الاستعدادية لتقديم الخدمة .. قصة البعوض و فندق الخمسة نجوم


يقول الشاعر: لا تحقرنَّ صغيرًا في مخاصمة * * * إنَّ البعوضة تدمي مقلة الأسد ،موضوعنا اليوم ليس عن البعوض، بل عن شيء أخطر قد يدمي مقلة الاستثمار السياحي وربَّما يمتد أثره في مجالات شتى تؤثر في تنافسية الاقتصاد الأردني ، إنه الاستعدادية لتقديم الخدمة في العقلية الأردنية.

قمت بزيارة سريعة لليلة واحدة لأحد الفنادق العاملة في المملكة والذي يتمتع بكل ما قد يزهو به أي فندق خمس نجوم في العالم، ناهيك عن الموقع الذي يندر وجوده في بقاع الأرض قاطبة، كل شيء ممتاز باستثناء شيء واحد وهو الاستعدادية لتقديم الخدمة.

القصة باختصار أن البعوض موجود بكثافة في الفندق، خصوصًا في هذا الوقت من العام، لذا قمت بطلب جهاز مكافحة البعوض المعروف لكم جميعًا باسم : "فيب". طلبته من أحد الأشخاص الذي وعد بأن يحضره خلال "دقيقتين".

وبعد مرور ثلاثين دقيقة على انقضاء الدقيقتين، اتَّصلت بالاستقبال وقد أخذوا كامل التفاصيل ووعدوني أن يصلني "الفيب" خلال خمس دقائق.

وبعد مرور ثلاثين دقيقة على نفاد الخمس دقائق توجهت إلى الاستقبال ووعدوني خلال أقل من دقيقتين، وبعد مرور ثلاثين دقيقة على انقضاء "الأقل من دقيقتين" تذكرت الفيب بعد أن نهل مني البعوض كل منهل.. وعلى رأي الشاعر عنترة بن شداد...ولقد ذكرتُ الفيب والبعوض مني نواهل، باختصار بعد ساعة ونصف تقريبًا، وبعد تدخل نائب المدير "واسطة" وصل الفيب !.

في الصباح وجدني نائب المدير، وهو أوروبي الجنسية، بالصدفة في بهو الفندق، اعتذر لي بشدة وقال لي: "هذه هي مشكلتنا الرئيسية"، سألته: هل ينقصهم التدريب؟ قال: "أبدًا"؛ بل يحصلون على تدريب مكثف، كما أن جميع الإجراءات مكتوبة وواضحة جدًا...ولكن العناد هو سيد الموقف".

أخبرني بأن عدم رضا العملاء يحدث كثيرًا نتيجة لهذا السلوك غير المفهوم بالنسبة لهم. "رفض الالتزام بمعايير تقديم الخدمة ورفض تقديمها كما ينبغي تقديمها الأمر الذي يؤثر كثيرًا على راحة النزلاء الأردنيين والسواح على حدٍ سواء".

وأضاف اندهاشه لطفل يرى عصفورًا لأول مرة : "لقد خدمت في أمريكا ودبي وأوروبا وغيرها من الدول، إلا أن الأردن هي أصعب مهمة في حياتي، إن الجهد الذي أبذله في متابعة الموظفين جهدٌ لا يصدق، ثلاثة أضعاف الجهد الذي أبذله في أي مكان في العالم. للأسف الشديد." طلب مني سيجارة قائلًا: "بدأت التدخين منذ فترة بسيطة !".



أكمل نائب المدير "على الرغم من وجود طواقم أردنية رائعة تعمل معي وخصوصًا في المناصب الإدارية العليا إلا أن عددًا كبيرًا من الشباب الذين يبدؤون حياتهم في هذا المجال ينقصهم التركيز والحماس والرؤية لاتخاذ هذه المهنة طريقًا لبناء مستقبلهم المهني.

يبدأون العمل وهم يبحثون عن عملٍ آخر ربما في الحكومة ولا يدركون أن هناك مستقبلًا عظيمًا ينتظرهم في هذه المهنة الرائعة فقط لو أدوا مهامهم كما يطلب منهم، إنهم يرفضون التغيير ويرفضون الانصياع للتعليمات التي تصب في مصلحة العمل بل إن بعضهم يتباهى بأنه لا يتبع مثل هذه التعليمات، لا أعرف لماذا؟"منذ فترة سرت أحاديث في فضاءات الإعلام عن وجود نفس العقلية في التعامل مع المواطنين المتعاملين مع الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، إضافة للتعامل مع المستثمرين، فأين الخلل؟ الخلل برأيي هو غياب ثقافة الخدمة في عقلية الكثير من الشباب الأردني وإحساسهم بالدونية عند تقديمها لذا تجد بعضهم يعدُّها عيبًا فيعزف عنها بينما يقبلها بعضهم الآخر على مضض و يقدمها بطريقته وبشروطه، خدمة تخلو من الحميمية والودية ورحابة الصدر وللأسف فإن هذا يعدُّ في بعض دول العالم في الاتجاه المغاير لمعايير جودة الخدمة، لذا تحرص الكثير من دول العالم على الانتباه إلى هذا الأمر وتطور استراتيجيات منهجية لتحسين شروط تقديم الخدمة.

فهناك مثلًا مقياس عالمي "زينديسك" يصنف الدول حسب مستوى تقديم الخدمة ولا يظهر من الدول العربية في قائمة أول عشرين دولة في العالم فيه إلّا دولة الإمارات العربية المتحدة بترتيب أربعة عشر، بينما حصدت بلجيكا والنرويج ونيوزيلاندا المراتب الأولى والثانية والثالثة على التوالي، وإذا ربطنا بين هذا المقياس بين تقرير السعادة العالمية فإننا نجد أن أربع عشرة دولة من الدول التي تمتعت بنسب عالية من خدمة العملاء تظهر أيضًا في قائمة أسعد عشرين دولة في العالم، هناك ترابط كبير وواضح بين خدمة العملاء وبين سعادة الشعوب.

يروى عن جي دبل يو ماريوت مؤسس مجموعة ماريوت العالمية، التي تضم في مجموعها ما يزيد على 4400 فندق حول العالم وإيرادات تجاوزت 17 مليار دولار في عام 2015، بأنه ذهب لاحتساء القهوة في أحد كافيهات مجموعته، جلس ماريوت ذي السبعين عامًا ولم يعرفه أحد، طلب فنجانًا من القهوة وسرعان ما أحضره النادل وهو متجهم الوجه، سأله ماريوت: ما بك؟ قال النادل: لا شيء. سأله ماريوت لمَ تبدو حزينًا؟ أجابه النادل: لا شيء، سأله ماريوت: هل هناك ما يمنعك من التبسم؟ مشكلة في العمل؟ راتبك متدنٍ؟ ظرف عائلي؟ غير ذلك؟ أجابه النادل: لا. قال له ماريوت: إذًا أنت مطرود؛ فوظيفتك يحتاجها شخص أكثر ملاءمة منك للضيافة". لو حدث هذا في الأردن لرجع هذا الموظف لوظيفته "بواسطة" قد يسفك فيها دم خروف بريء وإذعان جي دبل يو ماريوت لطلبات المعزب، و"الشبرية" تخترق رأس الخروف للوصول إلى مخه الذي سيقدم لماريوت مع ابتسامة المعزب التهكمية قائلًا: "لتكون بتقرف...؟!".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات