ما يُسمّى – زوراً! - : الخطابُ العقليّ التنويريّ .. !


ظهر هذا الخطاب – في الوقت المعاصر – في مقابل المنهج التكفيري المتشدّد العنيف وما جرّه على الأمة من ويلات وتشويهاتٍ لدينها العظيم المُنزل بالرحمة والوسطيّة .

وأصحابُ هذا الخطاب يرفعون – لمزيدِ تلبيس على المسلمين! – شعار ( التجديد الدينيّ! ) ، ويُعرفون – إضافة للتنويريّة - تحت عدّة ألقاب منها : العقلانيّة ، والإصلاحيّة ، والخطاب النهضوي ، والليبروإسلاميّة ! ؛ وأطلق البعضُ عليهم اسم ( الإسلاميون الجُدُد ) ! .

وهؤلاء أنتجوا خطّاً – أو خطّوا نتاجاً – فلسفيّاً مُختلطاً : إذ يجمعُ بين الموروثات الكلاميّة للفرق القديمة كالمُعتزلة ، والمصطلحات الغربيّة الحديثة ؛ وهم مُقرّون ومتباهون بهذا ! ؛ فيقول أحد رموزهم – في المملكة السعوديّة! - : 'ما نحن بصدده من التجديد الديني هو في أغلبه تغيير قسري خارجي، نعطيه مصطلحات تراثية، وشعارات إسلامية، لمحتوى غربي، وهو مع ذلك أحسن من الجمود' ! .

وهم يقصدون بالجمود منهجَ الدّعوة السّلفيّة ؛ ويدلّ له كثيرُ تصريحاتهم بهدف حركتهم ( التنويرية أو العقلانيّة! ) ؛ ومنها ما نقله عن بعضهم الشيخُ الشاب عبد الوهاب آل غظيف – زاده الله توفيقاً - في كتابه الماتع ( التنوير الإسلامي في المشهد السعودي ) ؛ حيث يقول ذلك التنويري : ' هذا التيار أجندته ليست سياسية، لكنها ثقافية في المقام الأول، تقوم على نقد التيار السّلفي، وتفكيك بنيته التقليدية، فهو تيار فكريّ ثقافي، أكثر منه سياسي، لذلك فهو إلى الآن غير معني بشكل مباشر بالإصلاح السياسي، بقدر عنايته بالإصلاح الثقافي، لذا لا توجد له مشكلة مع السلطة السياسية' !.

إذن .. مشكلتهم مع دعوة الرجوع إلى فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسّنة ؛ وليست مع ( العلمانيين ) ولا طوائف أهل البدع ! ؛ ولذا لا يكاد خطابٌ لهم يخلو من وصْم السلفيين – ولو بالإشارة ! – بالجمود الفكري والتحجر العقلي !، والوقوف عند النص دون النظر في الواقع أو الزمان المُعاصَر ! ، وهم – في مقابل إجماع السلف أو قوّة فهمهم للنص الثابت - يُردّدون – دون كلل! – عبارة :( فهم السّلف خاصٌّ بمرحلة تاريخية معيّنة )! .

ثمّ – في مرحلةٍ متقدّمة – يُكلّلون خطابهم الفكريّ بالعبارات العقليّة المصوغة بدهاء ودّقة، والمنحوتة في دارات ما يسمونه ( علم المنطق والفلسفة! ) ؛ ما يوحي للمتلقين بـ ( الضرورات العقليّة المُطلقة! ) في معالجة النصوص الشرعيّة – لا سيّما الحديثيّة منها! – في هذا العصر ، ومن بعدُ التقدّم بالعقل – أكثر- والاعتراض به على النقل الصحيح صراحةً ! .
وأقول - مع الأسف الشديد - : استطاع أولئك – إلى حدّ بعيد – جَذْبَ جمهور واسعٍ من المسلمين السّنّة! إلى دعوتهم ، وصرنا نسمع أناساً منهم يتكلمون بلسان ( التنويريين ) ، ويتصدّى لأهل السّنة ومنهجهم بالاشمئزاز والاستكبار والرّفض ؛ مع كونه قائماً على علم الكتاب والسّنّة ، وفهم أئمة لا نظير لهم ولا أشباهٌ ! .

وفي مقابل هذا ترونهم – مثلاً - يلقّبون ( الدكتور عدنان ابراهيم ) بإمام العصر ! ، والعالم الذي لا يشق له غُبار – على حدّ تعبير صديقه طارق سويدان - ! ، ورائد النهضة الدينيّة الحديثة ! ؛ مع أنّه يصف الصدّيقة عائشة – رضي الله عنها – بالجاهلة والبدائيّة ، ويقول بأنّ معاوية – رضي الله عنه – اشتراها بالمال ! ، ويطعن في معاوية – رضي الله عنه – طعناً قبيحاً ؛ ' فيقول عنه: دعِي بن دعِي، ويصف ابنه يزيد بأنه ابن حرام ،ويصف ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية أنها كانت تهوى سرجون خادم معاوية ' ! ؛ ثمّ يقول : أنا لا أسبّ معاوية لكنّه يتلاعب بالدّين ! .
و' يقول: أبو هريرة أسلم من أجل بطنه، أسلم من أجل الخِرفان، ويتهمه بأنّ بني أمية أعطوه الأموال ليروي الأحاديث لهم ' ! ، و ' يقول عن أنس بن مالك: أكثر ما يروي أحاديث جنسية '!

' ويقول :عمر بن الخطاب كان يعرف أن ابنه عبد الله بن عمر نسونجي لا يصلح للخلافة ' !

هذا – وأكثر منه ! – في وقْتٍ يوصف علماءُ أهل السنّة المُعاصرون – فضلاً عن المتقدمين كشيخ الإسلام ابن تيميّة – بأشنع الصفات ، ويُرمون بأكذب التّهم ! ، ومن خاصّة – أو أشهر! - أبناء جلدتنا ! ، ويُصدّقها أغلبُ العامّة ! .

أهلُ السّنة لا يرفعون عقائرهم بالشكوى ! - وجاهلٌ من يظنّ هذا المقال والمقام منها – فهم ' أعلمُ النّاس بالحقّ ' ، وإنّه لمن الحقّ : غُربتهم بين الناس في كلّ زمانٍ ومكان ؛ حتى قال الإمام ابن القيم - رحمه الله – :

'أهلُ الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السّنّة الذين يُميزونها من الأهواء والبدع هم غرباء، والدّاعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربةً ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً.
فلا غربة عليهم؛ وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله - عز وجل – فيهم:
{ وإنْ تُطِع أَكثر مَن في الأرض يُضلّوك عن سبيلِ الله}، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله وغربتهم هي الغربة الموحشة 'ا.هـ .
ولكن ..
{ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِين } ، ولتعلموا تأثير ( الخطاب الدينيّ الإعلاميّ ) في توجيه المسلمين ، واستمالة قلوبهم وعقولهم .


وللحديث بقيّة – إن شاء الله – أتكلم فيه عن ( الخطاب السلفي ) والجدليّات النقديّة الفكريّة الهزيلة التي دارت حوله ، وما يحتاجه – حقيقة – في سبيل وصوله إلى النّاس بنقائه وصفائه العلمي الرّاسخ ؛ مع تحفظنا على مصطلح ( الخطاب ) ونسبته للسلفيّة ، ولكن الضرورة تقتضي – هنا - استعماله .
والله الموفق



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات