الفلسطينيون وذكرى النكبة والنكسة


من خلال استعراض تاريخ الشعوب والأمم نجد أنها تمر بحالات من الانتصار والهزيمة، وهي تشبه البحر في المد والجزر . والأمة العربية والإسلامية _ومنذ بزوغ فجر الإسلام الأولى_ تعرضت أيضاً لتلك الحالات ، فمن عهد الاضطهاد والقهر في بداية الدعوة إلى النصر والسؤدد فيما بعد، وفي حياته صلى الله عليه وسلم كانت غزوة بدر وغيرها أنموذجاً للنصر، وكانت غزوة أحد ومؤتة ، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

فالمدافعة أو المقاومة للقوى الظالمة والمحتلة الأخرى من السنن الكونية للبشرية، فالمنتصر يعزز انتصاره، ويعمل جاهداً لتثبيت قدميه على أرض ومقدرات عدوه، ويبذل وسعه وطاقته لاستمرار النصر.

وأما المهزوم فيعمل ويسعى لدراسة أسباب هزيمته، ويبدأ ببث روح المقاومة في شعبه، وينتهز كل فرصة لإعادة بناء قوته المادية والمعنوية بكل أصنافها، ولذا تقع تلك المسؤولية على قيادة الشعب المهزوم بالدرجة الأولى.


والحرب بكل أصنافها يمقتها الله، حيث جعل الله موقدي الحروب والفتن سفلة الأمم والشعوب، لأنها تزهق الأرواح، وتهدم الممتلكات، وتقضي على الاستقرار، وتزيد من العداوة والكراهية، وتُنتهك خلالها الأعراض والحرمات، وتُنتهب الأموال والمكتسبات، وتداس وتهان المقدسات؛ ولذا فالله يدعو للسلام ، وإطفاء نار الحرب(كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) .

ولكن هنالك من البشر من تمتلئ نفوسهم بالشر، وجبلوا على الظلم والقسوة، وسفك الدماء، وهتك الأعراض، وتجعل من التلذذ بتعذيب الناس هدفاً؛ عندئذ وجب على الأخيار وقف شر الأشرار، وإعداد العدة لإرهابهم، وكسر شوكتهم وعنفوانهم، ومن كان ذلك هدفهم الطيب جعل المقتول منهم شهيداً منعماً في جنات الفردوس الأعلى.

لقد اجتهدت وخططت الحركة الصهيونية العالمية منذ زمن بعيد للاستيلاء على أرض فلسطين، وسعوا وبذلوا ما بوسعهم وطاقتهم، وخططوا بالسر والعلن، _وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال_ ونجحوا في الوصول لفلسطين، ثم وفي سنة 1948م أعلنوا دولتهم على أجزاء من فلسطين، وفي 5/6/1967م أكملوا على باقي الأرض الفلسطينية وأضافوا عليها سيناء والجولان، وهو نجاح ونصر باهر. والمشاهد والقارئ للتقارير الغربية عن ذلك يشاهد مدى النشوة والغطرسة الصهيونية والغربية عموماً جراء ذلك؛ ويشعر المرء العربي أو المسلم تحديداً بالإهانة؛ مما سيولد لديه السخط، ويذكي روح الانتقام، واستنهاض العزة والكرامة.
إن الوضع الطبيعي لأي دولة أو أمة مهزومة أن تقاوم المعتدي، وأن تشق طريقها نحو النصر، وأن تسعى لإيجاد الظروف المناسبة لجولة أخرى مع المعتدي، تُرجع بها كرامتها وعزتها، وتُعلي من شأنها، وتستعيد بها ما أغتصب من أرضها _ والنصر فرحة، ومكرمة من الله_. والدول والأمم تختار الطرق المناسبة لاسترجاع كرامتها وعزتها، ولا يمكن لدولة أو أمة أن تداهن وتنافق لعدوها، وتأخذه بالأحضان، وتعقد معه المعاهدات السلمية، وما زال يحتل أرضها، ويستبيح مقدساتها.

إن الشعب الفلسطيني سادن المسجد الأقصى المدافع عن حماه لم يترك جهداً في الدفاع عن فلسطين، فمنذ أن وطأت أقدام الإنجليز في الحرب العالمية الأولى أرضه ، وهو يقاوم مؤامرات وكيد المحتلين، ولم يهدأ له جفن؛ فقام بثورات مسلحة عدة، واستخدم العصيان المدني، واستثار الأمة العربية والإسلامية؛ فقدمت الجيوش والمجاهدون لمساعدته، والعمل على رفع الظلم عنه، ومازال حتى اللحظة في مقاومة مادية ومعنوية، فما أن تفقد وسيلة للمقاومة فاعليتها حتى يخترع وسيلة أخرى.

ولكن الأعداء استطاعوا أن يحبطوا ويفشلوا المقاومة الفلسطينية بمؤثرات أبرزها:

1. بث روح الخلاف وعدم الثقة بين قيادات مقاومة ( بأسهم بينهم شديد ) .

2. شراء ذمم بعض العملاء_ بشتى الوسائل _، وتسخيرهم لتنفيذ مخططات الأعداء

3. العمل على إثارة الخلاف مع الدول والشعوب المجاورة، نتج عنها حالات من العداء والكراهية .

4. تفريغ الأرض الفلسطينية من السكان.

5. نشر روح اليأس والقنوط بين الشعب الفلسطيني من إمكانية النصر.

وإزاء ذلك ؛ وفي ذكرى النكبة والنكسة يجب على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه إعادة ترتيب أوضاعه، ولن يستطيع الآخرون نصرتهم ، ومد يد العون لهم، ما داموا متفرقين، ومختلفين. وإن الفصائل الكبرى في الشعب الفلسطيني قادرة على إزالة الخلافات، وتضميد الجراح. وعليها كذلك طمأنة الشعوب والأنظمة المجاورة، والتنسيق معها، وأن تصل إلى الصفر في الخلاف معها.

ولعل الأمر المهم أن يتمسك الفلسطيني بالعيش والبقاء في أرضه، وأن يعود لأرض فلسطين التاريخية كل من يحق لهم السكن والعودة إليها؛ ومن المعلوم أن هنالك أعداداً كبيرة من أهالي الضفة الغربية ممن يحملون المواطنة، فعلى هؤلاء قبل غيرهم العودة لأرضهم والاستقرار فيها.

إن الشعوب وأصحاب الأرض أقوى من المحتل، وسينتصرون إن استمرت روح المقاومة ، والأيمان بحقهم، وغرس حب وطنهم في نفوس أجيالهم. وليس هنالك أدنى شك بنصرهم، وهي سنة الله في خلقه، فمهما طال الاحتلال فهو مهزوم ومقهور، والتاريخ شاهد على ذلك. ( ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات