أزمة الإخوان في الأردن .. إلى أين؟


ما يحدث في حالة إخواننا الأردنيين-إن جا ز التعبير –على اعتبار أن هناك جماعة إخوانية مختلفة عن المفهوم العام للأخوة الأردنية التي تجمع أبناء الشعب الواحد في بوتقة الوطن الواحد مثيراً للاهتمام بشكله ومضمونه نسبة الى ما اتخذوه من نهج في الخلاف لم يكن متوقعا منهم خاصة وأنهم كانوا يحاولون أن يضفوا على سلوكهم هالة من القدسية التي توهم أنهم مختلفون عن غيرهم وأيضا نسبة الى ما حصل بينهم من تراشق اعلامي حتى أنهم بما وصلوا اليه كفوا المتربصين بهم كل الشرور مثلما حدث في اقطار أخرى حيث لم يحتمل ما بدا أنه عنجهية الشعور بأن الشارع ملكهم وأن الشعب يسلم قياده لحراكهم فقط.

من يتابع الانشقاقات والاستقالات يدرك تماما أن الأمور تشطح بعيدا فالمسألة ليست إنفلات من السطح بل إنه غليان حقيقي قد يأتي على ما في الكأس وحيث أن الحديث قياس فإن هذا يعني أن الجماعة بإرثها وماضيها في مهب الريح.

تكمن خطورة ما حدث بأن من انشق عن الجماعة هم ممن خدم في صفوفها لسنوات طويلة وفي أعلى مواقع المسئولية أي أنهم يعرفون البئر وغطاءه وبالتالي فإن ما يطرحه هولاء حول ما يدور بداخلها لا يمكن أن يصنف أنه من باب المناكفات أو البحث عن المناصب إذ ان بعضهم من المشهود لهم بأنهم من ذوي الغيرة عليها ومن ذوي الفكر المستنير.

والوجه الأخر للخطورة هو الاستقالات بالمئات من الحركة والحزب الذي يعد الذراع السياسي لكّن هذه الذراع بقيت مكبلة بإرث الحركة التي تصر على نهج عفا عليه الزمن مما أوقعها بأخطاء التداخل بين الدعوي والسياسي.

ما وقع من حظر للجماعة الأم في مصر أربك الجميع ومنها فرع الأردن وكان يتوقع لإخوان الأردن أن يلعبوا دورا بديلا في اسناد الحركة على مستوى التنظيم العالمي الا أن صراعهم العلني خيب أمال الجميع.

كثيرا ما نسمع بعضهم يقول إن هذه الاختلافات والانشقاقات ليست جديدة على الحركة سواء كان ذلك في مصر أو الأردن أو غيرهما ومع ذلك حافظت الحركة على كيانها وكانت دائما تحقق مكاسب شعبية لا يستهان بها.

والرد على هذا الطرح ان ما كان يحدث قبل الربيع العربي يختلف تماما عنه اليوم اذ كانت الاستقالات غالبا ما تتخذ طابعا فرديا غرضه التنافس على المناصب أو الاختلاف حول المشاركة في السلطة من عدمه لكن اليوم تعد الاستقالات والانشقاقات جماعية وفي معظمها تطعن في النهج السياسي أو السلوكي للقيادة حيث يرى البعض انه يحاكي الاستبداد الرسمي.

وعندما نبحث عن أسباب الانقسامات أو الانشقاقات في تاريخ الحركة منذ نشأتها في مصر نجد أن المخاض الذي تمر به الحركة في الأردن لا يخرج عن الأسباب والمعالجات نفسها مع تأثير الخصوصية الأردنية.

لكن لم وصلت الأمور الى ما وصلت اليه بين إخواننا الأردنيين الذين طالما تغنينا برشدهم؟
ولم آثروا أن ينقضوا غزلهم بأنفسهم علما بأنهم –لا غيرهم- تغنوا بحكمة النظام بل طالما اعتبره بعضهم حاضنة دافئة لإخوان الداخل والخارج؟

لقد كان واضحا للعيان وللإعلام إن هناك مجموعتين تتصدران المشهد وتتصارعان فيما بينهما منذ زمن بعيد على الرغم من أن الحركة بقيت تنفي وتنكر التصنيف أمّا أبرز ما تنافرت فيه الحمائم مع الصقور يتمثل في عدد من الإشكالات منها:

- مرجعية الجماعة لمن؟
- هوية الجماعة هل هي اردنية أم ماذا؟
- العلاقة بحماس ومكاتب الخارج خاصة في الخليج.
- أسلوب اتخاذ القرار بما ينطوي عليه من تعسف واستبداد.
- الاختلاف حول مفهوم البيعة بما ينتجه من مفاهيم الطاعة والولاء.
- ترتيب الأولويات فهل الأردن أولا أم ثانيا أو ربما عاشرا!.
- وجود التنظيمات السرية داخل التنظيم السري.
- التداخل بين النهج الدعوي والعمل السياسي.

هذه القضايا شكلت في مجملها جوهر الخلاف ويبدو أنها كانت مثارة منذ زمن لكن ككل معالجاتنا العربية الاصيلة في كل شأن فقد بقيت ترحل عبر الزمن مع ما يغلف عمل الجماعة من السرية وايهام الناس بأن الجماعة ربانية الى أن طفح الكيل بما فيه بصورة لم يكن يتوقعها أحد.

قبل تصعيد هذه الخلافات الى العلن بقليل جلست مع أحد قيادات الصف الأول في الجماعة وكان موضوع اللقاء خاصا بعيدا عن الهم العام وفي الوقت الذي كانت تخطر في البال الكثير مما يمكن طرحه حول شأن الجماعة لكني آثرت أن ابتعد ولا اشغله بما قد يزعجه حيث كان حينها ضيفي لكني وجدت الرجل بعد انتهاء الحديث فيما بييننا من شأن خاص ينطلق تلقائيا للحديث في قضايا وطنية ويخوض في شأن الجماعة.

كان حديثه يوحي أن كل شي على ما يرام والجماعة في أحسن حال ولا توجد خلافات وما حديث الحمائم والصقور الا فبركات اعلامية وتركت الرجل يتحدث على سجيته وبراحة كاملة وربما كان يخالجه شعور بأنني غير معني أو متابع وكانت المفاجاة أنه بعد اشهر من هذا الحديث ُيفصل الرجل من الجماعة.

في الوقت الذي يشكو فيه الخارجون عن قيادة الجماعة انها تتعسف باتخاذ القرار وتفصل من تشاء ولا تستجيب لمطالب الإصلاح الذاتي تصر القيادة على عدم وجود مشكلة وانها ستكمل دورتها حتى النهاية لأن "الأقصى هذه الأيام في خطر" وإنها ما زالت تتحدث عن الولاء والانتماء والطاعة العمياء روافعا للبيعة.

ان الحركة تمر بمخاض عسير- اعترفت قيادتها أم لا -شئنا أم أبينا- وكل واحدة من نقاط الخلاف المشار اليها سابقا تعد إشكالية هامة ينبغي التعامل معها وقد آن للحركة التي آثرت أن تخوض غمار السياسة من أن تتعامل مع استحقاقات اللعبة بموضوعية وتاخذ بالتجارب الناجحة مثل التجربة التركية والتونسية والمغربية التي اقنعت الناس بوطنيتها أولا وعليها أن تسعى الى التنوير الفكري وتطوير أساليبها وأدواتها فلم تعد البيعة كما الاستفتاءات الرئاسية تحصن القيادة وتتنكر للقواعد والشعوب ولم تعد نظرية كما الميت بين يدي غاسله تجدي نفعا.

أخر القول أن الحركة لم تعد قادرة على تجاهل الحراك المحلي والعربي ولا أن تعالج المستجدات باساليب قديمة واهية وعلى قيادتها أن تستشعر مسئولياتها تجاه قواعدها أولا فهم اليوم من الشباب المتنورين وعليها أن تحسم أمرها في مرجعيتها وفي وطنيتها وفي ترتيب أولوياتها فلا يسعنا كأردنيين الا أن نصر على أن الأردن أولا وثانيا وأخيرا لأي تنظيم يعمل على أرضه.
الدوحة - قطر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات