هذيان: فالج لا تعالج


 في الماضي القريب، يعني قبل حوالي 30 سنة، أذكر أن المواطن إذا أصيب بصداع، أو رشحة، أو كحة، أو مغص، أو ألم في المفاصل، أو أي شيء يتعلق بالألم بشكل عام؛ يقولون له: (خذلك حبة نوفلجين)، أو (معلقة) توسفين، (واكمر حالك باللحاف مشان تعرق)، (بتصبح طيب)؟!

اختفى النوفلجين وحل مكانه الريفانين، ويمكن للمرء أن يأخذ كورس ريفانين ويبقى الألم في الرأس. (ليش، ما حدا قادر يعرف)!

هذا عند الذين يؤمنون بالعلاج عن طريق الحبوب، والكبسولات، والشراب، والحقن بأنواعها.

أما الذين تعودوا على الطب العربي، والأعشاب، فالنصيحة التي تساوي جمل (هذيك الأيام)، عند الإصابة بالمغص تكمن في التهام القليل من البعيثران، بالغ المرارة، مع شرب الماء أو العصير لتخفيف الطعم السيء لعشبة البعيثران.

عندما كان يسقط الطفل فتنكسر إحدى يديه أو إحدى قدميه يذهبون به الى المستشفى لتجبير الكسر، وبعد عدة أشهر يتعافى بإذن الله، لكننا تعودنا في إربد على أبو صياح الحتاملة الذي كان بارعاً في تجبير الكسور بطريقة مؤلمة جداً لكنها كانت ناجحة، وأذكر أنني وقعت على يدي فانكسرت، ولم أخبر أهلي، وبقيت يدي مكسورة لعدة أيام حتى لم أعد أحتمل الألم، فأخذتني والدتي الى أبو صياح الذي أعاد تجبيرها، وذقت من الألم ما لم تحتمله الجبال، وفي نهاية المطاف انجبر الكسر وعادت ذراعي كما كانت وربما أفضل.

كان يفرك مكان الكسر بقوة حتى تعود العظمة الى مكانها، وبعد ذلك يضع العجين المخلوط بالبيض، وبعض العصي على مكان الكسر، ويلف الذراع بالشاش، ويعلق اليد أو الذراع المكسور في رقبة المريض الى أن يشفى تماماً.

أبو صياح نفسه كان يعالج (بنات الأذان)، (اللوز)، إذ كان يمد إصبعه في الفم ويعمل على عصر اللوزتين حتى يتخلص من الدم الفاسد الموجود في اللوزتين، وبعد أيام يتحقق الشفاء على يديه بإذن الله تعالى..

زمان، يعني قبل حوالي 40 سنة كان (الناموس)، والذباب، وطائرات الهليكوبتر، (والسويكتة) تزعج الميت من لسعاتها، وطنينها، وتكاثرها على الجلد خلال النوم، فتأخذ من دماء الإنسان أكثر مما يأخذه بنك الدم عند التبرع بالدم، وكان العلاج الفعال الذي يقضي عليها من عدة (بخات) متتالية؛ يأتي عن طريق مدفع يقال له: رشاش الفليت..؟!

رشاش الفليت ينقسم الى قسمين، الأول: الرشاش، وهو عبارة عن مضخة ملحقة بذراع يعمل عمل الحقنة بالضبط، يعبأ بالديزل المخلوط بالماء، ويرش في الماكن التي تتكاثر فيها الحشرات بأنواعها.

القسم الثاني: مادة الفليت، وهي مادة سائلة موجودة في علبة صغيرة الحجم يخلط القليل منها بالماء، وترش الحشرات الطائرة والزاحفة فتقضي عليها، وأحياناً كانت مادة الفليت تمنح الحشرات والصراصير المناعة اللازمة للمقاومة طويلة الأجل.

الدكاكين زمان كانت بمثابة محلات سوبر ماركت، أو مولات بلا تشبيه! تبيع كل شيء: القضامة، والفستق (الخربان)، (وبزر) البطيخ، وما كنا نعرف (الكاشو، والحلبي، والبندق)، وكانت تبيع (التشعتشبان)، (والمطعم)، (والمخشرم)، (والفيصلية، ملبس ع لوز)، وكانت تبيع: (الشلحات، والملابس الداخلية الملونة)، (والكنادر)، (والحفايات)، (والصنادل)، (والتتن) وهو نوع من أنواع الدخان، يطلقون عليه؛ المنظوري، والهيشي، ورائحة هذا الدخان يهرب منها الكلب الأجرب، لوساختها وقذارتها، والمصيبة أنها كانت تجد من يسلطن عليها.

أما برامج التلفزيون فأقل ما يقال عنها أنها كانت تستنفذ ما تبقى من رصيد محترم لدى المواطن العربي، بمسلسلات تافهة كانت تشغل حيزاً كبيراً، ومساحات مهمة من ضحالة التفكير لدى المشاهد العربي. خذ مثلاً مسلسل وفيلم صح النوم، أو مقالب غوار، أو ملح وسكر، أو وادي المسك؛ كلها تدور في سيناريو واحد هدفه تنويم أو تخدير الأمة العربية.

الموسيقى التصويرية لأكثر من ثلاثة أعمال لدريد لحام كانت واحدة، والمقالب التي كان يصطنعها غوار كانت معروفة مسبقاً، ومع أن دريد لحام كان يعرف بأن أعماله فاشلة ولا قيمة لها إلا أنه حاول اجترار نفسه مرة أخرى بعمل أطلق عليه اسم الأصدقاء، وانهار لحام تماماً عندما جسد دور أبو الهنا.

لقد وصلت التفاهة والضحك على عقل المواطن العربي حداً لا يطاق، إذ صنعوا له قباقيب غوار على شكل حلويات، وصنعوا له نظارات، وشوارب استخدمها الأطفال لتزيد فوق براءتهم جهلاً، وأذيعت أغاني صح النوم على كل المحطات العربية، وكان عبد اللطيف فتحي (أبو كلبشة) قد (دوخ) موسوليني، وفهد كعيكاتي (أبو فهمي) دوخ الألمان في ذات المسلسل، لكن الذي أصيب بالدوخة هو المواطن العربي في كل الظروف والأحوال.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات