قانون الانتخاب انقلاب على الإصلاح السياسي


مما لا شك فيه أن الاصلاح السياسي والتوجه نحو تطوير الحياة السياسية يستلزم بالضرورة تطوير التشريعات باتجاه تعظيم الحريات العامة وباتجاه تشجيع المواطنين على الإنخراط في العمل السياسي المؤسسي وفق مشاريع سياسية برامجية تتنافس للوصول الى المجلس النيابي والمشاركة في السلطة لغايات تطبيق هذه البرامج وبالتالي يجب أن يُتاح للأحزاب والتجمعات السياسية فرصة وافرة للوصول الى مجلس النواب وتحقيق أغلبية فردية أو إتلافية لتشكيل حكومة برلمانية تمثّل الإرادة الشعبية.


إن أهم تشريع في التوجّه للإصلاح السياسي بعد الدستور هو قانون الانتخاب لأنه يمثل القناة التي من خلالها يدفع الشعب بممثليه ليشكلوا تعبيراً عن التنوّع السياسي والفكري للمجتمع الأردني، وإن أهم ما في قانون الانتخاب هو قواعد النظام التمثيلي وتشكيل الدوائر الانتخابية ولأهمية هذه القواعد العامة تقوم بعض الدول بالنص عليها في دساتيرها وتفصّل أحكامها في القانون والهدف من ذلك هو الحيلولة دون قيام السلطة المتحكمة في الدولة أو الأغلبية الحاكمة بتغيير قواعد النظام الانتخابي بشكل يضمن استمرارها بالتفرد بالسلطة أو بفوزها بالانتخابات وتهميش فرص خصومها السياسيين.

إن أهم معيار في الاصلاح السياسي هو اتاحة الفرصة للمواطنين الناخبين باختيار ممثليهم في البرلمان على أسس فكرية أو حسب توجهاتهم السياسية ووفقاً لمشاريعهم وبرامجهم السياسية وهذا لا يمكن أن يتحقق الى من خلال نمط النظام الانتخابي المعتمد في قانون الانتخاب، بل أكثر من ذلك، يتعين على قانون الانتخاب وخصوصاً في الدولة ذات المجتمعات المحلية المغلقة بالاعتبارات العشائرية أو الجهوية أو العرقية أو الدينية أن يُوجّه أو يدفع هذه المجتمعات دفعاً للإنعتاق من ضيق الحالة المحلية أو الخصوصية الى سَعة الحالة الوطنية التي تقلل من اشكاليات وحساسيات الخصوصية المحلية وخصوماتها، وتجعل من التنوّع حالة إثراء واعتزاز وطني لكل أفراد الدولة وتُخرجُ حيتان المال الأسود من مجالهم الحيوي لاستغلال الحالة المعيشية لكثير من المواطنين بشراء ذمم البعض، وبنفس الوقت فإن مراعاة النظام الانتخابي لتعظيم الحالة الوطنية يعزز من تلاقي أفراد الشعب على قواسم مشتركة وطنية من خلال تنافسهم في الانتخابات وفق برامج سياسية وفكرية توافقية بما ينعكس بالضرورة قوةً ومنعةً للدولة والشعب والنظام السياسي، وهنا فقط نخرجُ دائرة التنظير الانشائي للإصلاح السياسي الى أرضية صلبة للتنمية السياسية الحقيقية الشاملة.


إذا كنا متفقين على ما سبق أو على أساسياته على الأقل كمعيار أوّل وحقيقي للإصلاح السياسي والتنمية السياسية التي تجعل من الدولة دولةً ديموقراطية ومن الشعب مصدراً للسلطة كما هو منصوص عليه في الدستور الأردني، فإنه علينا أن ننظر بحزنٍ وأسىً للنظام الانتخابي الذي جاء به قانون الانتخاب لعام 2016، ولا أريد أن أكرر عيوب هذا القانون الدستورية والسياسية والمجتمعية فقد ذكرتُها وذكرها الكثيرون من القانونيين والسياسيين والإعلاميين سابقاً، وكانت هذه الإنتقادات للقانون في إطارها النظري والتحليلي فحسب إلا أننا ونحن على أعتاب إجراء الانتخابات النيابية بعد بضعة أسابيع فقد ظهر عُوارُ هذا القانون وظهرت مساوئ نظامه الانتخابي الذي كان يُروجُ له المتنفذون في السلطة السياسية وأبواقهم كقانون حضاري وإصلاحي متميّز، فها هو القانون الاصلاحي لا يتحيحُ للمترشحين مستقلّين وحزبيين إلا اللجوء للخيارات العشائرية والجهوية لحشد الدعم والتأييد لهم وليس لاعتبارات الفكر والبرنامج السياسي وها هم أصحاب الجاه والمال يستقطبون الناخبين وحشوات قوائمهم الكاذبة بالمال الأسود ولا شيء غيره، وإن من لا يرى ذلك فهو يتعمّد التعامي لغايةٍ في نفسه، وبالتالي فأن منتج هذا القانون لن يقلَ ضعفاً وسوءَا عن سابقيه.


وعندما نقرأ ما جاء في الأسباب الموجبة لقانون الانتخاب:


"تعزيزا لنهج الإصلاح السياسي ولتمكين القوى السياسية من التآلف في كتل أو تجمعات انتخابية لانتخاب مجلس نواب يمثل الفئات الاجتماعية والاتجاهات الفكرية والسياسية فقد تم وضع مشروع هذا القانون"


فإننا ندرك لماذا يتم خداعنا كل مرّة يكون فيها استحقاق دستوري بانتخاب مجلس نيابي يمثل الشعب فيأتوننا بقانون جديد ونظام انتخابي جديد حتى بلغ عدد هذه القانونين الثمانية عشرة عدد المجالس النيابية في الدولة الأردنية، ونعلمُ علماً يكادُ يبلغُ اليقين أنه لا توجدُ إرادةٌ حقيقيةٌ وصادقةٌ للإصلاح السياسي والتنمية السياسية الحقيقية، والدليل سيكون ما سنراه بأعيُننا من أداء مجلس ونواب هذا القانون الذي انقلبَ على أمانينا بالإصلاح.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات