الله محبة


كنّا نقطن جبل الأشرفية حين وعيت على الأشياء من حولي .

وحين امتلكت الجرأة للتجوال والتعرف على جغرافيا المنطقة وأخذت أتجول بالمكان.

كان اول ما لفت نظري وانطبع بذاكرتي منزلا يتردد عليه الجميع صغارا وكبارا نساء ً ورجال ، ففعلت مثلهم .

بهرني المنظر المفعم بالقداسة التي لم أكن ادرك كنهها ، وتبين لي فيما بعد انها كنيسة .

اول ما لفت نظري المقاعد المصفوفة بشكل دقيق والمنصة المزينة بصورة السيدة العذراء والسيد المسيح والأواني النحاسية المنضدة التي تصدر رائحة البخور الذكية ، والهدؤ الذي كان يسود المكان ، ونساء بأزياء ملفتة أنيقة نظيفة ينتقلن من مكان لآخر بخفة ورشاقة تبين لي فيما أنهن راهبات .

كانت إحداهن راعية للمكان وكانت تستقبلني ببشاشة وحنو ودفء شدني للمكان.

وأخذت أتردد عليه بانتظام أراقب الطقوس التي تُمارس به واسعد بالفرح الزاهي ايام الأحاد

لم يسألني احد ، لم ينهرني مسؤول ، ولم يسألني سائل عن اي شئ .

كنت استمع للمرددين والمنشدين يتحدثون عن الله والمحبة والتسامح وكنت أحياناً احضى بقطعة من الحلوى او هدية ما ، وفي الشتاء كنت احضى بباقة من زهر النرجس الذكي الرائحة كان جلياً ان المكان مكرس لله والمحبة ، ولم أكن قد تبينت الفرق بين الديانات بعد .

ثم وعيت اكثر واتسعت دائرة تجوالي لأكتشف المسجد الحسيني وأخذت اترددعليه واسمع المصلين يبتهلون لله سبحانه وتعالى ، كان ذلك يبعث الدفء في أوصالي والشعور بالمحبة والحنو والعطف والقداسة المبهمة .

وأدرك وعيي الغض ان الله والوطن يجمع الأردنيين .

كان منزلنا دائما عامراً بالزوار أخذت ادرك من خلالهم ان من يرتدي الصليب هو من يحب الله ويؤمن به ويبتهل اليه بالكنيسة ، ومن يصطحب سجادة الصلاة ويرقب الاذان ليصلي هو من يحب الله ويبتهل اليه بالمسجد .

كان الله والمحبة هما القاسم المشترك ولا زالا

بين المساجد والكنائس التي تربط الأردنيين بالله ، و هي البيوت التي نتعبد بها اليه .

وعندما أصبحت يافعاً بعد ان انتقلنا لمدينة اربد كنّا أصدقائي وانا نتردد على كنيسة الراهبات بشارع الحصن لنلعب الشطرنج وكرة الطاولة مجاناً بمكرمة من الخوري الذي كان يشترط ان نستمع للموسيقى الكلاسيكية ونتقن الشطرنج ليسمح لنا بلعب كرة الطاولة كانت الكنيسة مصدر إشعاع حضاري ومكان للمحبة والتسامح وكان المسجد منبرا للتواد والتراحم

وكلاهما بيوت مكرسة للعبادة والإيمان بالله الواحد .

كان احد أعز الأصدقاء ولا زال مسيحي والآخرون من أصل فلسطيني اضافة للشرق أردنيين ولم نكن ندرك ونأبه بهذه التصنيفات والتفاصيل .

كان الاردنيون يشاركون بعضهم بعضا الود والإيمان والمحبة والتسامح ولا يحتاجون لفتاوى ليحبوا بعضهم البعض وليشاركوا بعضهم البعض الافراح والأتراح

ولا يحتاج شعبنا الاردني لفتوى ليواسي عائلة فقيد ما .

شادي ابو جابر لقي حتفه هو وزميلته بحادث سير اليم احسست بفجيعة والدته المنشدة التي كرست نفسها للمحبة والله واستمعت لحشرجة صوتها الذي ينعى شادي الذي كرسته لله وهي تخاطبه بخشوع وابتهال وفداء .

فهل يحتاج شعبنا لفرمان عثماني من رجل نصبه احدهم لإباحة ممارستنا لإنسانيتنا ومشاعرنا ومواساة بَعضُنَا البعض أسوة ببقية البشر .

كما لا يحتاج الأردني لفتوى ليشارك الآخرين المحبة والإيمان بالله .

كان الله وسيبقى محبة ونور السماوات والأرض ، والنسيج الاردني الاجتماعي كان وسيبقى محبة .

لن تفلح قوة مهما بلغت من شأن ان تشطر شعبنا لشرقي وغربي وشمالي وجنوبي ومسيحي ومسلم فنحن جميعا ننتسب للانسانية وللاردن ونؤمن بذات القيم النبيلة التي توارثناها

أعزي أسرة شادي وال ابو جابر الكرام واخص والدته ووالده بمشاعر المواساة كما أعزي أسرة زميلته ووالديها واعتذر لاثارة أشجانهم واؤكد ان الإيمان والمحبة تجمعنا ولا تفرقنا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات