شهيدي يُفتّشُ ليّ عن وردةٍ تحتَ التراب


وزرعنا صحراءكَ ورداً ، إلاّ أنه لَكَ شوكةٌ ردّت إلى الشرق الصِبا ، وطني ؛ محجّ الهاربين من الموت ، وكعبة الخائفين من خفافيش الظلام إن علا طرق كعبه ، و حبشة المستجيرين من جور جائرين جاروا على الجارِ ، وملاذ الأطفال الفارّين من دروس الموت اليومية ، ومسجد بنات مريم الهاربات بطهرهنّ من سماسرة اللحم ، ومعتصم الصائمات المستغيثات بملكٍ لا يُظلَم عنده أحد ، وقِبلة الناجين بمصحفهم وإنجيلهم بمحمدهم ومسيحهم بهلالهم وصليبهم ، هذا بعضك وطني ؛ أهٍ ما أجملك ...

يا عصيّ الدمعِ ، تكحّل من دماء أبناءك ، وأفعل ياوطني ما تُؤْمَر به فإنّ والله لمن الصابرين ، وخطَّاب لآيادي الموت ستجدنا على بابك واقفين ، قُلْ للشهيد أرتقِ فيرتقي ، إلى الله نرسلكم في يمّ موسى ، وسفينة نوح ، وقافلة يوسف ، وادخلوا إلى الله من كل أبواب السماء ، واسألوا الراحلين بجواركم عن أخبارنا ، وضعوا آذانكم على زجاج الغيب وأستمعوا لصهيل طائراتنا ، فوالله إن لكم ثأر ما أرتدّ طرفُنا عنه ، وإن لكم علينا دَينَاً بأن نردم الجحور على أصنامها ، وأن نسوّي كهوف الإرهاب بأرضها ، وأن نضرب بعينٍ معصوبةٍ ، وأن نطفئ مشاعل الظلام والشر..

ما زالت كبيرة كلّ أحلامنا الصغيرة ، حينَ كانت أكبر أحلامنا ونحن أطفال أن نصبح جنداً ، كأولئك العسكر المثقلين بعرق الواجب ، حينَ كانت أثقل همومنا ( حقيبة مدرسية) ، أو أولئك النسور المُحلّقين في المدى ، كم كنّا نظنّ أنهم يسمعون من فَوْقَ الغيم أصواتنا الخفيفة وهي تلوّح لهم ، حينَما كانت أجمل ثياب العيد بزّةً عسكرية ، يزيّنها نسر ذهبي ، ما زال هذا الجندي متأهبّاً في صدورنا ، قابضاً على بندقيته التي لا تُنكّس إلاّ إن رأى طفلاً مادّاً يده ليحظى بكأس ماء ، هذا الجندي الذي ما زال مستعداً لتحرير العالم من قوى الشر ، إذا ما سمع سلامه الملكي ، جيش أول جنده ملك لا يهزم ، كان قدر عليك يا وطني أن يقصدك تجار الموت الأسود ، لأنهم أيقنوا أن الأردن هو عكاظ الباحثين عن الحياة ..

إلى كل الأمهات اللاتي ودّعن أبناءهنّ بعد أن انتهت وريقات إجازاتهم ، إلى كل الزوجات اللاتي أغلقنّ باب السماء على عريسٍ إنتهى حفلُ وداعه ، إلى كل البُنيّات اللاتي ينتظرنّ أُعطيةَ العيد من أبٍ سمع أخبار السادسة صباحاً ثمّ مضى ، إلى كلّ رجل خانه دمعه وبكى ، لا تحسبون من استشهدوا في سبيل الوطن أمواتاً ، بل شهداء يفتّشون لكم عن وردةٍ تحتَ التراب...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات