امنعوها وكسروا أدواتها


أعشق الكتابة, نثرا شعرا الما ثورة حبا غزلا اغتيالا...للفاسدين, وأحمل للوطن حبا لا تحمله جبال (الألب), وأحمل هم الأرادنة مثلهم جميعا, حقا لا مزاودا, ولكنني ضبطت نفسي منذ أشهر, مقصرا بحق القلم ورسالته النبيلة وبحق مواطننا الغلبان وهمومه, ومتخلفا عن كتابة نص واحد يقع بأكثر من ثلاثة سطور كاملة.

وبالعودة لشريط الزمن والأحداث والمواطنة الصالحة, وجدت انني كلما هممت بالكتابة بموضوع ما, يقطع اندفاعي أمرا قضائيا بمنع الكتابة بالموضوع الذي غالبا يكون ذلك الذي بدأته, فيدرك شهريار الصباح ويصيب القلم الكساح فنتوقف عن الكتابة والصياح.

الأحداث كثيرة والهموم كثيرة والفساد أكثر من الهم على القلب, وكلما أقلعت من مطار الجمود والصمت, للتحليق في سماء المصلحة الوطنية ورسالة القلم النبيلة, أعود الى هبوط اضطراري سريع, وبفعل القانون وصلاحية المواطنة, في مطار الشيطان الأخرس, الذي يبتلع لسانه وحبر قلمه, لئلا يتلعثم او يغص بريق غضبه وشجون اضطرابه.

من ذهب عجلون الى النسور والملقي والانتخابات والتزوير وقصة الصناديق السوداء التي ما زلنا نبحث عنها بعد السقوط المدوي لطائرة الثامن عشر قبل ان تقلع, الى اغتيال الفكر والمفكرين على أدراج العدل وقصره, الى المناهج والتحريف المتعمد وغيرها من الموضوعات التي قد تعجز دول الاتحاد الأوروبي, توقفت عن الكتابة بها, أو كدت فعل ذلك, لأنني أعتبر نفسي من المواطنين الصالحين الذين يسمعون النصيحة ويذعنون للكبار الفهمانين الذين يعرفون مصلحتنا اكثر منا, من أصحاب دولة ومعالي وسعادة وعطوفة وسماحة ونيافة وسادة وسيدات من حملة الصولة والصولجان ومن يشهر بوجهنا السبابة والبنان.

سألني صديق, جادا: يا رجل...شو وين مقالاتك, زمان ما قريتلك جديد؟ فضحكت ولم أجب, وأعتقد أن محدثي قد فهم جوابي, وصمت, ولم يلح علي بالسؤال.

اليوم أعتقد انني سأحاول عطي إجابة هذا الصديق على سؤاله, مع شكري له على صبره الحليم. وغيره ربما عشرات الأصدقاء الذي يتساءلون دون سؤال.

منذ سنوات خلت, ونحن نكتب بما وفقنا الله اليه وما أعتقده بالفعل مصلحة الوطن والمواطن وأملاه علئ ضميري ولسان حال الضعفاء الأشقياء من أبناء وطني, الخائفين مثلي على الأردن ومصيره وما يتهدده من مؤامرات دولية واقليمية خطيرة, وكان جل ما كتبت, ينصب على خوفي على الهوية الوطنية الأردنية, والكيان الاردني واستقلاله والأخطار الداهمة المبحلقة من خلف الحدود ومن داخلها, وحال الاقتصاد الأردني المتردي الى درجة ما قبل (الكولابس) بدقائق, وما يتبع ذلك من ضعف القدرة الشرائية للعملة الوطنية وفقدانها معظم قيمتها, حتى ان المواطن قد أصبح لا يجد ما يسد به رمق أولاده بمردوده الشهري القليل أصلا, ناهيك عن علاج وتعليم وسكن ومواصلات وزيارة نفساء او مطْهور, وغيره.

طوفان اللجوء ومشاعية الوطن والحدود المشرعة على الشمالي وكل اتجاه, والأخطار الأمنية الحقيقية التي رافقت قوافله المستديمة, والذي شكل لمواطننا, عبئا ثقيلا لم تحتمله اوروبا ولا قارات أخرى غيرها, فحملنا الأمانة وأثقلنا بها على من لا يستر عورتهم من أهلنا, سوى ورقة توت الكرامة وعزة النفس, ودشداشة العشق اللامحدود لهذا الأردن الأغلى. ودفعنا بسببه اثمانا باهضة كان أغلاها, دم الشهداء المرابطين على الحدود, خارجها وداخلها, من أبناء مؤسساتنا الوطنية العسكرية والأمنية العزيزة.

وتهديدات الأشقاء والأصدقاء والأعداء على حد سواء ومن كل صوب, والوطن الذي لا ينفك دواليك, يصبح مادة لهذا التهديد, والبديل والأصيل والكونفيدرالية والفيدرالية وما بينهما, وجعجعة التّفه من أصحاب الحقوق المنقوصة ونواب الغفلة والخمسين, والمزدوجية والمناصب برأسين او جنسيتين.

والفساد والفاسدون, والدخلاء والمتسلقون, وتجار الأوطان والحالبون, وأصحاب الشعارات والمسحجون, وغيرهم كثيرون, وبالأسماء والمسميات والحيثيات, كانوا ذات مرة, مادة للكتابة والتحري والنشر, ولكن سيف المنع كان أسرع وسلطان التهديد بالقانون, كان أقوى وأسطع.

لا بترول ولا ذهب ولا يورانيوم ولا نحاس ولا سيليكا ولا غاز ولا حتى (عكوب وخبيزة او جلتون), في وطني, هذه هو ما يدعون عن مواردنا, كلها أصبحت موارد مهاجرة لم يعجبها بطن الأرض الأردنية, فتجمد الدم بالبترول فأصبح صخرا زيتيا, وهرب بعضه الى نصف البحر الميت الذي ليس لنا عليه سلطان, فتفجر سيله هناك بين يدي أبناء العم, فكذبناهم والله يعلم انهم بهذه, من الصادقين.

وعندما نقول أنهم يكذبون, ويخادعون, ويجوّعون قصدا, فإما يصمتون, او يعودون الى لهجة التهديد والوعيد وأمن الدولة وقصة الأمن والأمان.

أكداس من السلاح, لو ملكها محمد الصغير, لما ضاعت غرناطة, وجبال من المخدرات لو أودعتها المحيطات, لرأيت الحيتان والسردين وشعب المرجان تربط الوسط وترقص, او تموت بجرعة زائدة, وأكداس من السيارات لو وزعتها بين القطبين لخلقت أزمات تخنق الهواء, وقهاوي للخرمنجية والحبوب المهلوسة ملأت أفاق الوطن ولوثت المجتمع, ووزير يخلف وزيرا, ومدير يخرج من صلبه مديرا.

واستهداف للعشائر ومكونات رئيسة من مكونات الوطن لا يستقيم معه أمر, ولا يهدأ به بال او حال.

وبحر من القضايا الوطنية والهموم المواطنية, تثقل اللسان والفكر والضمير, تشكل جبالا نطل من قممها على الوطن المهدد الخائف ومواطنه المشتت الذي أصبح به غريبا, اتوقف الآن عن تعدادها مجتمعة بهذه العجالة, وأكتفي بهذا القدر, مستغفرا الله لي ولكم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات