قراءات في الفساد


لم يَعُد الفَسَاد حالة ادمانٍ قد تُعالجُ في مشافي الُعزْلة او تنتهي في مجالس التّوبة ,ولن ينصهر بالسّهولة التي نعتقد تحت تأثيرِ مفاهيم القيم والأخلاق الحسنة و بقوة المنْطق الذي ندعوا و نحاور وننتقد , الفساد وبدعمٍ مُتعدد الأغراض من الدّاخل والخارج وبرعايةٍ سياسية ثعلبيّة التّصريح أصبح فيروسٌ قاتلاً يحاول تحصين نفسه ليصمد أطول وقت كي يُمَكّن القادمون الصغار من تولّي المهام الوطنية بحرفية فسادٍ عالية تجمع نذالة ابائهم وخيانة أجدادهم لتعبئ جيوبهم ...

مع هذا التصاعد في المديونية وغياب الفكر الاقتصادي لدى السياسي المتزمت وخدعة التمثيل النيابي لا شك أنّ ما ينتظر الجميع ليس الأفضل... فمع مرور الوقت ونفاذ الخطط العقيمة الرؤيا في التعليم والصناعة والاستثمار والزراعة ستصبح الحلولُ الحالية المتوفرة لدى النخبة المصلحة منتهية الصلاحية وسيكون لزاماً على المسؤول المتورّط أنْ يتورّط أكثر فأكثر لينتقل بعدها بتلقائية محرجة لنا الى مرحلة التنازلات المقدسة والتي ستكون للخصخصة المدمرة والاستثمار العشوائي دور فيها...
***
الاعلام الفاسد المضلِّل بشقّيه المعروفين هو جزء فعّال من استراتيجية الفساد , و واهمٌ من يعتقد أنّ العناوين الصحفيّة الورقيّة و الالكترونيّة والتداولات الإخبارية والبرامج الهابطة الفكر من المطبخ لوسط البلد لهذا المساء نوع من المصارحة والشفافيّة بقدر ما هي تغطيّة وتسلّق وسياسة تخدم المصالح الخاصة, من ناحية أرى أنّ التقرير الصحفيّ ضاق على حوادث تقليدية مملة ولم يعد علميا ناضجا مملوءٌ بدراسة ميدانية أو مخبريّة حين توَج أهدافه بالرضى الرسمي...
***
في مثال واقعي يكشف كيف عاث الفساد داخل جسم الدولة وتمادى هذا الوباء ليصفّي أخر معاقل البناء الديمقراطي, نشاهد غياباً تاماً لرأي المعارضة المصلحة داخل القرار الرسمي ,والسّبب الرئيسي لهذا الغياب كما أراه هو سياسة تفتيت المعارضة الى مقاطع صغيرة تمثلت في نقابات حقوقية وأراء فرديةٍ متباعدة لن يكون تأثيرها وهي في قمة قوتها كتأثير مجموعة واحدة كبيرة متماسكة , وفي جانب متوازٍ سعى الفساد الى طمسِ هويّة الأحزاب الصغيرة المعارضة وقطع أي اتصال لها بالعامة قد يُكوِّنُ مع تداعيات الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي ثقة متبادلة لحظةً ما. وما نلمسه من حذر اجتماعي تجاه أي نشاطٍ معارض بناء دليل واضح .....الى ذلك تكالبت القوانين من قانون الأحزاب الى الانتخابات وغيرها على محاولات الإصلاح الحقيقية وبالتالي الى استحالة فرز نخب فكرية عصرية مخلصة او حتّى لبِنَة لقاعدة هدفها إصلاحي...في مجلس النواب الحالي مقطع على المستوى البياني يبين أنّ عدد الأمناء المخلصين لا يتجاوز عدد أصابع اليدين..
***
ومن نفس الباب تطاول فاسد مباشر ومؤلم تبقى المخدرات فيه تصول وتجول في مدننا وقرانا وكأن الموضوع لا يعنيهم "لا بل يعنيهم" ,هو فقط القاء القبض على الحدود واستعراض من مسؤول دجّال على حساب جنديّ مخلص....أما كيف وصلت الحبوب الى الشوارع والمحلات والحارات بهذه الكميات الكبيرة وفي بقع ثورية الهوى ,فتلك ليست ربما من مهام مكافحة المخدرات بقدر ما هي سياسة مخدرات ...
***
السياسة الخارجية المعتدلة والحذرة إيجابية قد لا تستمر كثيراً حين يترك الامر لمن هبّ ودب أنْ يلعب في قوت المواطن ويتلاعب بحقوقه ويرميه فريسة سهلة لصياديّ الأزمات, ولن يكون لعراقة الجذر من جهة الخطة البديلة وقعٌ عظيم كما تُصوِّرُها البطانة الفاسدة واليافطات الشارعيّة , وكما كانت ذات سطوة اجتماعية محببة في وقتٍ ولّى.....
***
الاستخفاف بعقول وإمكانات الشعب من رجلاٍ مسؤولٍ أبيض الرأس أسود القلب صورة من التدهور الأخلاقي وحالة غرورية لا شك سترميه في مستنقع الخونة مع أخوته...لم يكونوا في الأصل معارضون ,كانوا فقط مختبئين خلف اقنعتهم ووجههم الفاسد بان للملأ....صور الفساد كثيرة جدا ومتنوعة والقراءات يحلّلها الصغير قبل الكبير ويضعها في سؤال بسيط : لماذا نسقط دائما بالخيانات؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات