رغبة الإنتقام الجزء السابع


وقف ممدوح سالم وسط الظلام الدامس في تراس العوامة التي كانت راسية على ضفة مبهمة الهوية من ضفاف النيل، استطاع رؤية ما استطاع من البيئة التي كانت تحيط به من سنى الهلال الخجول في جلد السماء الرحبة، فكانت العوامة راسية في منطقة يَكُثُر بها الخَضَار و الزرع و الأشجار على ضفتي النيل، شعر بأن العوامة في منطقة ما في جنوب المجرى النهري فهذه الغابات كانت تزداد كثافة كلما اتجه المرء الى الجنوب حيث تكثر ايضا قرى الفلاحين و المزارعين و الأجواء الريفية الأصيلة، استنشق الهواء الطلق من حوله ليجد رطوبته مشبعة برائحة الورود المنعشة فلهث لسانه بكلمة "يا الله"، فكانت رائحة الورود جميلة جدا، سأل ذاته "أين أنا بالضبط؟ أيًة قرية تجاورني في هذا المكان؟ أم أنني تائه في عوامة في وسط مجري النيل وسط أدغال طبيعية المَنْبَتْ؟"

أخرج من جيبه علبة كليوبترا و أخذ سيحارة منها، أخرج من جيبه ولاعة و أشعل النار، و لكن قبل أن يشعل سيجارته نظر أمامه فإذ بوجه فجأة ينظر اليه، ارتسم على الوجه ملامح الصدمة و صرخ بوجه ممدوح "من أنت!"،

قبل أن يدرك ممدوح ماذا يجري قفز الى الوراء من الخوف، سقطت الشعلة من يده و استقرت على الأرض و لكن بقية شعلتها مضاءة، فأسرع الشخص بوسط الظلام اليها و أمسكها و اغلق غطاء الولاعة لتنطفئ النار الصغيرة تماما، و لكن بعد ثوان معدودة اشعل الشخص الشعلة مرة آخرى و سار نحو ممدوح الذي كانت الصدمة ماتزال تسيطر عليه، مع اقتراب الشخص منه رويدا رويدا توضحت ملامح الوجه أكثر فكانت إمرأة بثوب ريفي، كانت جميلة جدا حيث كانت الشعلة كفيلة بإضاءة وجهها بالكامل، قالت بتوتر "أخفتني يا باشا! والله العظيم لو تعلم كم قلبي يخفق من الخوف و التوتر،" وضعت يدها اليمنى على صدرها فكانت تتنفس بصعوبة من شدة الخوف،
اجاب ممدوح "والله لا أعلم من اخافت المفاجأة أكثر...أنا أم أنتِ؟"
أخذت نفسا عميقا و سيطرة على توترها ثم قالت "انت الذي أخبرني عنه سي يوسف باشا،"
"سامحه الله، فقال لي أن هذه العوامة شبه مهجورة هنا،"
"ليس كليا يا باشا، فانا أنظف هذه العوامة منذ ثلاثة سنين، آتي مرة في الأسبوع اليها كي اتفقدها فأحيانا يزروها سي يوسف باشا هو و عائلته،"
"أنا آسف، لم أعرفك بنفسي، اسمي ممدوح سالم، و أنا صديق ليوسف، و سأقيم بهذه العوامة بضعة ايام،"
فجأة ارتفع في الخلفية صوت آلة العود، فكان أحدهم يعزف بالقرب من العوامة تقاسيم شرقية، نظر ممدوح الى المرأة الريفية و سألها، "ما اسمكِ؟"
"اسمي مليكة،"
" اسم جميل،"
"شكرا يا باشا، اسمح لي، يجب أن أنظف المكان،" ارتفع صوت عزف العود أكثر ثم سمع صوت رجل يغني مع الأنغام الموسيقية "اعطني الناي و غني...فالغناء سر الوجود...و أنين الناي يبقى...بعد أن يفنى الوجود"
فسأل مليكة "قبل أن تذهبي...من يعزف على العود و يغني لفيروز في هذه الساعة من الليل المتأخرة؟"
"انه شاب اسمه نادي المالكي،"
"صوته جميل جدا،"
تراقصت شعلة النار أمام وجهها من نسمة رطبة عابرة و تراقصت معها بعض من خصل شعرها الأسود التي كانت بارزة من حول حجابها الريفي، فكانت مليكة طويلة القامة بعض الشيئ و ذات خصر نحيل، و كانت عيونها السوداء تلمع في ضياء لهب الشعلة كنجوم السماء البراقة، أجابت "اعتاد في كل ليلة الخروج الى المروج المزروعة بجانب العوامة ليعزف بين الخُضْرَةِ ألحانه الشجية، فمنذ اندلاع ثورة 30 يونيو و الحزن يسيطر عليه بصورة مستمرة، فيعزف على العود و هو يجلس وسط الزرع ينتظره لعله يعود"
"يا للمسكين، هل فقد أحد أهله؟"
"ابنه يا بيه، ابنه و فلذة كبده، فسافر الى القاهرة اثناء ثورة 30 من يونيو و لم يستطع العودة بسهولة من الأحداث، فكانت الدنيا بالقاهرة مشتعلة بسبب الثورات، و اثناء مسيره في وسط حي من احياء القاهرة فقد ابنه وسط الإزدحام، و حاول البحث عنه كثيرا و لكنه لم يجده..."
اجاب ممدوح بحزن شديد "مع الأسف، ألم يبلغ الشرطة؟"
"لو كان من المسؤلين الكبار لكان ابنه..."
قاطعها "لا تكملي، الذنب ليس ذنبكم، فأساساً لم يكن حينها جهاز للشرطة بالبلاد، فمن سيعينه على البحث عن ابنه،"
ارتفع صوت نادي من جديد و صوت عوده الجميل، فقال ممدوح "هيا اذهبي يا مليكة و قومي بعملك،"
"الوقت متأخر و يجب أن أنجز بعض الأمور بسرعة،"
"كدت أن أنسى، اين مفاتيح الكهرباء؟ فبحثت عنها فلم أجدها؟ الظلمة شديدة هنا،"
أجابت آمره "اتبعني،"
تبعها ممدوح الى داخل العوامة، فمدت يدها صوب الجدار و بحثت قليلا على سطحه ثم اشعلت النور عند مدخل الصالة، نظر ممدوح بذهول الى اثاث الصالة الذي استقبلهما، فكان عصري جدا بغير توقعاته، فالذي كان يعلمه عن يوسف أنه لا يحب التردد على عوامته كثيرا لذلك لم يتوقع أن يجد أثاث أنيق في داخلها، بل الذي كان يعلمه أنه كان يسعى منذ فترة لبيعها لعائلة خليجية كانت تنوي شرائها لأغراض ترفيهية في عطل الصيف و الربيع، و لكن يبدو أنه كان لزوجته رأي آخر،
سار ممدوح في وسط الصالة و سأل مليكة و هو يتأمل الأثاث بفضول كبير "مليكة ما سم هذه العوامة؟"
سارت مليكة نحو ثلاجة الميني بار في الصالة و فتحت بابها و أجابت "لحن القلوب"،
جلس ممدوح على أحد المقاعد في الصالة يراقب مليكة و هي تضع بعض المشاريب وعُلَبْ المرطبات في الثلاجة من كيس بلاستيكي كان بيدها، قال بإستغراب شديد "لا أظن أن عمل يوسف الأمني له علاقة بالموسيقى...غريب اسم هذه العوامة،"
فتحت مليكة علبة مرطبات و سارت نحو ممدوح، و ضعت له العلبة قائلة "تفضل، فالجو حار بعض الشيئ هنا، سيد ممدوح هذه العوامة الثابتة لها تاريخها، فلو قمت بإعادة الصور و التحف الموسيقية الى مكانها الحقيقي ستشعر بأنك في عوامة لموسيقي كبير،"
نظر اليها و هي تسير صوب الميني بار من جديد، أغلقت بابه ثم ذهبت نحو المطبخ و هي تقول "كانت لنجاح عبدالسلام،"
اجاب بلهفة "نجاح من؟"
اجابت مؤكدة "نجاح عبدالسلام!"
"يوسف اشتري هذه العوامة من نجاح عبدالسلام؟ صدفة غريبة جدا، أنا أحب معظم الألحان التي قام بتأليفها،"
"بل من ورثته، اشتراها منذ عشرة سنوات بمبلغ كبير...يقولون أن العوامة هذه الايام تساوي مبلغ و قدره،"
"الذي أعرفه أن نجاح عبدالسلام من بلدة عين الجاموسة في الارياف..."
"نحن بها يا سي ممدوح بيه..."
تذكر أن السيجارة كانت ماتزال بيده، فسأل مليكة "هل الولاعة مازالت معكِ؟"
"يا للكسوف، نسيت أن أعطيك اياها، هل تستطيع ان تاخذها من على الطباخ فيداي مبلولة بالماء و الصابون،"
"لا عليك، انني قادم،"
دخل المطبخ و نظر اليها لبرهة من الزمن، كانت قد خلعت عنها الثوب الريفي و كانت واقفة بالقرب من المغسلة بلباس ضيق بعض الشيئ، فكانت ترتدي بنطال اسود و قميص ابيض من فوق، و كانت حافية القدمين، كان جزءا يسير من شعرها الاسود الطويل ينساب حول كتفيها، بشرتها كانت بيضاء كالثلج و خصرها كان جذاب جدا، كم كانت جميلة هذه المرأة الريفية، شعر ببعض الضيق فابتدأ جمال مليكة يأسر عاطفته كرجل بصورة قوية، فَبُعْدَهُ عن حياة بالفترة السالفة لم يكن بقليل و ضغط العمل كان مهلك للغاية و نادرا ما كان يعطيه فرصة للتنفس، شعر برغبة قوية بلمس خصرها و ضم راسها لصدره...فاقترب منها، و لكن قبل أن يحرك يده نحوها التفتت الى الوراء و قالت مستغربة...
"يا بيه ألم تجد الشعلة..."
استعاد رشده و استقيظ من عالم الرغبات الجنسية الحالم و قال و هو يبحث بارجاء المطبخ "لم أكن أعلم أنني في قرية عين الجاموسة..."
التقطتها من على طاولة المبطخ و قالت "تفضل سي ممدوح...أهلا و سهلا بك في قريتي،"
"سأعود الى الصالة،"
خرج من المطبخ و العرق يملئ جبينه، فكاد أن يرتكب حماقة كبيرة مع هذه المرأة الغريبة، فماذا كان سيفعل لو إلتفتت و صفعته على طيشه معها، أو حتى صرخت بصوت عالي و تسببت بفضيحة كبرى له وسط اهالي قريتها؟ كان موقفه سيكون محرج جدا، فَكًرَ في ذاته بعواقب طيشه و شكر الصدفة التي ردعته عن هذا الفعل الغير مسؤل، "كدت ان أخون حياة حبيبتي...ملعونة هي ساعة الضعف و ضغوطات الحياة التي تدفعنا بطريق النزوات و الحماقات في بعض الاحيان،" دمعت عينيه و هو يتذكر كيف تركها بالفندق مع فريق الإسعاف و توجه الى حيث ناداه واجبه الوطني...، فكانت بين الحياة و الموت حينها، و لكن يوسف مديره طمأنه منذ بضعة ايام عن صحتها، و اكد له بأنها تتعافى من مصابها،"

سيعود لها قريبا، فخلال بضعة ايام سينتهي من واجباته بهذه القضية ثم سيعود لأسرته مرة ثانية، ربما ستتغير اسمائهم و محلات اقامتهم داخل مصر بعد هذه المهمة و لكن مصر بلاد كبيرة جدا و نسمتها ضخمة جدا و للضرورة أحكامها، سيتوهون وسط سكانها تحت اسماء جديدة و هويات احوال شخصية جديدة و ربما سيضطروا لإجراء عمليات تجميل للوجه لتتغير ملامحهم قليلا...و لكن في كل الظروف ستكون هذه الحلول أحسن لهم من العيش مطاردين من المخابرات الإسرائيلية...فسلطة الهِتْ مان التي طلبها من يوسف مديره اشترت له و لحياة و اسرته حياة جديدة بالفعل،

أخذ بضعة رشفات من سيجارته و نظر الى مليكة و هي تخرج من المطبخ، ابتسمت له ابتسامة بسيطة ثم نظرت له بنظرة تهديد، وقف في مكانه بإستغراب منها، سارت نحو جدار في العوامة و قالت له، يا سي ممدوح أنت رجل مشاكس،
أجابها "أنا، ماذا تقصيدين،"
وضعت يدها في منتصف الجدار ثم ابتعدت عنه، فإذ به يستدير بصورة دائرية حول نفسه، لهث لسان ممدوح من الذي رأه فلم يتوقع ما كان يحدث أمامه إطلاقا، كشف الجدار و هو يستدير حول نفسه في الجهة الآخرى لوحتين تحكم الكترونية و شاشتين تلفزيونية و هاتف ارضي و طبق ارسال و استقبال صوت و صورة، اكمل الجدار دورته بالكامل ثم استدارت مليكة مرة ثانية و واجهته قائلة "أتريد أن ترى ما فعلت بالمطبخ؟"

طبعت مليكة بعض الأوامر على لوحة المفاتيح ثم ظهر له تسجيل فيديو على احدا الشاشات يصوره منذ لحظاته الأولى في العوامة، و بعد برهة من الزمن رأى نفسه و هو يُكَلِمْ مليكة في التراس و شعلة الولاعة بيدها، نظر الى لوحة التحكم أمامه بإستغراب تام فلم يتوقع بتاتا أن تكون هذه العوامة الموجودة بهذا المكان الريفي مراقبة بهذا الشكل الكامل و عليها ايضا هذه التجهيزات المتقدمة، ابتسم حينما رأى نفسه و هو في المطبح ينظر بتمعن الى غنج مليكة و يتأملها و هي تنظف الأطباق في المغسلة، احمرت وجنتيه و هو ينظر الى الشاشة فضحكت مليكة ثم قالت "يا مشاكس هل أعْجَبْتُك الى هذا الحد؟"
أجاب بإرتباك مثل الطفل الصغير الذي يجيب والدته بتردد بعد أن ارتكب الخطئ "أنا...أنا...أنا..."
اجابت مليكة ضاحكة "لا تكترث للموضوع، انسى الموضوع نهائيا،" سيتصل بنا يوسف في اي لحظة..."
قاطعها ممدوح و سأل بتعجب "الآن دوري لأسال الأسئلة...ألم تخبريني أنك خادمة و تنظفي المكان؟"
"أنا فعليا خادمة و أتي لأنظف المكان هنا، لم أكذب عليك، و لكن مؤخرا جندني يوسف لخدمة المخابرات العامة، فيتصل بي عبر هذه المحطة حينما يريد الإتصال بعملائنا السريين الموزعين في أنحاء العالم،"
فجأة ارتفع جرس هاتف خلوي بيد مليكة، فأجابت "سيد يوسف كيف حالك...حاضر..."
طبعت مليكة بعض الأوامر على لوحة المفاتيح فظهرت صورة يوسف على الشاشة،
فسأل يوسف "كيف حالك يا ممدوح..."
"سيد يوسف انا في ذهول تام من وحدة الإتصال هذه، لم يبقى سوى ان يظهر لنا جيمس بوند في هذا المكان..."
ضحك يوسف ثم أكمل الحديث، "رقمك الوظيفي تغير يا صديقي، فأصبح رقمك 217، و من الآن فصاعدا اسمك في وسائل الإتصال بيننا ليث القاهرة،"
"لا مشكلة لدي، و لكن سيد يوسف ما هي آخر الأخبار؟"
أجابه بثقة على شاشة التلفاز "وقعت عمارة الحوريات بين ايدينا آخيرا، و شرطتنا الآن تفرض طوقا أمنيا محكما عليها، و عثرنا على وثائق بها معلومات قيمة قد تساعدك بالوصول الى عصابة الجواسيس، الرأس المدبر للعمليات تبين أنها تسكن في اسرائيل و اسمها سارة كوهين، اما جماعتها في القاهرة فهم ثلاثة أفراد...كارمن محمود و عصمت عبداللطيف و داود كوهين، قتل سامح زميلك داود كوهين منذ بضعة ايام في عمارة الحوريات...و لم يتبقى سوى عصمت و كارمن،"
أجاب بخيبة آمل "مع الاسف فبعد مقتل هذا الرجل هنالك احتمال كبير بانهم قاموا بتغير عناوينهم من جديد...أو حتى قد غادروا البلاد، "
"لا تقلق فقد وصلنا بسرعة الى بيناتهم الشخصية و اسمائهم بالموانئ البرية و البحرية و الجوية...قد ينجحون بالتوهان منا و لكن لن ينجحوا بالهرب من القاهرة إطلاقا..."
أجاب بغضب "يا سيد يوسف قد يسافروا مع وفد من السفارة الإسرائلية الى الخارج تحت غطاء دبلوماسي...قد تحميهم سفارتهم...مقتل داود سيدفعهم للهروب من القاهرة...أنا متأكد!"
أجاب يوسف بنبرة هادئة "اهدء يا ممدوح، قد ارسلت لك على هاتفك الخلوي العنوان الذي ارسلته كارمن في آخر مراسلة بينها و بين سارة كوهين، و لكن إذا لم تجدهم في هذا المكان لا تقلق، اتصل بي و أنا سأتصرف، فالوثائق التي بين ايدينا ستدينهم و سيصدر قرار بسهولة من النائب العام بضبطهم و احضارهم فورا للتحقيق معهم فجهاز المخابرات و الأمن المصري سيجبر سفارتهم بتسليمهم لنا،"
"إذا كان الأمر كذلك يجب أن اذهب الى هذا العنوان بسرعة قبل أن يلجئوا لسفارتهم، فلا أظننا سننجح بإجبار الدولة الإسرائيلية بتسليم هذه الشخصيات، و أقسم لك بأنهم حتى لو لجئوا الى سفارتهم سأقتلهم و هم بداخل السفارة،"
أجاب يوسف بقلق شديد "يا ممدوح لا تقترب منهم و هم في السفارة إذا تبين لك أن الأمر كذلك، اترك الأمر لعلاقاتنا الدبلوماسية معهم،"
أجاب بنبرة تهديد "لن استطيع قطع اية وعود لك بهذا الشأن..."
"يا ممدوح قد يتسبب اقدامك على قتلهم في السفارة بأزمة دبلوماسية بيننا و بين اسرائيل..."
"لو تشعر بكمية الغضب و القهر التي أشعر بها ستعذرني...الى اللقاء..."
"ممدوح عود الى العوامة...لا تخرج منها! ممدوح!"
خرج ممدوح مسرعا و الغضب يغلي بعروقه، فلحقته مليكة و نادته متوسلة "ارجوك يا ممدوح تريث قبل أن تفعل اي شيئ و انت بهذه الحالة، يوسف على حق، إذا كانوا بداخل السفارة فسيكونوا و كأنهم في داخل دولتهم..."
التفت اليها و هو يقف أمام سيارته و قال "يا مليكة قد دمروا حياتي كليا لذلك بيني و بينهم ثأر شخصي..."
"لحظة من فضلك،" قطعت حياة الجسر الذي يربط العوامة باليابسة و سارت نحوه، اعتطته هاتف خلوي أخر و قالت له "يا ممدوح هذا الجهاز الذكي عليه برنامج يستطيع الإتصال بالأجهزة في هذه العوامة، و عليه رقم هاتفي ايضا، إذا احتجت لأية مساعدة او بينات أو معلومات اتصل بأجهزة العوامة، فسيأتيني تنبيه بأنك تحاول الإتصال بي و سأقصد العوامة فورا، مهما كانت المساعدة سأوفرها لك،"
"سأعود الى العوامة في ساعات الصباح الباكر بعد أن اقصد العنوان الذي ارسله لي يوسف..."
"لا تقدم على اقتحام السفارة بمفردك، فيجب أن يكون هذا الأمر وفق خطة مدروسة..."
********************************
أغلق المعتوه جهاز التعقب الإلكتروني الذي كان يتنصت من خلاله على حوار يوسف و ممدوح و مليكة، فقد كان على بُعْد ميل واحد فقظ من عوامة الإتصال، كان يجلس بين الاشجار و المزروعات في مرج فسيح على مقربة من النيل فإخفاء جثته كمارد ضخم بِطولْ ستة اقدام لم يكن سهل ابدا عليه، فحتى في اثناء ظلام الليل الدامس الحذر كان ضروري جدا، وقف على ركبتيه و أمعن النظر بإتجاه العوامة لبرهة من الزمن ثم ارسل أمراً بواسطة عقله الإلكتروني و جهاز لاسلكي متصل بيده الى مكتب الإتصال في القاهرة و طلب مساعدة الاقمار الصناعية، فكان يريد صور حديثة للسفارة الإسرائيلية في القاهرة و المخطط الأزرق لكافة الطوابق التابعة لها، تلقى مكتب الإتصال الطلب و قاموا بتنفيذ الأوامر بالسرعة الممكنة، فتحرك القمر الأحمر في الفضاء الى الموقع المطلوب و اتصل بالحاسوب المركزي و حَمًلَ الصور المطلوبة، و في خلال دقيقة كان المعتوه يرسلها الى الخلوي الذكي بحوزة ممدوح،
******************************
ارتفعت رنة الرسائل من خلوي ممدوح فجأة، فقرأ الرسالة التي وصلته، تجمدت الدماء بعروقه فجأة من الخوف و الصدمة و هو يُطَالع المخططات التي وصلته على الواتس آب، ارتسمت تعابير الخوف على وجهه مما دفع مليكة لسؤاله "ممدوح ماذا يجري؟"
"هنالك من كان يراقب كل كلمة تفوهنا بها أنا و انت و يوسف في العوامة منذ قليل...فمصدر هذه الرسائل ليس خلوي يوسف أو حتى اي رقم أعرفه..."
نظرت مليكة من حولها بتعجب كبير، كانوا بوسط غابات من الأشجار و المزروعات الكثيفة في قريتها الريفيه التي تبعد عن القاهرة مسافة ساعات طويلة بالسيارة، ففي خلال ايام خدمتها الطويلة في عوامة يوسف لم تشعر البتة أنها مراقبة من قِبَلِ أحد أو اية جهة غريبة إطلاقا، فكانت تذهب بكل يُسْر من و الى العواملة و من و الى بيتها من دون أن تشعر حتى و لو لمرة واحدة خلال السنين الماضية بأنها مراقبة،

"يا ممدوح نحن بوسط قرية ريفية تبعد عن القاهرة خمسة ساعات على الأقل بالسيارة، و هذه العوامة من الصعب على أحد اكتشافها و هي راسية على ضفة النيل و بوسط هذه الغابات الكثيفة هذه..."
"أنا متأكد بأننا لم نكن بمفردنا، فقد وصلني من رقم مجهول المخطط الأرزق لكافة طوابق السفارة الإسرائيلية، فهل من تفسير آخر؟ هنالك من يتعقب ارسال أجهزة العوامة يا مليكة، و لكن السؤال المهم هو مَنْ هُمْ و ما هي مصلحتهم في تسهيل مهمتي داخل السفارة...؟"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات