ذكراه .. ليلة الرحيل


حبيبي .. إنها الثانية عشر والنصف من هذه الليلة المباركة .. إنها لحظات إحتضارك المريرة منذ عام تعسٍ قد مرّ كأقسى ما يكون ، ساعتان .. وتفيض روحك الطيبة إلى حبيبها و بارئها ..

إنه عام الحزن الذي فطر قلبي ولا شفاء ، وضيّع روحي ولا لقاء .. ساعتان هما الحدّ الفاصل بيننا ، بين حياتنا وموتنا .. لقد لحقتُ بروحك إلى عالم الله ، ولم يبق مني بعدك إلا الجسد !

لا أريد لطفولتك العذبة أن تفارقني لحظة ، أعترف لك أنني جبانة حاولت الهرب من ذكرياتنا إلى البعيد ، بحثاً عن النسيان ، فما زادني البعد إلاّ إشتياقاً إليك فعدت .. عدت أبحث عن عينيك .. عن شفتيك .. عن رائحة المسك في يديك .. أماكننا هي هي .. لم تتغير ، يمرّ بها العابرون فيسترقون لحظات من فرح ، ثم يمضون كلّ في طريق .. ونظل أنا وأنت المكان والزمان .. نظل وشماً أصيلا ً في زمن الزيف والأقنعة ! فإبق معي .. تنفس معي .. وإضحك معي ، وإمشي معي في ليالي المدينة الحزينة ، خبئني بحضنك اللذيذ حين يداهمني هذا الشتاء ، إجلس معي إلى المدفأة ، داعب شعري ونادني ( يا طفلتي ) أعدني إلى تراب حارتنا العتيقة .. صغيرة تلاعب النجوم ،، وتهرب من موعد النوم بين الأزقة ..

وحدك من أعدت لي الأمان والسلام .. أنّى تلفتّ رأيتك .. وأنّى مشيت شعرت بخطواتك الحبيبة ترافق ليلي البهيم .. أين مكانٌ لم نكن فيه معاً ؟ في شوارع جبل اللويبدة .. في حديقة المتحف ، في دوار باريس .. في جبل عمان .. هنا جلسنا في الدوار الثاني ، وهنا مشينا في شارع الرينبو إلى وسط البلد ، وكم قطعنا شارع الطلياني ذهاباً وإياباً .. في جبل الحسين لنا ذكريات ، من الوحدات مشينا إلى وسط البلد ، ومن شارع الجاردنز .. إلى شارع المدينة المنورة إلى الصويفية إلى البيادر .. كم كنا نعشق المشي لساعات تتلاشى فيها قيمة الزمن ..

كم ضحكنا وبكينا وتشاجرنا .. وعدنا لنضحك حين يدهمنا مطرٌ بلا موعد ..

آااااه يا تاريخي وحاضري وغدي ، يا من خُلقتُ من أجل أن أكون لك حيّاً وغائباً تحت الثرى ..

يا ثريّا لا ينطفئ نورها ، ويا عطراً تزداد قوة عبيره مع الوقت .. كالخمر المعتّق .. كالشهد .. كوطني البعيد الساكن في شراييني دماءً تهبني الحياة من أجل أن أعيشك .. أن أكحّل عيني بوجهك الجميل ، وأن تشاركني لحظاتي حتى النَفَس الأخير ، حتى اللقاء الذي لا فراق بعده ..

كنت في صباح كل عيد ، أقبّل وجهك النديّ كالورد ، وأهمس لك : كل عيد وأنت في حياتي .. وفي هذه الليلة المباركة ، في بداية هذه السنة الهجرية ، وذكرى رحيلك الأولى أقول لك : كل سنة وأنت في جنات النعيم يا حبيب العمر ، ورفيق الدرب ، ومخبئي الذي كان .. وكان الأمان ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات