراً، ولن أكل أو أمل عن متابعة الكتابة لعل الصوت يصل لمسامعكم ، بعد أن بقي الموضوع عبر السنين، مجالا للتنظير للمسؤولين في بلدي، الكل يتحدث عن التعليم التقني، من يعرف ومن لا يعرف، ونسمع جعجعة ولا نرى طحنا، والموضوع بشكل مبسط جدا، من يمول التعليم التقني في الأردن؟ إذا عرفنا أن المشكلة الأساسية في عدم تطور التعليم التقني هو نقص التمويل حد التقتير، والذي لا يصنع بأي حال من الأحوال تعليما تقنيا، يلبي متطلبات العصر، ويخرج فنيين أو تقنيين بسوية وكفايات متقدمة يطلبها سوق العمل المتطور تكنولوجيا، صحيح أننا غير منتجين للتكنولوجيا ونتمنى أن نصبح منتجين لها، لكننا مستخدمين للتكنولوجيا المتقدمة، وفي شتى المجالات، وهذا يتطلب توفر أيدي عاملة تقنية بكفاءة عالية تلبي متطلبات سوق العمل الحديث.

التاريخ يقول أننا بدأنا أقوياء في مجال التعليم التقني ، ونذكر جميعا قصص النجاح لمعهد البوليتكنيك (كلية الهندسة التكنولوجية التابعة حاليا لجامعة البلقاء التطبيقية) وبولتكنيك الحصن (كلية الحصن الجامعية التابعة حاليا لجامعة البلقاء التطبيقية)، وبولتكنيك الطفيلة (جامعة الطفيلة التقنية حاليا)، وكانت هذه المعاهد تخرج تقنيين فعليين بعد دراسة 3 سنوات، واثبت خريجو هذه المعاهد كفاءتهم في جميع مواقع العمل المحلية والإقليمية إلى حينه، وكانت هذه المعاهد تتبع في حينه لوزارة التربية والتعليم، وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي اتبعت لوزارة التعليم العالي تارة وتارة لمجلس التعليم العالي، وكانت تمول كليا من الحكومة، حيث كان غالبية الطلبة مبتعثين لهذه المعاهد،

بعد ذلك تم إتباع هذه الكليات إلى جامعة البلقاء التطبيقية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومن يومها رفعت الدولة الأردنية يدها عن تمويل التعليم التقني، وأوكلت المهمة لجامعة البلقاء التطبيقية، ولما كانت كلفة هذا النوع من التعليم مرتفعة جدا، وما يدفعه الطلبة من رسوم لا يغطي بأحسن الأحوال 3% من الكلفة الحقيقية للتعليم التقني، والذي تشير الدراسات إلى أن كلفته تتراوح بين 8-14 ضعف التعليم العام والتعليم الأكاديمي غير التطبيقي، ولان جامعة البلقاء هي جامعة تعنى بالتعليم التقني والجامعي في نص الإرادة الملكية السامية لإنشائها وفي قانونها أيضا، بدأت الجامعة فتح تخصصات جامعية في كلياتها المنتشرة على مساحة الوطن من شماله إلى جنوبه حيث عمل هذا الإجراء على مساعدة الجامعة في تحمل نفقات التعليم التقني الباهظة، إلا أن الموضوع وصل حد التقتير، وأصبح التعليم التقني في أدنى مستوياته، لعدم وجود التمويل الكافي في الجامعة لتحديث المختبرات والمشاغل، وتدريب المدربين وتأهيلهم خارجيا، لاكتساب خبرات عالمية، وأيضا وقوف الحكومات المتعاقبة موقف المتفرج وترك جامعة البلقاء لقدرها، واقتصار الدعم الحكومي على دعم محدود جدا مثلها مثل بقية الجامعات الحكومية، دون أدنى مراعاة الخصوصية الجامعة وإدارتها لملف التعليم التقني على المستوى الوطني،

من خلال انتقال جميع الكليات الحكومية وكوادرها لملاك الجامعة، وأيضا إشراف الجامعة الفني والأكاديمي على الكليات الخاصة والحكومية وغيرها.

وفي السنوات الأخيرة وصل الأمر إلى حد لا يمكن معه تقديم تعليم تقني وتخريج اطر تقنية بالمستوى المأمول لأن جامعة البلقاء تعاني من مديونية تراكمية كبيرة جدا، إذا علمنا أن صناديق الجامعة، الادخار ونهاية الخدمة وغيرها أصبحت فارغة واستنزفت، وان الجامعة مدينة ملايين الدنانير للضمان الاجتماعي، ولا ننسى العجز الكبير في موازنة التامين الصحي الذي تتكبده الجامعة سنويا، وكل ذلك لان الجامعة مطلوب منها سنويا دعم التعليم التقني بما لا يقل عن 17 مليون دينار، لا تدفع الحكومة فلس واحد منها، ولا يوجد لحينه أي دعم من قبل الحكومة أو من الجهات الداعمة، خاص بالتعليم التقني! من هنا مطلوب من دولة الرئيس وحكومتنا توفير دعم سنوي خاص فقط بالتعليم التقني، لتستمر الجامعة في أداء رسالتها، ولا ننسى أن دعم التعليم التقني وتطويره وتطوير نظرة المجتمع له للوصول إلى النسب العالية للملتحقين بالتعليم التقني من خريجي الثانوية العامة والتي تصل فوق 45% من في بعض الدول المتقدمة، ويكفينا مرحليا الخروج من دائرة النسب المتدنية للملتحقين في التعليم التقني في بلدنا والتي لا تتجاوز فعليا 4% من خريجي الثانوية العامة،

ولا ننسى سياسات التعليم العالي ومعدلات القبول، وتنظيم سوق العمل وتنظيم الموارد البشرية على الصعيد الوطني وغير ذلك من معضلات وعقبات التطور للتعليم التقني في بلدنا.

ولمن لا يعرف فالتعليم التقني أو الفني هو مرحلة تعليمية مهمة مخرجاتها من الفنيين المؤهلين هم عماد الصناعة والإنتاج وبالتالي رافعة للاقتصاد في كل البلدان المتقدمة، والبلدان المتقدمة اهتمت بهذا النوع من التعليم لأنه أساس للتقدم الصناعي والاقتصادي، ويحضرني ما قرأت في خطاب الرئيس الأمريكي، عندما غزت أمريكا القمر وهبط نيل ارمسترونق على سطح القمر وكان التنافس على أشده بين القوتين العظميين في حينه كان ذلك مصدر فخر للأمة الأمريكية وجاب (نيل ارمسترونق) الولايات الأمريكية واحتفى به الشعب الأمريكي كبطل قومي وقف الرئيس الأمريكي في حينه وخطب قائلا ( وراء هذا الانجاز مجموعة من المهندسين والفنيين وهم الأبطال الحقيقيون) وأعاد الفضل إلى أهله، ونحن في الأردن من أوائل الدول العربية في مجال التعليم التقني ولنسأل أنفسنا، من يدير كل هذه الحركة الصناعية والإنتاجية في بلدنا في مجال المنتجات والخدمات؟

ونحن في البدايات كنا عندما نستورد الآلات أو الأجهزة يأتي خبير أجنبي معها ليشغلها ويشرف عليها، واليوم اجزم انه لا يوجد أجنبي واحد يعمل في هذا القطاع في الاردن بفضل جيوش من الفنيين والتقنيين خريجو الكليات التقنية في الأردن، ولا ننسى الاف الفنيين الاردنيين العاملين في دول الخليج والدول الأخرى، وما أريد أن أوضحه واسأل عنه كل من يبدي غيرة على التعليم التقني ويريد له ان يكون الأفضل بحسن أو سوء نية، آسفا أن أقول ذلك، لأنه في السنوات الماضية كانت هنالك هجمة شرسة من ثلة من أباطرة التعليم الخاص الربحي في الأردن على دور جامعة البلقاء التطبيقية التي تعمل بصمت في تطوير التعليم التقني وتتحمل وحيدة عبئه ونحن نعرف انه تعليم مكلف جدا يرهق الحكومات لا جامعة منفردة كجامعة البلقاء، اسأل كل من يهمه أمر التعليم التقني ويشبعنا تنظيرا بأهميته، هل سألتم أنفسكم من يمول التعليم التقني في الأردن؟ وما هو مصدر تمويله ؟ الإجابة بسيطة ومتاحة لكل من يريد، جامعة البلقاء التطبيقية تقوم بذلك نيابة عن ميزانية الدولة الأردنية من خلال اجتهادها والسياسات التقشفية والبرامج الجامعية في ظل واقع شح الدعم الحكومي المقدم لها لا بل حجبه كليا في بعض السنوات وهذا ما أثقل كاهلها حالياً.

من هنا اسأل وبكل تجرد لماذا يحمل عبء دعم وتمويل التعليم التقني على جامعة البلقاء التطبيقية إذا علمنا أن القيم النقدية للكلفة السنوية للتعليم التقني فقط تقترب من 20 مليون دينار، والدخل المتأتي منه لا يتجاوز 3% مما يصرف عليه كما أسلفت،والتعليم التقني أيضا يجب أن لا يكون مسؤولية حكومية فقط بل يجب ان يساهم به القطاع الخاص الذي يحصل على كوادر فنية مدربة دون كلفه، لذا يجب أن توضع تشريعات تعمل بصورة أو أخرى على إشراك القطاع الخاص وتحمله جزء من دعم التعليم التقني وقد لا يكون ذلك بالتشريع فقط بل بالتشاركية المصلحية.

وأما بالنسبة للدعم الحكومي السنوي للجامعات، فيجب أن لا تعامل جامعة البلقاء التطبيقية كغيرها من الجامعات الأردنية الرسمية حيث يتوجب أن تأخذ خصوصيتها ومسؤوليتها عن التعليم التقني وتمويله بعين الاعتبار، وان يكون دعم جامعة البلقاء من ناحيتين الأولى دعم الجامعة وبرامجها الجامعية التطبيقية وبقيمة تتناسب مع أعداد طلبتها الكبير بالمقارنة مع الجامعات الأردنية الأخرى، والناحية الثانية أن يكون هنالك دعم منفصل حقيقي ومدروس موجه للتعليم التقني الموجود فعلا والمتطور والذي يخضع سنويا إلى دراسات علمية في طرح وتعليق تخصصاته وخططه بما يتناسب والتطور التكنولوجي وحاجات سوق العمل المحلي والإقليمي، ولكن ما ينقصه تمويل سخي للنهضة به إلى مستويات عالمية متقدمة، إذا علمنا أن الجامعة تمارس ذلك فعلا من خلال شراكات عالمية ولكن الطموح دائما اكبر، وإذا علمنا أيضا أن الجامعة تزخر بخبرات هندسية وتقنية على سوية عالية، ما ينقصنا فقط تمويل سخي لجامعة البلقاء التطبيقية مخصص حصرا للتعليم التقني، لتتابع دورها في تزويد سوق العمل بتقنيين وفنيين على سوية عالية تواكب متطلبات سوق العمل والتطور التكنولوجي المتسارع لان التعليم التقني ومخرجاته في النهاية حجر الأساس الذي يشكل النقلة النوعية والرافعة الحقيقية لاقتصاديات الدول، ولنا في تجارب الدول المتقدمة والأسيوية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة في هذا المجال خير مثال لمن أراد لهذا البلد أن يتقدم.

دولة الرئيس، حكومتنا الرشيدة، التعليم التقني في جامعة البلقاء التطبيقية جامعة الوطن، ينتظر الدعم العاجل والسخي لتتمكن الجامعة من إعادة الألق للتعليم التقني، بما يساهم في حل الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأهمها نسب البطالة العالية التي تواجه الشباب الأردني، وبما يساهم بشكل فاعل في تقدم بلدنا والخروج من عنق الزجاجة الذي نراوح فيه منذ سنين، فهل تستجيب دولتكم؟... ليسجل لكم التاريخ ذلك!.....حمى الله الأردن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات