خواطر درامية ومسلسل قصة الأمس


كتبت هذه المقالة في 21 ايلول من عام 2014 كنقد فني لبعض من الأعمال المصرية التي عرضت بفترات متفاوتة بين أعوام 2008 و في شهر رمضان من عام 2014 و خلال السنة سالفت الذكر حيث كان مقصدي من هذه المقالات اخراج النفائس و الكنوز الدرامية المصرية و الفنية القديمة منها و الحديثة للمشاهدين و السادة القراء لعل الذائقة الدرامية عندهم تزداد دسامة و تصبح غنية اكثر، و خصوصا بعد الضغوطات الغير طبيعية التي شهدتها منطقتنا و الهجوم على الدراما العربية عموما و كأنها لغة غير إنسانية و غريبة عن عالمنا الإنساني و الإبداعي، فبينما تستقر هذه الفنون في بلاد الغرب عموما و تزداد قيم الإبداع و النشاط بها بصورة لا يمكن القول عنها إلا بأنها رائعة و حيث يصل الكلفة المعلنة للفلم السينمائي الواحد الى ارقام ضخمة جدا و الإيرادات منها الى مئات الملايين و المليارات من الدولارات و أضرب على سبيل المثال لا الحصر مثل فلم التايتانك حيث تخطت العائدات حين عرضه الى مليار دولار أمريكي...نقف نحن بمنطقة الشرق الأوسط بأرباك تام سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا نتأرجح بين الحروب التي تقتل إنسانيتنا و بين ضوابط اجتماعية و قيم غير مرنة و نظرات تقليدية غير سليمة عن الفنون و الإبداع و السينما و الدراما، فالمنطقة الوحيدة التي يهاجم و يُذَلْ بها الفنان عموما هي فقط في الواحد و عشرين دولة عربية...بينما في مائة و سبعين دولة حول العالم بإختلاف إنتمائها الثقافي و بتنوع حضاراتها و تقاليدها الإجتماعية تكرم الفنون بها بصورة كاملة و يكرم الفنان و يدعم قطاع الإنتاج الدرامي بصورة ضخمة، و بناءا على نظرية النسبة و التناسب فهذه أغلبية ساحقة للبلدان التي تكرم و تدعم الفنون بأنواعها من نحت و رسم و تمثيل مسرحي و سينمائي و غيرها من فنون جميلة...

اقف متحيرا جدا مما وصلت اليه منطقتنا العربية فلم يكفينا تصنيفنا من قبل الدول المتقدمة بأننا دول عالم ثالث بمنطقتنا العربية...بل أخرتنا الحروب و الضغوطات الإجتماعية التي مررنا بها مؤخرا الى الوراء كثيرا لنصبح مرهقين الى أبعد الحدود غير واضحين الهوية ذوي لحمة ممزقة من شدة الفكر العنصري و الطائفي الموجود في بلادنا العربية عموما و نتأرجح بين تيارات فكرية لا تخدم بلادنا على الإطلاق، أتمنى للقراء الأعزاء وقت طيب مع هذه الفقرات التي من شأنها تسليط الضوء على تجارب درامية مختلفة من السينما المصرية، فأتمنتى أن تتعافى الدراما في مصر كليا من مصابها الحالي و أن يزداد الوعي و الضمير حول أهمية السينما في مصر و البلاد العربية و كم من الضروري النهوض بالدراما في الأردن و دعم هذه القطاع الحيوي في بلدنا الحبيب، فكم من فنان عطش الى العطاء في مملكتنا الحبيبة و فوجب علينا تحريك هذا القطاع الذي لم يجد الجدية إطلاقا و لم يلاقي إلا الإهمال لفترة طويلة جدا من الزمن،

قصة ناجحة جدا كعمل درامي تم إنتاجها بعام 2008، رب اسرة إسمه المهندس أحمد الشيخ (الفنان مصطفى فهمي) و له ولدين مي (الفنانة هبة مجدي) و وليد (الفنان حسين الصباح) و هو مخلص لزوجته الجميلة و الجذابة زهرة (الفنانة إلهام شاهين)، يقرر أحمد الشيخ بموافقة زوجته قبول عرض عمل في دولة الكويت و العمل بشركة إنشاءات كبرى حيث ان الراتب مجزي جدا، فيظن أن حياته ستكون سعيدة بهذه الخطوة، و لكن مع مرور الأيام و الأشهر تعود أسرته الى مصر بسبب جامعة اولاده، فيكشتف و هو بعيد عن زوجته بان غربته تسبب له الفراغ العاطفي فتقوده هذه المعادلة الى حب لم يفكر به من قبل إطلاقا، فيرق قلبه لمهندسة زميلة له بالشركة المهندسة مرفت (الفنانة ميرنا وليد)...و بعد فترة من العمل معا ينتهي به المطاف الى الزواج بها من دون علم زوجته زهرة،
تناقش هذه القصة الكلاسيكية الرائعة و المبدعة انعكاسات الغربة و الزواج الثاني بصورة واقعية جدا، فنرى المهندس احمد ينغمس من دون رادع بحب زوجته الثانية بالوقت التي تعيش زهرة زوجته بعيدا عنه هي واولاده لفترة من الوقت و هي تظن أنه مخلص لعلاقتهم الزوجية، و تحدث الكارثة الكبرى عندما تعلم بهذا الزواج حيث تجرح بصميم كيانها كزوجة و إمرأة و تقرر الإنفصال عنه، و نرى هنا الألم و المرارة التي يعيشها أولادهم في وسط هذه القضية المؤلمة بحياتهم، فيكون الطلاق سيد الموقف هنا و تتفاقم الأزمة بين زهرة و أحمد حينما تقرر زهرة التفرغ لعملها بالسلك الدبلوماسي المصري كسيدة مجتمع مستقلة عن زوجها تماما، و نرى هنا القرار الخاطئ للزوجة الثانية مرفت بالإترباط برجل متزوج و الإندافع بصورة متهورة وراء عواطفها و احاسيسها غير مدركها بأنه لا يحترمها إطلاقا و يفكر بها بحقيقة الأمر بأنها إمرأة عابرة بحياته، و حتى عند طلاقه من زوجته نرى هنا أن مرفت تعيش مأساة حقيقية مع والدها (الفنان أحمد عبدالوارث) لينكشف للقارئ حياتها المليئة بالألم مما قد يفسر اندفاعها الأعمى وراء أحمد الشيخ،
الجميل هنا أن بالرغم من الترقية التي تحصل عليها زهرة بعملها بالخارجية وقت طلاقها من زوجها و بالرغم من دخول حب ثان بحياتها السفير رافت (الفنان نبيل نور الدين) نرى أن القدر لا يجمعها مع هذا الحب البديل، بل بنهاية هذا المسلسل تتصالح من زوجها في رسالة للمجتمع بأنه بوجود الأولاد و المسؤولية التضحية و التسامح بين الزوجين ضروري جدا، فمهما تكن حجم المشاكل قساوة القلب ليست هي الحل بل إذا اعاد القدر دروب الزوج و الزوجة مع بعض لحظات التسامح و المغفرة الحقيقية هي الحل،
بالحقيقة قدم فريق عمل هذا المسلسل قطعة درامية رائعة و قد أعجبني هذا العمل جدا، فلم أشعر بالملل إطلاقا و أنا اتابع حلقاته، عمل اتصف بصورة نادرة بالإتقان بكل ابعاده كعمل درامي من حيث الإخراج و اداء الفنانين و السيناريو و ارتقى ليكون مادة تمثل الدراما المصرية بخلاف اعمال كثيرة اثارت إنزعاج الشارع العربي بسبب وجود نقاط ضعف كثيرة بها، فمثلا و على سبيل المثال لا الحصر في مسلسل إتهام احتوى هذا العمل على قدر مبالغ به من الأحداث التراجيدية لتصبح احداثه تزعج المتفرج بدل من أن توفر له الرفاه او التسلية، و قد لاحظت أن قصته ضعيفة لا تحتمل توزيعها على 30 حلقة، و مسلسل السيدة الأولى لم يأخذ الضجة المرجوة بسبب ربما ملل الناس من السياسة نتيجة الأحداث الساخنة التي مرت بها مصر فالتوقيت لم يكن موفقا بعرضه بهذه الفترة، و هنالك مسلسل سرايا عابدين الذي احتوى على خطئ تقني فاضح بالسيناريو فقد شرحت الكثير من الصحف حيثيات هذا الخطئ الكبير، فقد حافظت الكاتبة على شخصية الخديوي اسماعيل و على قصر سرايا عابدين بالمسلسل و قامت بتأليف أحداث لم تحدث مع الخديوي اسماعيل لتسبب ارباكاً للجمهور و للصحافة و للنقاد، لا أقارن هذه الأعمال مع بعض فهذه الأعمال من فئات فنية محتلفة و إنما أتحدث عن وجود أخطاء فاضحة، فلاحظت خلو مسلسل قصة الأمس من الأخطاء المزعجة و تمتعه بأجواء فنية محترفة، و قد أبدعت الفنانة الهام شاهين بلعب دورها كفنانة بصورة كبيرة و قديرة، فهذه الفنانة الجميلة و الجذابة قدمت عدة اعمال رائعة و هي بالغنى عن شاهدتي كناقد فني...، و لكنني بالواقع رأيت بها الفنانة الموهوبة و المبدعة كما أنها تتمتع بِمَلَكَةْ "إتقان الدور" بصورة رائعة جدا، و لاحظت كم حضورها بالمقابلات التلفزيونية قليل و لكنها حينما تنوجد بمقابلة تتمتع بالشخصية القوية و الكلمة المثقفة و تقول من دون خوف ما يخالج فكرها و وجدانها، و اذكر تماما بعام 2012 حينما أَطَلًتْ علينا في برنامج ناس بوك مع الإعلامية الدكتورة هالة سرحان حيث تعرضت وقتها لهجوم كبير من قبل أحد المتشددين، فكم أحزنني جدا بكاءها و جرحها...بل شعرت مع مُصَابَهَا حيث أن طبيعة الهجوم جارح جدا و ليس له تبرير إطلاقا...فما هي القيمة المرجوة من جرح البشر بهذه الصورة سوى الإنتقام...و الإنتقام صفات بشر لا تتمتع بروح التسامح و الفضيلة الحقيقية فالتسامح هبة الله للبشر لكي يستطيعوا العيش بصورة متناغمة مع بعض من دون احتقانات و مشاكل، و الصفح و التسامح مع الآخر حينما يُخْطِئْ اليك او حتى بوجود مشكلة هما صفتين يمارسهما الوثن مع بعض في مجتمعاتهم فبما نغالي كمؤمنين بالله مع بعض حينما لا نمارسهما بحياتنا؟ لا أعلم بالضبط فأخلاقنا كمؤمنين بالله يجب أن ترتقي الى حتى فضائل أسمى مما يمارسه الوثن،
آملي أن ارى اعمال في المستقبل بحجم و احتراف هذا العمل من الفنانة الجميلة إلهام شاهين، و أثني عليه جدا حيث أبدع كادره بما قدموه و تميزت الفنانة إلهام شاهين جدا به، بل تميزت بعدد من اعمالها فاستمتعت بمسلسل "قضية معالي الوزيرة"، و ايضا بفلم "واحد صفر" و عمل قديم لها بإسم "الشيطانية" و عدة اعمال لها لا مجال لذكرهم جميعا هنا،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات