بخار الانسانية


كالذي يسير بين تلال الرمال الصفراء في صحراء قاحلة قاسية و جرداء خالية من الحياة...كالذي يبحث عن قطرات ماء الغيث بين حبات رملها الجافة...كالذي ينتظر غيمة رطبة بيضاء في سماءها التي تستطع بها أشعة الشمس الكاوية...كالذي يتمنى أن يرى في سرابها في الأفق الرحبة بصيص أمل بأن هنالك واحة ماء أستطيع بلوغها لأروي ظمأي و لا خيال يتراقص أمام ناظراي...كالذي يحاول أن يلتقط من قسوة الزمان على عالمنا العربي بعض من الأنفاس لأغدو حي من جديد و أشعر بنبضات قلبي في داخل صدري مرة آخرى...ويح هذه الصحراء التي أنا بها فحتى الأمل بأن واحاتها على مقربة من مكاني اضمحل في وسط تلالها الصفراء الجافة...فحتى حينما دفنت يدي في رمالها لم أجد قطرة واحدة من الماء لأبل بها شفاهي العطشة الى الرطوبة... سامحني يا زمان فقد فاقت قسوتك حد الإحتمال...فأصبحنا نغمس لقمة إفطارنا بصحفة اليأس المريرة و نسكب في أكوابنا بدل الشاي ماء الحزن لنبل طعامنا به...فحتى رغيف العيش بات ملمسه في ايدينا قاسياً و يتكسر حينما نقتطع اجزاء منه في أيدينا لنشكل لقمنا على المائدة...ننهض من دون أمل بغد مشرق لنذهب الى عملنا فما الجديد...الحروب تحيط بنا من كل جانب لنشعر بأن البلدان من حولنا تتحطم تحت ثقل المعارك المدمرة...

فحتى حينما نفتح على نشرات الأخبار لا نسمع بها سوى أخبار الإنفجارات و الحروب و معانات بلداننا للنهوض من الأعباء التي خلفتها الثورات التي عصفت بها منذ بضعة سنين... اين أجد واحة الآمان...أين أجد الأمل من جديد...أترى ستشرق الشمس من جديد في الغد أم سنستيقظ على سماء سوادء في الغد...أم ربما ستكون الشمس موجودة و هذا السواد هو كحل حزن مخيف سيخنق في عيناي براعم الأمل التي احاول رؤيتها بهذه الصحراء القاسية...

يقول العلم بأن بعد العصر الجليدي الآخير الذي استمر لآلآف السنين و الذي أنتهت أثناءه الحياة كلياً تمكنت بعض من كميات البخار فجأة من الصعود الى طبقات الجو العليا مما ساعد طبقات الجو بحبس كمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي من أشعة الشمس...و هكذا ازدادت حرارة الكرة الأرضية رويدا رويدا من جديد و ابتدأت كميات الثلج الضخمة بالذوبان، و بعد مدد ليست بقليلة من الزمن ابتدأت اليابسة بالظهور من جديد...و مع أعتدال الأهوية ابتدأت النباتات و الحياة بالظهور من جديد على وجه الكرة الأرضية...فالثلوج الضخمة بكل جبروتها التي اختفت تحتها مساحات اليبس الشاسعة ذهبت و تلاشت مع اشتداد درجة الحرارة في الغلاف الجوي و على سطح الكرة الأرضية...فابتدأت الجياة البهيجة بالظهور من جديد...

عصر الحروب هذا ما حله لكي يذوب من عالمنا و تظهر من بعده الحياة من جديد...أقطرات من البخار تذيب ملايبن الاطنان من الجليد و انسانية يسفك دمها في كل يوم بطفولتها و نساءها و شبابها لا تنجح بايقاظ الضمير؟؟؟

لا تلموني ان ابتدأت خواطري بدمعة...ام بغصة حزن تفطر قلب حتى و ان كان من حجر...ففي الامس صرخت دمية من الخوف في حلب حينما لم تجد يد طفل تعودت على لمسة يده الحنون...بالامس ناحت امرأة بالعراق على ابنها الذي مات غدرا من انفجار و هو في طريقه لشراء الخبز لأشقاءه الجياع..بالامس دمعت عيون المسيح من جديد و لكن هذه المرة ليست من آلآلآم المبرحة...و لكن لان تراب الامة العربية تغير لونه الى الاحمر و ارتفعت انفس الشهداء كالجيوش الجرارة في جلد السماء الى ملكوت الرحمن و الضمير مازال مستتر

بالامس توشحت مآذن و باحات المساجد بالسواد لأن الفتنة التى حذر منها الرسول علية الصلاة و السلام هي السبب مع كل اسف...فالفرقة هي خير ما تصف حال عروبتنا...فمزقتنا العنصرية و فقدنا لحمتنا القومية الى الابد و كدنا ان نفقد اوطاننا...

لا تلوموني ان ابتدأت خواطري بأسطر يائسة و حزينة...فاصبح اليأس قدرنا مثلما كانت الشهادة قدر لم يختره اغلبية من ماتوا بالحروب في منطقتنا العربية...فرسمهم قدر قاسي كذلك لكي نتذكر بأننا من نصنع النكسات بأطباعنا العنصرية بينما ينعم الغرب بالسلام لانه تكلم و صان لغة الانسانية...

انطلق بخار الانسانية في الاجواء لتذوب هذه الحروب القاسية من على ارضنا فنحن كعرب لا نتعلم إلا بعد حلول الكارثة...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات