الاستئثار بالسلطة مؤداه مواجهة الفناء


كتب النائب علي السنيد - شكل الربيع العربي فرصة حقيقية سانحة لبعض الدول التي لم تتهاوى بفعل صدمته المفاجئة في ان تعيد تصويت اوضاعها السياسية على وحي من عميق الازمة التي مرت بها المنطقة، وقد كشف عن مواقع الخلل في النظم السياسية السائدة في الاقليم العربي، والتي ما تزال تريد ان تحكم بعيدا عن الارادة الشعبية، وتدير عملية سياسية بالكامل بشكل منفرد ، وبدون اخذ مصالح الشعوب بعين الاعتبار، وقد سعت الى تحويل الدولة لمجرد اداة في خدمة الطبقة السياسية التي تعيش حياة اسطورية من البذخ والاسراف على حساب معاناة ملايين الناس، وتحميل الشعوب مسؤولية رفاهية هذه الطبقة المتبلدة، وقد غدت الشعوب صاحبة العملية السياسية برمتها مستلبة بالكامل، وتدار لصالح هذه الفئة الطفيلية التي تركت الشعوب قاعا صفصفا ، وتعاني من شظف العيش، وهي في حالة بحث مضن عن سبل العيش الكريم، وقد تفشت فيها البطالة والفقر والمعاناة وتدني مستويات الحياة، وصارت مرتبطة بدائرة الشقاء الابدية .

وكان من نصيب الدول التي اخطأت طريق الديموقراطية، والتي تهاوت على خلفية هذا الحدث التاريخي الاهم ان اصبحت مدارا للفوضى والاضطرابات، وتداخل المشروع الاستعماري الغربي الذي سعى الى تسعير حمى الاضطرابات المذهبية فيها، وصولا الى تقسيمها وتدمير جيوشها واسقاط نظامها العام، وتوجيه عجلة الصراع الدائر فيها الى التشظي على اسس اثنية وطائفية وصولا الى سيادة عصر الفوضى والاضطرابات في مجمل هذه الدول .

غير ان الدول التي ضرب الربيع العربي على اعتابها، وعصف في اجوائها تارة ، ثم اقلع عنها وكان نصيبها اقل سوءا مما عانت منه دول اخرى مجاورة من ولوج الفوضى والاضطرابات الى داخلها الوطني ها هي تفقد الفرصة من جديد، وبدلا من ان تضفي الشرعية على عملية الحكم القائمة ، وتبعدها مستقبلا عن معاول الهدم التي ستتحرك على خلفية تواصل المعاناة الشعبية، والاستعباد السياسي، وهشاشة نهج الدولة القديمة في الحكم ، والذي تعوزه الشرعية الشعبية اخذت هذه الدول بالرد على عوامل التغيير التي تحركت في الشارع فشرعت القوانين التي تجرم العمل السياسي، وتضعه في دائرة الشبهة، وشرعت قوانين اخرى بهدف ترهيب الناس من العودة مجددا الى الشارع، وعمدت الى اعتقال كافة رموز مرحلة الربيع العربي، ووضعتهم في السجون، وسعت الى تفتيت القوى التي تحركت في الشارع، ووضعتها في دائرة الاعداء، وسارت بخطة الصاق صفة الارهاب بها، واسقطت الشعارات التي تحرك الشارع من اجلها، وكان الرد المعاكس، وطمست مرحلة الفساد، وتزايد الاستئثار بالسلطة، وجرى توسيع الصلاحيات، واضفاء اجواء عرفية على مجمل العمل السياسي، وكأن الرد لا يعدو كونه تعريض مرحلة الربيع العربي لللانتقام، والثأرية، والمحاسبة، وليس الشروع بالاصلاح بالاستفادة مما اسفرت عنه من كشف للخلل في المسيرة السياسية لمجمل هذه الدول.

واني لانظر الى موجة عاتية من الاضطرابات التي ستضرب مجدداً، والتي قد تتخذ اسما وشكلا جديدين حيث لم يبرد غليان الشارع، وانما تم القفز على ارادته، ومطالبه الرئيسية، وهذا الرد السلطوي سيقابله رد في الشارع، فقد ادركت الشعوب طريق الحرية، ولم تعد قابله للتضليل، وحتى مع مجريات الربيع العربي المؤسفة في المنطقة فهذا ليس مبررا لاعادة العسكرة لدولها ، ولتحول النظم القائمة فيها الى مطلقة او فاشيات، والزام الشعوب بالصمت او مواجهة الفوضى.

وان الشارع اذا تحرك فلا عقل له، وستحدث الفوضى بغضون ساعات او ايام او اشهر، وقد تقع الكارثة، وعند ذلك سيدرك اصحاب الحسابات المنقوصة انهم لم يقرأوا حقيقة الواقع ، وان التنازل عن جزء من السلطة مع خيار البقاء كان الاولى من الاستئثار بالسلطة كلها ومواجهة حتمية الفناء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات