إضاءة على رواية "غواية لا تود الحديث عنها"


جراسا -

صابرين فرعون   - نقف أمام باب تركه الكاتب موارباً قليلاً، لإعمال دور العقل في قراءة انطباعية لما سنجده داخل هذا العمل الأدبي..

العتبة مخادعة، قد تحمل في شكلها المباشر سرداً للخطيئة التي يداهن بها الإنسان نفسه للهرب من واقع الغدر والفشل والفقر والألم، هي كلها تشكلات نفسية تضعنا في موازنة الصعوبات بالرغبة والضعف أمام هذه العناصر، كذلك يحمل العنوان معنى الإخفاء والستر والتغطية لذلك الأمر الذي يشدك لفك طلاسمه، بحب الفضول والمعرفة والمغامرة الآنية، ومن الداخل هناك صوت ينهر الأبطال عن الوقوع في شِرك الإغواء، في طياته الشك والريبة من النتائج، بالمقابل هناك صوت الاستطلاع وهو أقوى من الإنصات للعقل، يثير الرغبة في فتح أقفال الصمت والمسكوت عنه والخفي والغوص في كنه الذات..

اشتغل د.نائل العدوان في روايته "غواية لا تود الحديث عنها" على تقنية التداخل، فترك عناوين فصلية ليحافظ على تماسك الخيط السردي لحكايتين تتشابهان في أن بطل كل منهما يبحث عن نفسه التي ضاعت منه في طريقه لتحقيق طموحاته ونزواته، في تلك العناوين كان هناك درجات معرفية للإنسان بذاته وتقاسم دور البطولة بين تلك الأصناف البشرية باختلاف ثقافتها وزمنها ومكانها، كما يتدخل الراوي الذي يُعلق ساخراً من تمرد شخصياته بين فينةٍ وأخرى مؤكداً على أن الشخصيات هي من تجر الكاتب لعوالمها في دورة حياة النص "العمر بين سطور هذه الرواية يبدو خالياً من الفرحة التي كنت تبحث عنها، وكلما حاولت أن تضيء شمعةً لتنير لكَ غربتك، هنالك من يحاول إطفاءها بجملةٍ أو سطرٍ هزيلٍ"، أو محاورة ومخاطبة الدواخل النفسية في صورة الشخصيات "ربما يظن القارِئ هنا، أنك أناني، ولا يوجد في قلبك رحمة، وهذا ما لا نستطيع الحكم عليه، فحضور الجوع والغرابة تجعلانك كئيباً وميّالاً إلى عدم الحديث..."


اعتمد العدوان تقنية التكثيف القصصي والفانتازيا التي أظهرت المفارقة بين زمني الحكايتين، ووظف عنصر "الزمكان" في استحضار ملامح شخوصه من حضارتين مختلفتين أحدهما يعود لعهد السلاطين، والآخر للوقت الحاضر والثورة في مصر.


هناك تسلسل في أعمال د.نائل، الذي يوظف الفن التشكيلي والهندسة في طرح فكرة "الدوران والعجلة الزمنية"، التي تدمج الواقع بالمتخيل لابتكار خطاب فكري جديد، يتحدث عن فرز الإنسان لقواه العقلية والروحية عن الجسد الفاني، والتغلب على العوامل النفسية المُحيطة والمُؤثِرة في السلوك الفردي، فيأتيك بومضة درامية تميل للمسرح بكل حركتها وسيطرة العاطفة فيها، يُدخل إليها عوامل خراب البلاط الملكي في عصر السلاطين، هذه الومضة بدورها تعيدنا للتاريخ حيث كانت العشيقات والمومسات جزءاً أساسياً في حياة البذخ والإخفاق في إدارة شؤون البلاد، ثم ينتقل بك في درجته التالية إلى اغتراب الفرد لأجل لقمة العيش، ومغامرات القراصنة والهرب، وتظهر في الحبكة عناصر تكاملية تجانس وتدمج الحكايتين حتى يصل بك لمخرج رئيسي أنك في كل الحيوات والأقنعة التي سترتديها أو ترتديك أصلك التراب، يتساوى فيه الخير والشر، وأنت الذي يفرض سيطرته في معادلتهما وفي أثناء ذلك ستبقى تلميذاً في مدرسة الإنسانية...


د.نائل العدوان قاص وروائي وشاعر أردني، حاصل على درجة الدكتوراة في اقتصاد الأعمال من الجامعة الأردنية ويعمل في وزارة الاتصالات، صدر له :


"المرفأ" مجموعة قصصية، "مذكرات من تحت بيت الدرج" رواية، "نكايةً بالشعراء" مجموعة شعرية، "غواية لا تود الحديث عنها" رواية، كلها صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات