متى يكف المشككون


نظّم مركز القدس للدراسات السياسية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية أمس السبت 13/8/2016م في فندق لاند مارك بعمان مؤتمرًا بعنوان ( التعليم الديني ودوره في محاربة التطرف ) وكانت الجلسات الثلاث غير الجلسة الإفتتاحية تحمل العنوان نفسه ، ولكن الجلسة الأولى بحثت الحالة الأردنية ، والثانية المصرية ، والثالثة المغربية والتونسية ، وحضر المؤتمر عددٌ من الضيوف من خارج الأردن من مصر واليمن والمغرب وتونس فضلًا عن عددٍ من الوزراء والشخصيات الأردنية ، وانصب الكلام عن المناهج وتطويرها وأثرها في صناعة التطرف والإرهاب ومما لفت انتباهي في هذا المؤتمر أنه لم يظهر على منصة المتحدثين أي شخص مختص بالمناهج التعليمية،لا سيما أن كلمات عددٍ من الحضور كانت منصبةً عن الكلام في المناهج الدراسية وأثرها في صناعة التطرف .

وبرغم كيل الاتهامات بدون حسيب ولا رقيب للمناهج الدينية في التعليم المدرسي والجامعي إلا أنه لم يطرح أي دراسة أو دليل يثبت ارتباط مخرجات التعليم الديني بالتطرف، بل الواقع أن قيادات محاربة التطرف الأمنية والسياسية والدينية والإعلامية هي نتاج هذه المناهج الدينية المنتقدة! والأعجب أن المناهج الدينية القائمة في بلادنا تهاجم من قبل المتطرفين الدواعش ومن قبل العلمانيين الدواعش!

أيضا كان ملفتًا اقتصار المشاركة بتقديم الأوراق على لون فكري واحد خاصة في المتحدثين وهو التيار الناقم على الفكر الاسلامي المعاصر سواء كان علمانيا أو من خلفية إسلامية برغم أن المنظمين ومقدمي الأوراق يتهمون الفكر الإسلامي بالإقصائية والأحادية ونبذ تقبل الآخر!

وكان المتحدثون من الأردن د. عامر الحافي ، ود. نارت قاخون ، وهم يمثلون وجهة نظر مشتركة وغاب الطرف الآخر! ولقد اتسمت ورقة د. عامر الحافي بعدم الموضوعيةلأمور أجملها في النقاط التالية :

1- تغييب الحقائق أو تزييفها ومن ذلك انتقاده للخطاب الديني انتقادًا يعتريه التعميم تارةً والمغالطة تارةً أخرى ، كما كال التهم للشرعيين من دكاترة الجامعات ومؤلفي المناهج ، وضرب أمثلةً عديدةً من كتاب الثقافة الإسلامية الذي يدرّس في الجامعة الأردنية ، وأنه ومؤلفيه يعمقان أحادية الجانب ، والمقدّس الذي لا يمس ،وأن لديهم خطاباًداعشياً داخلياً مع الطلبة وتعميقاً للنزعة العنصرية ، وأن الكلام في موضوع الجهاد في الكتاب يعمق النزعة الصراعية وأنه ناقش رئيس قسم الشريعة فيها ليحكم د. الحافي عليه أنه لا يعرف الأصول والضوابط مع أنه رئيس القسم لأنه يقول أن السنة كلها وحي من الله تعالى ، ثم ختم كلامه بالتزييف لبعض الأمور فذكر أن كتاب الثقافة يذكر صكوك الغفران والإقطاعيات إبان القرون الوسطى فيشوه صورة الآخرين دون المقارنة بحال المسلمين ، وقال كيف يقال إرهاب محمود فهل توجد دعارة محمودة ، وأن القول بوجود مسيحية محرفة يناقض الوطنية ، ولقد حمل كلامه في طياته كثيرًا من البعد عن الصواب مع التجنّي على أجيالٍ كثيرةٍ نهلت على يد هؤلاء العلماء الذين شاب عدد منهم في خدمة دينه ووطنه وتخرجت أفواجٌ كثيرةٌ درست هذا الكتاب بعينه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما ، تخرّج منهم الأطباء والمهندسون والقادة الأمنيون بناة الوطن ووزراؤه وحماته لقد أشار د. نارت إلى شدة إقبال الطلبة من الكليات المختلفة على مواد الثقافة و اكتظاظ شعبها حتى وإن كانت اختيارية فهل نتاج هذه السنوات الطويلة لهذه المادة وما شابهها هو التطرف الداعشي الذي ظهر حديثًا ، أم أنها جناية على هذه الأجيال ومعلميها، بل وعلى مؤسساتها التعليمية الأردنية عمومًا ، لقد زيف الحقيقة حينما قال أن الكتاب ذكر صكوك الغفران أثناء المقارنة بالإسلامبينما ذكرها جاء لبيان سبب ثورة الغرب عمومًا على الدين ، فلقد قامت الثورة الفرنسية بسبب فساد الكنيسة والملوك الإقطاعيين وكانت الكنيسة تحارب العلم وتقتل أصحاب النظريات العلمية ليختار الناس بسبب ذلك ترك الدين بالكلية ، فغير د. الحافي مساق الكلام وأشعر أنه في سياق مقارنة الإسلام بالمسيحية وليس الأمر كذلك .

2- استدل أن داعش أخذت فتوى الشيخ ابن عثيمين في قضية معينة على أن هذه المرجعيات الدينية سبب للتطرف ونشره ، وفي هذا الكلام جورٌ على هذه المرجعيات ،فابن عثيمين مات قبل ظهور داعش، ثم إن داعش يستدلون بالكتاب والسنة فالأولى أن يقال إذاً أنهما مصدر للتطرف ، إن حقيقة الإشكال مع هذه الجماعات المتطرفة في كيفية فهم النصوص وضبطها وفهمها بالقواعد والضوابط العلمية دون اجتزاء او تحميل النصوص مالا تحتمل وكذلك فتاوى هؤلاء العلماء ، يسيئون فهمها وتنزيلها على الوقائع.

3- استدل على تغير خارطةالتدين في الأردن سلبًا مما يدل على وجود التطرف باختفاء التسبيح الجماعي بصوت مرتفع أعقاب الصلوات وبعدم قنوت الأئمة في صلاة الفجر،وهذه الأمثلة التي ذكرها تدل على سطحية الفهم للثوابت الشرعية والخلافيات ، وإن كان يقصد أن ذلك مؤشرٌ فقط فكيف يطالب بتجديد الخطاب الديني وتغيير المناهج مع تشبثه بالتمسك بهذه الفرعيات اليسيرة ويعدها مؤشرًا لتدق نواقيس الخطر وكيف يدعو بعد ذلك لعدم الأحادية في التفكير وهو لا يستطيع احتمال أقل الخلافيات الفقهية التي ملأت كتب الفقه والتي تربى أصغر طلاب الشريعة في جامعاتنا على تفهمها واحترام تعدد آراء قائليها .

4- لقد جعل الباحث كلمة ارهاب مساوية لكلمة دعارة في أن كلًا منهما لا تحمل إلا المعاني السيئة وهذا من العجب العجاب ، فالدولة لا بد أن ترهب المجرمين والخارجين عن القانون لتحافظ على المجتمعات ومقدرات البلاد وهذا ارهابٌ محمودٌ تحفظ به الأنفس وتتقدم به عجلة التنمية ، أما الدعارة فلا تحمل إلا معنىً واحداً مذمومًا معلومًا.

5- لقد قال الله في كتابه " ولقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تمتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا فبئس ما يشترون " آل عمران 187 ، ليست المشكلة فقط في أن د. الحافي يريد من أهل الإسلام تكذيب نصوص القرآن لكن المشكلة أن يصير اشهار هذا الأمر يخالف الوطنية و ينزع للطائفية ، لقد عاش غير المسلمين في ظل الإسلام أحسن عيش على مدى قرون وهم يقولون بوجود مسيحية محرفة ، إن هذه العبارات من الدكتور تشعر أن المراد الغاء الإسلام وثوابته بصورة متطرفة بلا حدود، بل في طياته نزعة للطائفية المقيتة .

6- لقد زيف د. الحافي الحقائق إذ ذكر أن المساجد لا تفجّر ومع هذا تفجّر خمسة عشر كنيسةً في يوم واحد في مصر ، فليقل لنا بربه من فجّر المساجد في بورما وأحرق أهلها وباع بعضهم عبيدًا ، من فجّر المساجد في إفريقيا الوسطى والصين وكم هدمت وحرقت مساجد على يد البوذيين والهندوس ، وما اعتداءات اليهود المتكررة على المسجد الأقصى بخافية، وهو يعلم أن تفجير الكنائس في مصر كان قضية سياسية محضة ليس للإسلاميين فيها يد لكن هذا الأمر دل أن الدكتور كان يمضي في طريق التهمة العالمية لكل اسلامي وحصر التطرف في الإسلام وأهله .

و أخيرا فإن المؤتمرات الكثيرة لم تضبط مفهومًا واضحًا للتطرف فقد يكون عند بعض الناس مجرد التدين تطرفًا فقد أشار الأستاذ أبو هنية وكان من الحضور أن بعض الغربيين يرى رسالة عمان رسالةً متطرفةً، وأشار اللواء شريف العمري مدير مديرية مكافحة التطرف أنه أدى الصلاة في بعض البلاد الأوروبية فتعجبوا كيف يصلي وهو يكافح التطرف ، إن وضع معيار للتطرف تقاس به هذه المناهج وفي أي شيء تطرفت غير موجود ، بل إن الدراسات العلمية التي تثبت أن المناهج في بلادنا سبب للتطرف غير موجودة ، إن الحل الأنجع للتطرف ينبع من توسيع وزيادة الجرعة الشرعية وتعميق فهم الدين وبثه في المناهج ، لا بتقليصه ومحاربته ، فقد أثبتت الدراسات وواقع قيادات جماعات التكفير أن بعدهم عن العلم الشرعي والفهم العميق له هو سبب التطرف ، إن الطالب ليس مخرجًا للمدرسة و الجامعة فقط بل الأسرة والرفاق والمجتمع ووسائل الإعلام ، والأوضاع الإقتصادية ، والاجتماعية ، وغيرها فلماذا تتهم المناهج والخطاب الديني ويغفل غيره ، وكم من أصحاب الجرائم الجنائية والمخدرات وهم أضعاف المتهمين بالإرهاب ممن درس المناهج ذاتها فلماذا لا يقال المناهج سبب الجرائم والمخدرات ولم نسمع هذا القول من أحد .

إن الحقيقة الناصعة أن التطرف ليس مرتبطًا بدين بل هو ظاهرةٌ مرضيةٌ وليس مرتبطًا بالإسلام على وجه الخصوص فانظر إلى تيارات العنف المسلح داخل التيارات التقدمية واليسارية في زمانها ، وانظرللعنف حتى داخل الكنيسة بالآباء الحمر في السلفادور، والجيش السري الكاثوليكي في أيرلاندا ، وأبشع صور القتل والحرق للمسلمين في بورما .

إن أكثر ضحايا التطرف الذي يلصق بالإسلام اليوم هم المسلمون ، فمتى يكف المشككون في هوية المسلمين وثوابت دينهم وبقية الخير الموجود في بعض مصلحيهم ومناهجهم .





تعليقات القراء

ابو العبد.
يكف المشككون عندما يكف المسحجوووون
15-08-2016 03:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات