من أين يبدأ الإصلاح ؟


الجدل حول نقطة البدء في الإصلاح السياسي ليس جدلا أكاديميا فحسب ولكنه قضية خلافية بين الحراكيين والإصلاحيين أنفسهم الذين يرى فريق منهم أن الإصلاح ينبغي أن يبدأ بالقيادة التي تعتبر المحرك أو المولد لماكنة النظام السياسي والدولة ككل ويبني هذا الفريق حجته في هذا المنهج على أساس أنه إذا صلح الراعي صلحت الرعية. من جانب آخر يرى فريق آخر أن الإصلاح يبدأ من القاعدة ومن الجماهير منطلقين من القول المأثور مثلما تكونوا يولى عليكم. والحقيقة أن كلا المنهجين في الإصلاح يبدوا له عيوبه ومثالبه فالإصلاح من الأعلى وتحديدا إصلاح القيادة أو الملك يبدوا نظريا الى حد كبير لكون هذا الإصلاح غير متفق على ماهيته وغير محددة مواصفاته ناهيك عن مدى توفر النية الحقيقية والإرادة السياسية الصادقة للقيادة في تحقيق الإصلاح .فتجربتنا في الأردن تشير الى أن الملك له فهم مختلف عن فهم كثير من مواطنيه لمصطلح ومضمون الإصلاح السياسي المنشود فتارة رأيناه يخطو خطوات صغيرة متواضعة باتجاه إحداث بعض التعديلات الدستورية والإجراءات السياسية وتارة رأيناه يتراجع خطوات كبيرة نحو الخلف متمسكا بأهداب الماضي وبقوانين متقادمة مثل قانون الصوت الواحد إضافة الى تكليف رؤساء حكومات أقل ما يمكن أن يقال فيهم أنهم ليسوا إصلاحيين وليسوا قياديين وهم أقرب لأن يكونوا موظفين بيروقراطيين يتقنون فن تنفيذ لأوامر دون أن يكون لهم رؤيا أو ميزات قيادية تؤهلهم لإحداث إصلاح سياسي حقيقي في الدولة الأردنية.الدستور الأردني دستور متناقض في مواده التي تعطي الملك الحصانة أمام القانون وتعفيه من المثول أمام المحاكم في الوقت الذي يمنح الدستور الملك الحق في رئاسة الجيش والقوى الأمنية وحل البرلمان واختيار رئيس الحكومة وإقالة الحكومة واختيار أعضاء مجلس الأعيان وغير ذلك فكيف يتمتع الملك بالحصانة ولديه كل هذه الصلاحيات الدستورية الخرافية ناهيك عن ممارسته على أرض الواقع لمهام واتخاذه قرارات كثيرة وفي مناحي شتى دون أن يكون مسؤولا عن تبعاتها!
أما بالنسبة للإصلاح من القاعدة أو بمعنى آخر إصلاح الشعب فهذا منهج يحتاج الى وقت طويل وقد يستغرق عدة عقود أو أكثر من نصف قرن فإحداث التغيير في الجوانب القيمية والمنظومة الفكرية والثقافية للمجتمع يحتاج الى أجيال عديدة وهو تغيير يصعب ضبط إيقاعه والتحكم بتوجهاته. كثير من الأنظمة والقيادات السياسية في الدول النامية تهتم بهذا النهج وتؤكد عليه وتسمية أسماء عديدة مثل التغيير التدريجي وتأهيل المجتمع للممارسات الديمقراطية وغير ذلك من المسميات المنمقة التي على ما يبدوا أنها تخدم هذه القيادات وتطيل في فترة تحكمها بمصير المجتمعات والإفادة من مواردها . الملك على سبيل المثال أكد غير مرة على التدرج في الإصلاح كما أكد في مقابلة تلفزيونية في الولايات المتحدة على أن الأردنيين غير جاهزين للديمقراطية وأنهم ما زالوا لا يميزون بين اليمين واليسار السياسي وليسوا لهم رؤيا واضحة في مجالات الفقر والبطالة والصحة.نعم الأردنيون يريدون إعادة كتابة دستور جديد ودون صلاحيات كبيرة للملك في إدارة البلاد . القيادة السياسية الفعالة تستطيع تقصير الوقت الذي يستغرقه الإصلاح السياسي كما تستطيع الإبقاء على هذا الإصلاح سلميا من خلال التجاوب مع طموحات الشعب وتطلعاته. الإصلاح السياسي لا يمكن أن يحدث بإجراءات شكلية وصورية يغلب عليه الصفة الاستعراضية والتمثيلية كتلك التي شهدناها قبل بضعة سنوات عند قيام الديوان بتشكيل كتل من النواب ليتم التفاوض معها في اليوم التالي!الملك يستطيع أن يقود الإصلاح السياسي إذا أراد وأخلص النية في ذلك فالأردنيون لم يعودوا قادرين على انتظار الإصلاح من القواعد ومن الشعب فهذا مشواره طويل وغير مضمون وقد لا يبقي الفاسدون شيئا في الوطن نصلح من أجله اذا كان هذا الاصلاح يحتاج الى خمسون أو ستون عاما من الزمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات