القطاع الزراعي بين الواقع والطموح


• الزراعة أول المهن التي مارسها الإنسان منذ أن وجد على هذه البسيطة، وهي عالم ونظام من الحياة والعمل والإنتاج والتصنيع والتسويق، وهي علم وفن في التعامل مع مخلوقات الله سبحانه وتعالى (النبات والحيوان)، وهي مهنة الأنبياء والمرسلين، ومهنة الآباء والأجداد، ومهنة الفقراء، ومهنة الصبر والمغامرة والإيمان والتوكل على الله، وهي أيضًا أساس المهن الناشئة والمتطورة ، وأساس التنمية المستدامة للمجتمعات والشعوب، وهي كذالك أهم القطاعات الإنتاجية على مر العصور وفي كل مراحل التنمية التي تمر بها الدول، ومظهر من مظاهر التطور والازدهار فيها.

• تعدّ الزراعة في جميع الدول كما هو الحال في الأردن ركيزة أساسية للتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتضع الدول الخطط الاستراتيجية الزراعية على هذا الأساس، وتهتم بتخصيص موارد متزايدة لدعم القطاع الزراعي، مع الإصرار على عدم التراجع عنه، وليس مقبولاً أن لا يدعم القطاع الزراعي في ظل محدودية الموارد ، بل ينبغي أن يبدي حرصًا أكبر على دور الزراعة التنموي ومن كافة المستويات وخاصة المتعلقة بالأمن الغذائي وصحة المواطنين ، وسلامة البيئة ، وهذا لا يمنع من تحقيق شروط الكفاءة الاقتصادية ومنها: الميزة النسبية والمنافسة السعرية وتقليل التكاليف، حيث يمثل هذا القطاع قاعدة اقتصادية للتنمية المتكاملة للريف وتنمية البادية، من خلال الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية، وتوليد فرص العمل، ونمو الصناعة، وزيادة الصادرات ،وتنمية الاعتماد على الذات ،وخفض الميزان التجاري الزراعي ومنع الهجرة من الريف إلى المدينة والمحافظة على الموارد، وتحقيق متطلبات التنمية المستدامة.

• يزداد القلق لدى المجتمع بسبب التراجع في دور القطاع الزراعي الأردني ومساهمته في الاقتصاد الوطني، حيث لا تزيد مساهمته على 3% في وقت يعزى فيه هذا التراجع إلى عدد من التحديات التي تواجه قطاع الزراعة في عهد النهج الاقتصادي الجديد وتحرير التجارة، والتوقف عن الدعم لهذا القطاع، وإلغاء الحماية الجمركية لبعض السلع الزراعية، والتي كانت سببًا في هذا التداعي لهذا القطاع، وما يترتب على ذلك من تراجع فرص العمل والدخل، والتنمية الريفية ، وضعف استغلال الموارد الطبيعية، من أرض ومياه وغطاء نباتي ومنع تدهورها.

• عملت الحكومات المتعاقبة السابقة على إعداد الخطط الإستراتيجية لتصويب وضع هذا القطاع والارتقاء به لتجاور التحديات، وزيادة مساهمته في الدخل الوطني، إلا أن هذه المحاولات لم يكن للنجاح نصيب كبير فيها، فالخطط الإستراتيجية تحتاج إلى جهود من كافة الشركاء من المؤسسات العامة والخاصة، لإنجاز المهام المتعلقة بدور كل منها، وتنفيذ المشاريع التابعة لها، وضعف الإرادة الفاعلة لتطوير هذا القطاع، وعدم وجود قوى وجماعات أو لوبي زراعي يدافع عنه، والاهتمام بالدعم الموجه إلى الإنتاج مباشرة، وضعف الدعم المقدم للبحث العلمي ونقل التكنولوجيا والبنية التحتية، و تغير البيئة الاقتصادية والاستثمارية والظروف والأسواق الخارجية، وكل هذا يمثل تحديات واجهت الجهود الحكومية للارتقاء بواقع هذا القطاع ومساهمته في الدخل الوطني.

• إن حجم المساحة المستغلة في القطاع الزراعي 3% من مساحة المملكة الكلية ، بينما الغالبية من هذه المساحة تعتمد على مياه الأمطار المتذبذبة سنويًا، وتعدّ الزراعة تقليدية؛ حيث تزرع في منطقة الأغوار الحمضيات والخضروات مثل البندورة والخيار ، كما إن ارتفاع كلفة مستلزمات الإنتاج الزراعي، وارتفاع كلفة الإنتاج على المزارعين، وتعاظم المخاطر الزراعية، وتعريض المزارعين للخسائر، والمبالغ الكبيرة التي تتحملها خزينة الدولة للتعويض عن هذه الخسائر، وتناقص كميات مياه الري ونوعيتها ، والتراجع في مساحة الأراضي بسبب التوسع العمراني غير المخطط له وتفتت الملكية الزراعية، وتراجع المساحات المزروعة وتذبذبها ، واتساع الفجوة بين الإنتاج المحلي والاحتياجات من المحاصيل الزراعية، وسوء استغلال الموارد الرعوية في مناطق المراعي، وضعف تفعيل التشريعات المتعلقة بالحماية للأراضي، وتحديات تنظيم العملية التسويقية والعمالة الزراعية، تشكل جميعها التحديات التي تواجه قطاع الزراعة، فهي تحديات تهدد الأمن الغذائي الوطني، مما يتطلب ترتيب الأولويات لمواجهة هذه التحديات للنهوض بواقع القطاع الزراعي في الأردن ومستقبله.

• بالرغم من وجود الكثير من التحديات، إلا أن فرص تنمية القطاع الزراعي وتصويب مساره متوفرة، وذلك من خلال الميزة النسبية للتنوع المناخي في الأردن، وسهولة الوصول إلى الأسواق العربية والأسواق الأوروبية، والإعفاء الضريبي على الموارد الزراعية ،والأسواق والفرص التصديرية، وعضوية الأردن في المنظمات العربية والدولية للتجارة، وتوفر شبكة البنية التحتية للاستثمار في هذا القطاع ،وإمكانية تطوير والسدود وبناؤها في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على المنتجات الزراعية، وزيادة حجم السكان والمستهلكين والنازحين إلى الأردن، وتنويع أشكال الاستثمار في القطاع ،مثل المتعلقة بتصنيع الخضروات، وتجفيف الفواكه ،وتعبئة زيت الزيتون، تجعل من فرص الاستثمار في هذا القطاع طريقًا للنجاح.

• لقد لوحظ في السنوات الأخيرة تضاعف خسائر المزارع الأردني وأصبح العائد والمردود المادي من الاستثمار في هذا القطاع لا يغطي التكاليف، وهذا يستدعي مراجعة كافة السياسات والإجراءات المتعلقة بهذا القطاع، وذلك تأكدًا على أهمية هذا القطاع ودوره في الأمن الغذائي الذي يوازي الأمن الاجتماعي في أهميته للمجتمع الأردني، ونحن في الأردن نعمل بكل أسف على طريقة الفزعة ، فنعمل بدون خطط وترتيب أولويات، ونعتقد بأننا قادرون على أن نكون دولة ذات إنتاج زراعي، رغم شح المياه ومحدودية الموارد ، ولكن هذا يحتاج إلى قرار سياسي لدعم هذا القطاع الهام، فقد كان الأردن منذ الستينات من القرن الماضي يعج بسهول القمح والشعير في سهول إربد وغيرها، وكانت الزراعة مزدهرة، فأين نحن الآن من هذا ومن هو المستفيد من عدم وجود ذلك؟ وأين أصحاب القرار في هذا القطاع؟ أين نظام استعمالات الأراضي الذي أقره مجلس الوزراء؟ متى سينفذ ؟ ولماذا لم ينفذ؟ ، كما أن هناك عشرات الأصناف والأنواع من الفواكه الاستوائية تخلو منها أراضينا الزراعية بالرغم من ملائمة الظروف الجوية والبيئة لها، وهي منتجات تباع بأسعار عالية، وتطلب في الأسواق العربية والعالمية، لماذا لا يتم توجيه المزارع إلى هذه الزراعة؟ وكذلك، لماذا لا يتم توجيه المزارع إلى الزراعة المائية التي توفر المياه والأسمدة والتي تمثل أحد التوجهات المستقبلية للزراعة في العالم؟، كما يمكن الاستثمار في قطاعات واعدة من مثل: الأزهار والنباتات الطبية والعطرية والأسماك والفطر الزراعي وغيرها.

وبعد كل ما سبق أليس من الواجب أن نعيد النظر في ما هو موجود في واقع هذا القطاع ؟ وأن نمعن النظر مرة أخرى لترتيب أولويات هذا القطاع على مستوى السياسات والإجراءات التنفيذية لاتخاذ القرارات الزراعية بما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن فالاقتصاد الأردني بحاجة إلى قطاعات إنتاجية تسهم في رفده ونموه ، والقطاع الزراعي أحد أهم هذه القطاعات ونعتقد بأن مسؤوليتنا الجماعية أفرادًا ومؤسسات بأن نتشارك في مسؤولية تنمية هذا القطاع الحيوي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات